كثير من الوجوه التي نواجهها في الحياة يغلبُ عليها مزيج من ألوان اللؤم والحسد والضيق، تحاول - جاهدة - الإضرار بالناس بدون مبرر، ما يضطرها في أغلب الأحيان إلى الوقوف على الكثير من المشكلات التي خلعت عنها عباءة النبل والود، واكتفت ـ وبكل وقاحة ـ التحاف رداء الوقاحة والنظرة الدونية المبطنة بالحقد، لهذا الشخص أو ذاك، وهذا ديدنها الذي تُطرب له!

وفي الغالب فإنها كثيراً ما تحمل في سريرتها الحقد والأستذة والتكبر على عباد الله، ولا يمكن بحال أن تفسّر هذه الظاهرة المستشرية التي غدت تُلعب على مسرح الحياة، وقد تنجح، ونجح فيها كثيرون، ولم تغب رسوماتها عن أحاسيسنا وأذهاننا التي يمكن أن تكون قادرة على أن تقرأ الكثير من أمثال هذه الصور المتعفّنة التي تكرّر تبعاتها. والأنكى من ذلك، أن يُعاملك أشباه الرجال، بغضب شديد، ولعنة حاقدة، ومن الصعوبة بمكان أن تبادر إلى فرملة طريقهم وألوان طباعهم التي لا يمكن لها أن تقف عند حد معين!

ومن غير المستحسن أن تغيّر طباعك، وما جُبلت عليه، فضلاً عن الكثير من الصفات التي تتفرد بها شخصيتك عمّا سواها من أجل الفوز بمبادرة، ليست في الأصل مقتنعاً بها، وعلام تدل هذه البادرة التي، بالكاد، يكون أطرافها على صواب.

من هنا، تمكّن البعض من أمثال هذه الشريحة من البشر، من أن يعتلي صهوة الحصان، ضارباً أخماساً في أسداس في أن يعلن فوزه بقصب السبق الذي يسجل في نظرياته نتائج يُفاخر ويعتز بها، بالرغم من جهله بها، وهو بعيد كليةً عن هذه الصورة التي تظل جزءاً من مبادرات فردية كثيرة التزم بها، وصارت أنموذج حياة متكاملة، سهلة تداركها والفوز بها.

في هذه النزهة، يندر تواجد أبواب ونوافذ وإطلالات، يمكن الأخذ بها، وهي تنحو جانباً لمجرد تصفّح موقع اجتماعي، أو قراءة رواية تتصدر واجهة مكتبة صدرت حديثاً، أو قراءة مقال أو تحقيق صحافي منشور في صحيفة يومية، أو في موقع إلكتروني أخذ من الشهرة ما فيه الكفاية، أو في حال حضور فيلم سينمائي يُجسّد حياة يغلفها الحزن، وترسم ملامح الفقر والحاجة التي بات يعاني منها كثيرون، أو لجهة مشاهدة معرض رسومات لفنان تشكيلي كبير يصور الحال السيء لما آلت إليه أحوال بلاد العربية المأسوف عليها من دمار وخراب وتهجير شتات، وجوع وفقر مدقع، تلك التي تبحث عن الرقي والأمان والدلال، والكثير من المسارات الإضافية طالباً بعض الراحة لتخليصه من وعكة صحية ألمّت به، أو تيار دفعه كبرياؤه التغلب على أوجاع الحياة وبؤسها، بعد أن صار عنوانها يُشكل هاجساً مبتذلاً لهذا الواقع الذي تزامن مع بوادر كثيرة ما زالت تبحث عن مرجعيات أراد من خلالها الاحتكام إلى الضمير، وهذا ما صار، وللأسف، يوجّه الكثير إلى آراء ومضامين نريدها أن تكون بعيدةً عن هذا الاحتقان الذي بات يولّد رؤى وتيارات متزمتة في قرارها، وفي هذا بات لا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب!

الوقع يُنذر بضرورة الحاجة إلى صحوة ضمير قادر على أن يُطلق أحكامه بصدق وعفوية على المحيط الذي نعيش فيه، ويخلصنا من أوهام الماضي ويلصقها في زوايا طرقاتنا المترهلة التي نقرأ فيها المزيد من الصور السلبية، والتي تضفي على واجهة بيوتنا التي تهدّمت، مزيد من الأسى، وأصبحت جزءاً من ماض أليم، وهي بحاجة إلى كلمة حق تعلن صدقها.

***

وأليس من الإجحاف، أن يتحوّل حال وضع أهلنا في سورية إلى ما هو عليه اليوم من إذلال وتهميش وقتل وتشريد، بعد أن كان العالم برّمته يشهد على أن المواطن السوري وحتى الساذج منهم، يتفوّق بداهةً على كل من له علاقة بأي مجرم تطاول على أهلنا هناك، أو ادعى الحفاظ على هويتها، وغير ذلك من هؤلاء الذي يتغنّون بالأصالة والعفّة والشيمة العربية، وحتى ممن يفاخرون بذلك الثوب العنّابي المخمور الذي لا يمكن أن يخضع لأي لون من ألوان الصباغ التي لا يمكنها أن تغيّر من ألوانه مع مرور الوقت، مهما أصابها من تآكل!

وأليس من الأجدى، أن نقف، وبكل احترام إلى جانب كل مواطن سوري ظل متشبثاً بأرضه صابراً، تحمّل، وعلى مضض، أعتى صنوف العذاب والحاجة، لاعناً الحال التي يعيشها، لأنها جَلبت عليه المواجع، وأضرمت في وجدانه وكيانه نار الشوق للكثير من أبنائه الذين هاجروا، وولّوا هاربين إلى بلاد الاغتراب، بسبب الضنك والحاجة، والخراب والدمار الذي حل بمدنهم وقراهم، والألم الذي رسم لهم الطريق.

طريق الهجرة والبعد الذي أوجعهم، وألزمهم بكل هذه المحطّات التي أدمت قلوبهم، وأحبطت رغباتهم وأحلامهم، وألّبت مواجعهم، وأحالت حياتهم الآمنة إلى سوداوية بغيضة!

صور فيها الكثير من ألوان الحزن، وأضفت على حياتنا، نحن السوريين، فيض من اللعنات على كل من حوّل كل بيت سوري إلى مزيد من الأحزان والآلام والمآسي، وألبس أهله ثياب الفراق والموت الزؤام، ولم يعد بالإمكان العودة بها إلى ما كانت عليه، فقد تحّول كل ما هو جميل في حياة أهلها إلى مقت حقيقي، وألم وحرمان وأوجاع مؤلمة.