الحق في قيام الدولة الفلسطينية مثبت تاريخياً بالتواجد المستمر وغير المنقطع للشعب الفلسطيني فوق أرضه التي لم يتخلى عنها أو يهجرها على مدار آلاف السنين، وبمقاومته المتواصلة ورفضه الاحتلال، وهذا أساس الحق التاريخي، ومثبت أيضاً في القرار الأممي رقم 181، والذي شكل أساساً ومنفذاً لإسرائيل كدولة، لأنَّ الحق في الدولة الفلسطينية يسبق هذا القرار. ومع ذلك، وفي ضوء التطورات السياسية القائمة، يشكل هذا القرار أيضاً الأساس لقيام الدولة الفلسطينية، والتي بموجبه تشكل حوالى 44 بالمئة من مساحة فلسطين، مع وضع القدس تحت الوصاية الدولية. يضاف إلى ذلك القرار رقم 242 الشهير، والذي يقر عدم شرعية ضم أيّ أراض بالقوة، وهو ما يعنى أن كل الأراضي التي ضمتها إسرائيل ومستوطناتها تعتبر غير شرعية، إلى جانب العديد من قررات الشرعية الدولية الأخرى، والتي تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.

خلاصة القول هنا إن الفلسطينيين لا تنقصهم الأسس القانونية ولا الدولية ولا التاريخية في حقهم في قيام دولتهم. والسؤال ما الذى أعاق ويعيق قيام هذه الدولة؟الإجابة في كلمات موجزة هي الاحتلال الإسرائيلي المستمر، ورفض إسرائيل المطلق قيام دولة، بحجة أن فلسطين كلها دولة لليهود، وهذا ما كان يمكن أن يتحقق لولا الدعم البريطاني تاريخياً، ووضع انتدابها في خدمة هدف قيام هذا الوطن تنفيذاً لوعد بلفور، وهو ما حققه القرار المذكور، وما كان يمكن أن يستمر ليومنا هذا لولا الدعم والحماية الكاملة من قبل الولايات المتحدة، وممارسة حق الفيتو للحيلولة دون قيام الدولة الفلسطينية، وتوفير الغطاء والحماية لتمدد إسرائيل واحتلالها كل الأراضي الفلسطينية، هذا بالرغم من اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل وفقاً لاتفاقات أوسلو عام 1993، وهو الإعتراف الأساس لشرعية إسرائيل بخلاف أي اعتراف أخر مقابل دولة فقط على مساحة 20 بالمئة من أراضي فلسطين التاريخية، أي بالتنازل عما يقارب 25 بالمئة مما نص عليه القرار الأممي 181.

إقرأ أيضاً: هل يمكن للذكاء الاصطناعي توقع الموت... حقاً؟

وبالرغم من كل هذه المعطيات، استمرت إسرائيل في احتلال أراضى الدولة الفلسطينية وضمها. ومن ناحيته، لم يستسلم الشعب الفلسطيني ولم يوقف نضاله السلمي وحتى العسكري الذى يقره القانون الدولي، وهذه المقاومة أساس لرفض الاحتلال، وكل ما ترتب عليه من تداعيات وتغيرات على الأرض، وكما اعترفت منظمة التحرير بإسرائيل، يكفي أن تسحب اعترافها ذاك وتذهب إلى الأمم المتحدة وتطالب برفع مستوى الدولة من دولة مراقب إلى دولة كاملة العضوية تحت الإحتلال، وتفعيل المسؤولية الدولية، مع العلم أنَّ قيام إسرائيل وقبولها عضواً كان مشروطاً بعودة اللاجئين وقيام الدولة الفلسطينية، وهذا يشكل أساساً قوياً لإسقاط عضوية إسرائيل كدولة عضو في الأمم المتحدة.

وتملك المنظمة أيضاً حق إلغاء اتفاقات أوسلو وإعلان مرحلة الدولة الفلسطينية، وكلها خيارات ومقاربات قوية لتنزع عن إسرائيل أسس الدولة في الأمم المتحدة.

إقرأ أيضاً: هل يسرقون المطر الإيراني؟

واليوم، ومع حرب غزه المختلفة عن كل الحروب السابقة، والتي يتمثل هدفها الرئيس بإلغاء القضية الفلسطينية وغلق ملف وكالة الغوث وما ترتب عليها من إبادة شاملة وذهاب لمحكمة العدل الدولية وتداعيات توسعها وإمتدادها إقليمياً وتعريض فرصة السلام العربية الشاملة للخطر، ذهبت الولايات المتحده وبريطانيا وتحت ضغط عربي لتجديد الحديث من جديد عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وهنا التساؤلات عن ماهية الدولة ومقوماتها؟ وهل هي دولة بالمعنى التقليدي لأدبيات الدولة بتكامل عناصرها الثلاث الإقليم والشعب والسيادة، وهذا المعنى التقليدي مستبعد تماماً لأنَّ الحديث عن الاعتراف بالدولة لا يخرج عن المعنى اللفظي البروتوكولي، أي دولة شكلية من دون أن يكون لها ممارسة سيادية كاملة على أراضيها، ومنزوعة السلاح بالكامل، أي دولة بالمعنى الأمني الذى يحفظ الأمن ويحول دون أي مقاومة لإسرائيل، ودولة لا تمارس سيادتها الكاملة على مواردها الاقتصادية، ودولة مثقوبة متناثرة تحتويها المستوطنات المنتشرة في قلب الأراضي الفسطينية. وبالرغم من كل هذه التوصيفات، فإسرائيل ترفض مجرد الحديث عن الدولة بمفهومها القانوني، لأنَّ مجرد الاعتراف بالدولة الفلسطينية يعني سقوطاً لكل مقولات الحركة الصهيونية في قيام وطن قومي لكل اليهود في كل فلسطين، والحيلولة دون تحقيق فكرة إسرائيل الكبرى.

إنَّ مجرد قيام الدولة الفلسطينية يتطلب أولاًَ تفكيكاً للمستوطنات القائمة في الأراضى الفلسطينية، ويتطلب موقفاً يتجاوز الاعتراف اللفظي الذي تردده الإدارة الأميركية وبريطانيا، والأهم أنَّه يعنى نهاية للاحتلال الإسرائيلي وحلاً عادلاً لمشكلة اللاجئين وأحد أهم الخيارات حق عودتهم للدولة الفلسطينية في حال قيامها.

إنَّ كل ما تقدم سيشكل تحدياً كبيراً أمام إسرائيل، التي تربط مستقبلها وبقاءها بعدم قيام الدولة الفلسطينية. ويبقى أنَّ التحدى والعائق الأكبر أمام الدولة الفلسطينية هي الحكومة اليمينية في إسرائيل، ورفض إسرائيل المطلق للدولة الفلسطينية. لكن سؤال الدولة الفلسطينية يبقى قائماً ويشكل تحدياً للسلام والأمن إقليمياً وعالمياً، والسؤال من سينتصر: الإرادة الدولية أم إرادة القوة التي تمثلها إسرائيل؟ ونقول في الختام الدولة ليست منحة تمنح بل تنتزعها قوة الحق الفلسطينية.