معاناة الشعب السوري لا يمكن لها أن تتوقف سواء في سوريا أو حتى في بلاد اللجوء التي احتضنت أعداداً كبيرة من أبنائها هرباً من بطش أزﻻم النظام و"بلطجيته" الذين لم يقصّروا في قتل ونهب وتهجير أهلنا في كل المدن السورية، فضلاً عن تدمير مشاريعهم السكنية الصغيرة والتجارية، مورد رزقهم، وترك إرث يتشح بالسوداوية البغيضة التي لا يمكن بحال السكوت عنها، من فقر مدقع وبطالة مستشرية!

فالحالة العامة في سوريا ظلت مؤلمة، وبات المواطن في تلك البلاد ينظر إليها بكل حسرة، ويتطلع على أمل أن يعيش حياة طيبة، ويتألم على صور الأحداث وما أفظعها، وعلى ما انتهت عليه من صور مؤسية لا يتقبلها عقل أو منطق!

في النمسا، على سبيل المثال، تتصاعد وبوتائر عالية المظاهرات ضد النظام السوري من قبل اللاجئين الذي حصلوا على إقامة لمدة عام، ما كرّس آلاماً حقيقية، ومعاناة ألهبت مشاعرهم في كل وقت، وفي كل حين ﻻ يمكن الاستفاقة منها، وما زال هناك البعض من أزﻻم النظام يتغنون به، بكل صفاقة، ويباركون وجوده وبقاءه، ﻻ لشيء، وإنما خوفاً مما سيأتي عليه مستقبلاً من نتائج غير محمودة العواقب التي ستتركها تلك النظرة في حال كانت سلبية!

في تلك البلاد اﻷوروبية يظهر وزير الداخلية والمستشار النمساوي، ويؤكدون في تصريحاتهم أن الوضع في سوريا آمن ومستقر، وطبيعي جداً أن الناس تعيش كما كانت عليه متحملة كل أنواع البؤس تصارع الحياة برغم الصعاب!

الواقع ليس كما يتصوره الأغلبية، فهو صعب جداً، والمعاناة تزداد تفاقماً، والوضع اﻻقتصادي يزداد سوءاً وهو في أدنى مستواه، والدخل الشهري للموظف ما دون الصفر، وهو غير قادر على أن يلبي حاجة شخص واحد ﻷسبوع، فكيف في حال أنّ الراتب المأسوف عليه، مطلوب منه أن يُغطي معيشة أسرة تتكون من أب وأم وخمسة أبناء صغار، فضلاً عمّا يُطلب منه تسديده لجهة إيجار البيت الذي يقيم فيه، وهذه وحدها معاناة كبيرة وكبيرة جداً.

المشكلة التي بات يعانيها اللاجئون هي مشكلة الإقامة التي تُعطى للسوريين، والتي ﻻ تتجاوز العام الواحد، وهذه يترتب عليها معضلات كثيرة، وأهمها أنها ﻻ تخوّل اللاجئ استكمال أوراق لم شمل أسرته التي تعاني اﻷمرّين في أماكن إقامتها، وتنتظر على أحر من الجمر قدومها إلى حيث يقيم اﻷب الذي سبق أن دفع الغالي والنفيس لقاء وصوله إلى تلك البلاد الذهبية، كما يظن بعض المقيمون في الداخل السوري، ولكنه قدر هؤلاء اللاجئين.

هكذا كتب ﻷبناء سوريا المصير المجهول، وفي ظل حكومة فاقدة للشرعية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى!

وهناك كثير من المظاهرات التي تقام كل فترة بهدف نقل الصورة الحقيقية للحكومة النمساوية بكل صدق، والمواطن في سوريا ما زال في حيرة. فإلى فصيل يُمكنه أن ينتسب؟ النتيجة واحدة، في حال انتسب إلى أي فصيل مقاتل... فالقتل مصيره المحتوم بلا شك، وهذا ما ينتظره!

ومن بين الصور التي نقلها لي أحد اﻷصدقاء المقيمين في ألمانيا، أنه ومنذ نحو أربعة أشهر، أقدم أحد السوريين هناك، من بين هؤلاء الذين هربوا من سوريا، واكتووا بنار اﻷسد وعصابته، اضطرته ظروفه إلى السفر إلى هناك، لزيارة أهله والاطمئنان عليهم بعد غياب حوالى عشر سنوات، ولمجرد وصوله إلى مدينة حلب ـ مسقط رأسه ـ اُحْتُجِز من قبل السلطات الأمنية واعتقل لمدة شهرين، وأخذ ما في جيبه من مبالغ مالية ورميه، بعد أن سلبوا ما لديه، خارج أسوار بلده، بالرغم من أنه دفع ما يترتب عليه من بدل نقدي لجهة الإعفاء من الالتحاق بخدمة العلم.

هذا هو حال الأهالي في سوريا، فهم يحارون في كيفية اختيار معيشتهم وقضائها بين أنياب وحوش كاسرة لا تعرف الرحمة أو الشفقة، وكل ما يهمها مصالحها الشخصية، ويدّعون على أنها بلاد آمنة!

هكذا هي صورة الأمان التي يظنونها؟ وهل تكون صورة الأمان على هذه الشاكلة؟

في سوريا ﻻ يوجد أمان بالمطلق، وخاصة في المناطق التي يحكمها النظام السوري المجرم و"بلطجيته"، وهذه حقيقة ﻻ أحد ينكرها!

الخوف يُدغدغ مشاعر السوريين، ويؤلب مضاجعهم، وكل من يُفكر في زيارة أهله وأصدقائه ومدينته، ويعود بذكرياته على تلك البقعة من شوارعها، وكل ما ترسمه في مخيلته، فإن مصيره ـ بالتأكيد ـ اﻻعتقال أو السجن، وتجريده من ماله أو القضاء عليه، وهذه أبسطها!