تعمدت موظفة بإحدى البلديات في محافظة القيروان، تونس، شتم ونعت مواطنة بألفاظ بذيئة، وذلك أثناء قدومها لاستخراج وثيقة، بطريقة تفتقر إلى التهذيب. اللافت أنَّ مثل هذه السلوكيات تحدث يوميًا، وبشكل يفوق ما يمكن تصوره، في معظم الإدارات المكلفة بخدمة المواطنين.

أدركت الموظفة حجم المصيبة التي حلت عليها بفقدانها وظيفتها، بعد أن تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع مقطع فيديو لها، وهي تتفوه بكلمات نابية ضد إحدى السيدات، التي كانت معترضة على رداءة الخدمات وطريقة التعامل مع المراجعين. فادعت الموظفة، عبر مقطع فيديو بثته على فيسبوك، أن السيدة زيّفت صوتها باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي. لكن شهود العيان وخبراء التكنولوجيا برّأوا الذكاء الاصطناعي من تهمة البذاءة.

يبدو أن الموظفة لجأت إلى "توأمها البذيء" من الذكاء الاصطناعي الذي صنعته في ذهنها أو النسخة المطابقة لها. لكنها نسيت أن تأخذ الجانب الأخلاقي بعين الاعتبار، فحتى النسخ الحالية للشبكات الرقمية المطابقة للبشر تخضع للوائح قانونية وأخلاقية تهدف إلى منع استعمال المحتوى البذيء.

سبق أن أطلق ديفيد لوكستون، أستاذ علم النفس السريري في كلية الطب بجامعة واشنطن، اسم "التكنولوجيا فائقة التدمير" على الذكاء الاصطناعي، بسبب قدرته على إحداث تغيير عميق في المجتمع بطرق غير متوقعة. وبالرغم من ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي قد يحمل أيضًا القدرة على الحد من الظلم في عالم اليوم إذا تمكن الناس من الاتفاق على معنى "العدالة".

إقرأ أيضاً: المتملّقون في إكس

هذا ما استبعده نخبة من الباحثين، بينهم عالم اللسانيات نعوم تشومسكي، في مقال مشترك، معتبرين الأمر "وعدًا زائفًا". وبالرغم من تعبير هؤلاء الباحثين عن تفاؤلهم بأن الذكاء الاصطناعي وسيلة يمكن من خلالها حل مشاكلنا، إلا أن مخاوفهم كانت أكبر من أن تشوه هذه التقنية أخلاقنا، وذلك من خلال دمج مفهوم معيب بشكل أساسي للغة والمعرفة في التكنولوجيا التي نستخدمها.

العيب ليس في الذكاء الاصطناعي، ولكن في الثقافة الضحلة السائدة في معظم الإدارات والمؤسسات العربية، التي جعلت العديد من الموظفين يخرجون عن نطاق الآداب العامة، وينساقون وراء سلوكيات سلبية - عدوانية. يحاول بعضهم التصرف بشكل لائق ظاهريًا، ولكنه فجأة ينسى أسلوب الود والديبلوماسية، ولا يحترم بدلته أو ربطة عنقه، ويتفوه بألفاظ معيبة مليئة بالعنف والحقد والكراهية. وعوضًا عن أن يرتقي في قوله وتفكيره ووظيفته، التي لا تطرح جدلًا بقدر ما تعكس ثقافة وطن، فإنه يتحول إلى مرآة سلبية لمجتمعه.

إقرأ أيضاً: "الدستور الأخلاقي" تحت الحصار

بالرغم من أنَّنا قد نتفهم أحيانًا موظفًا استشاط غضبًا أو تصرف بشكل مندفع دفاعًا عن نفسه، أو ردًا على سلوكيات استفزازية وعدوانية ضده، لكن الأمر يختلف إذا رأيناه يتسكع على الإنترنت، ويتورط في حكايات ونمائم مع الموظفين الآخرين. للأسف، أصبح هذا جزءًا من نمط سلوكي مزمن وسائد بين الموظفين الإداريين، الذين يهددون ويرفعون أصواتهم ويلوحون بقبضاتهم. فيصبح الأمر أشبه بـ"احتجاز المراجعين كرهائن"، في الوقت الذي يُفترض أن ينهمكوا في العمل ويستجيبوا لخدمات المواطنين.

للأسف، لم تجد معظم الحكومات العربية حتى الآن حلًا ناجعًا أو دواءً نافعًا لهذه السلوكيات المزعجة، وليس من المنتظر أن تجده في المستقبل القريب.