عاهد مخلد بن شعيل نفسه منذ نشأته بالقرب من القدس بالضفة الغربية على مناصرة أهل فلسطين في الضفة الغربية وغزة وكافة التراب الفلسطيني وخارج فلسطين، وأن فلسطين بلد واحد وشعب واحد، وأن العرب أمة واحدة. دخل معترك النضال عبر العمل على استقلالية قضية فلسطين عن أي متاجرة وعدم الميل لأي من القوى الإقليمية أو الدولية، وأن تُعالج القضايا الفلسطينية داخل البيت الفلسطيني ويتوحد الفلسطينيون تحت علم واحد وقيادة واحدة. حارب تكوين الفصائل عبر الدعم الخارجي بحكم أن هذه الفصائل ستبقى رهن إشارة ذلك الداعم، فوقف ضد الحركات اليمينية واليسارية والمتأسلمة. فقد كان فلسطينياً وطنياً يرى أن مصلحة فلسطين فوق مصلحة أي فصيل في الداخل أو الخارج، وأي قوة إقليمية أو دولية مهما كانت المغريات، وأن تحريرها يتوجب ذلك.

لم يرضَ يوماً بشق الصف الفلسطيني، فألزم نفسه بالحياد ولم يقبل بأي شكل التواجد الفلسطيني المسلح في الدول العربية المجاورة إلا بما يخدم القضية الفلسطينية ويحرر أرض فلسطين فقط. وطالب بأن تكون المخيمات الفلسطينية بعيدة عن أي صراع نفوذ، وأن تكون المخيمات الفلسطينية لكل الفلسطينيين دون انتماء معين.

رأى أنَّ من الحكمة أن تكون مواقفه من أشقائه العرب مواقف إيجابية، فحافظ على مصداقيته الشخصية والنضالية وحرص على وحدة الصف العربي في كافة قضاياهم حتى نال إعجاب كل العرب. لم يتكسب من قضية فلسطين كما فعل غيره حتى أصبحت أرصدتهم مليارية وأملاكهم وشركاتهم في الشرق والغرب.

عاش في دولة عربية شقيقة قريبة من فلسطين معززاً مكرماً ورفض تأسيس أي جماعات أو فصائل مقربة من إيران لعلمه بالخطر الإيراني على دينه وعروبته مع استمرار نضاله ضد الاحتلال الإسرائيلي.

ومع رفضه للعمليات الانتحارية، لم ترضَ عنه إسرائيل، فحاولت اغتياله ونفذت الجزء الأول من اغتياله بالسم القاتل، ولكن حاكم تلك الدولة أجبرهم على إعطائه الترياق المضاد فعاد للحياة وحفظ في قلبه ذلك الجميل.

بعد إقرار مبادئ السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد مؤتمر مدريد عام 1991 واتفاقية أوسلو 1993، فرح الفلسطينيون بوجود السلطة الفلسطينية داخل فلسطين وبانضمام كافة الفصائل الفلسطينية لها. قبل بنتائج الانتخابات الفلسطينية ومبدأ تدوير السلطة وفق الدستور الفلسطيني، وعندما حدثت الأزمة بين أجنحة السلطة الفلسطينية ووقّعوا ميثاق مكة المكرمة في 8 شباط (فبراير) 2007، كان من أشد المؤيدين للوثيقة، ورأى أن الالتزام بها واجب وطني ونصح كافة الفرقاء الفلسطينيين بالتمسك بها.

بعد أن نقضت الفصائل الفلسطينية ميثاق مكة واتضح اختراق الصف الفلسطيني من قبل إيران في محور ما يسمى بمحور المقاومة، سعى جاهداً لإيقاف ذلك الاختراق الإيراني، ولكنه وجد أن التغلغل الإيراني فوق طاقته. أعلن معارضته لهذا المحور وأكد أن انضمام أي فصيل فلسطيني لمحور المقاومة هو تبعية خالصة لإيران. ندد بزيارات كبار قادة المحور في فلسطين لإيران، واستهجن مظاهر الحزن على قاسم سليماني داخل غزة، ولكنه أدرك مدى التغلغل الإيراني فيها وما سيجلبه من دمار لغزة.

استاء من عواقب 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وما حدث في غزة من قتل وجرح واعتقال لأكثر من 200 ألف فلسطيني، وتدمير غزة وتهجير وتشريد سكانها الذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة، وتدمير بنيتها التحتية. لم يقبل بخروج مظاهرات عارمة مهددة لبلد إقامته حفاظاً على أمن ذلك البلد وكرد جميل وعرفان للمحافظة على حياته سابقاً. أعلن تأييده لمسار السلام وحل الدولتين وقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية.

بعد مرور عام على طوفان الأقصى وما آلت إليه الأمور، أعلن مخلد بن شعيل أن طوفان الأقصى دمر غزة من الجدار إلى البحر وقتل وشرد أهلها، وأعطى إسرائيل الذريعة لمحوها، وشارفت إسرائيل على ذلك، ولمهاجمة مدن الضفة الغربية وربما تشريد سكانها ومحاصرة كافة الفلسطينيين داخل فلسطين وتشديد الإجراءات الإسرائيلية، وزاد عدد القتلى وكذلك عدد الأسرى والمعتقلين في سجون إسرائيل، بعكس ما كانت تهدف إليه عملية طوفان الأقصى. تحولت فلسطين إلى سجن كبير وخسرت القضية الفلسطينية مكاسبها السابقة.

أكد أنَّ محور المقاومة بقيادة إيران وميليشياتها أعادوا القضية الفلسطينية إلى الصفر، وأججوا الصراع في الشرق الأوسط بشكل غير مسبوق وهددوا أمن العالم وإمدادات الطاقة بتهديد حركة الملاحة واستهداف ناقلات النفط والغاز والسفن التجارية. نبّهوا إسرائيل لتعزيز كافة إمكانياتها السياسية والأمنية والعسكرية، وتسببوا في قتل وتشريد الفلسطينيين واللبنانيين، مع أن فصل الشتاء على الأبواب.

يتعجب مخلد بن شعيل من استمرار بعض قادة مسار الصراع في كيل المديح لعملية الطوفان، بالرغم من أثرها الاستراتيجي العميق العكسي، ودور إيران الخطير الذي لم يمنحهم سوى السلاح في معركة غير متكافئة، وكأنه بوق إيراني متناسٍ لمجازر وجرائم إيران وميليشياتها ضد أشقائه العرب.

استغرب من أن اغتيال بعض قادة هذا المسار يُعد أكبر ألماً وحزناً من ملايين الفلسطينيين واللبنانيين الذين قتلوا ودمرت أوطانهم ومستقبلهم.

ساءه ما ذكره البعض من تخاذل العرب واستسلامهم للمشروع الصهيوني، مع أن هذا يناقض الواقع. ومن الادعاء أن طريق القدس واستقلال فلسطين سيكون على يد إيران. عند هذا الحد، أغلق مخلد بن شعيل تلفازه وتأكد أن محور المقاومة يعيش أحلاماً صفوية وردية ويقودنا إلى الهاوية.