الحياة ممتلئة بعربات الزمان ولكل إنسان عربة حيث يدون فيها رحلته الحياتية والذكريات والآلام والأفراح والانكسار والغرام والفخر والندم، فعربة الزمان تسير إلى الأمام ولا تعود إلى الخلف...عربة لا نملك حق وقف عجلاتها الزمنية ولا القفز منها بإرادتنا!

عربة الزمان تبحر بنا نحو المجهول والمبهم العاجل والمنتظر وسط أمواج عاصفة وغاضبة وأخرى مفزعة بصمت الهدوء وأمواج تمتطي الثمالة من طيبات الخلد والدنيا ونشوة السكارى من عاشقين ومغرمين ومتيمين ومتخاصمين!

الحياة فيها لذة خمر الشاربين والمتذوقين، وفيها علقم المتمردين والغاضبين والمشردين بين آهات العمر ورياحين الشباب والشعر الفضي والنسيم العليل وابليس الدنيا وملاك الجنة على الأرض.

يتملكنا شعور العودة إلى الماضي والهروب من الحاضر، ويتملكنا الماضي العاصي والقاسي وخفقان فراق لقلوب العطشى ونبضات وجدانية تهوى البقاء ولا يهمها وقت الرحيل ولا ثمن المغامرة ولا تفزع من السرقة الوجدانية.

عربتنا الزمنية بالحياة لا يتملكها الهروب من الحاضر والتمرد عليه، ولا يتملكها شعور البحث عن حاضر أفضل من الماضي أو ماضي أفضل من الحاضر، فعربتنا ليس لها حق الهروب إلى الماضي، ولا إعدام الحاضر والمستقبل، ولا يقودها سوى القدر المحتوم!

ليست رغباتنا كلها عقلانية، وأجملها رغبات مفتونة بالحب والحياة والغرام بين سلالة حواء وأدم ونعيم عذابات الشوق وسطوة الحب وعشق عذارى القلوب ورعشة جفون البالغين والناضجين بإحساس اليقين الوجداني.

عربتنا الزمنية تجسد الحياة وتحمل مفاجآت الأقدار الحتمية، وتنقلنا من مكان إلى مكان وزمان مختلف وزمان صادم... زمان الهوى وسكارى الحياة والهدب الناعس والصدر الناهد والثغر المبتسم بعناية ربانية لا يحترق بياض الاسنان ولا يذبل شعاعه!

قيمة الحياة تحملها عربتنا الزمنية، ونتعلم ثمن الحياة ونحن على ظهر العربة ونتعلم ثقل الأحلام وحريق الأوهام والظنون ورجفة التردد والاستفهام... حلم يمزقنا وأخر يقتلعنا من الأعماق من بعيد... بيننا انهار وبحار وجبال وصحارى ومسافات طويلة تمزقنا بالحنين ونحن ما زلنا في البداية!

نكتشف على ظهر عربة الزمان قيمة اختباراتنا الحياتية ونجاحتنا، وثمن خفقان الوجدان والليل الممتد والقلق الوحشي الذي يقتحم موطن الأسرار ولا يغتال نبضات الانتظار ولا يعرف الاحتضار.

أبنة الأربعين معتقة وكأسها لا ينضب، وعيناها قمر يقرع أبواب الظلام ونهد مجنون ينافس ضده، وأبن الستين لا يودع الغرام ويبحث عنه في كل مكان ليستكين ويهدأ الحنين ويذوب على أغصان المتمردة والمضطربة التي لا تتحدى المصير الملعون!

سنعايش الحياة بعلقمها وقسوتها، وسنعايش جمالها المؤقت والقادم العابث بالقلوب وحارق الجفون والراقص بعواطفنا المعطلة...سنعايش الحياة ونولد من جديد مع الثغر الباسم الجميل والقلب الحنون ونعانق سر أهل نجد المدفون... بخور الطريق!

عايشنا الحياة قبل الولادة في رحم حنون، وانحنينا لميزان الحياة المائل، وفزنا بقُبلَة من بعيد لصورة الثغر الساحر، واحتضنا طوفان الوجدان النازف وحريق العيون الباكية والقلب الناظر إلى زمن لا يعرف وداع القلوب والعيون.

إذا أحسنا الاختيار فرحنا، وإذا فاتتنا فرصة ندمنا، وحزنا على الندم، فالمهم عدم تفويت فرصة اللقاء والعناق، وفرص المغامرة واكتشافات سحر وهج الإيمان المفعم بالحب والشموخ والوثب نحو الحياة تحت ضوء شمس وقمر الزمان.

هكذا الدنيا تسامح وكبرياء وعناد وعذاب وشوق وحب وغرام، وعربتنا الزمنية تطوي العام تلو الأخر والشعر الفضي يعطر المدى مع عيد الميلاد الذي يأتي وسط ضجر العمر وأهات القلب الذي ينتظر بخور الطريق وعطر الحياة... إنها الحياة الجميلة والصدفة السعيدة.

عربة زماني قطفت اليوم، 5 سبتمبر، عاماً ستينياً جديداً فيوم مولدي عاد دون استئذان -كالعادة- وأطفأت شمعة ستينية جميلة منتظرا موعدي مع المشجر الأخضر والمستقر بجوف خزانة الوجدان لمعانقة الأصابع المخملية حتى لو لم يكتمل مكياجها وسال كحل العيون.

*إعلامي كويتي