توفي الفنان نسيم العودة بعد معاناة طويلة مع المرض عن عمر يناهز الخامسة والثمانين عامًا.


بغداد: نعت نقابة الفنانين العراقيين المطرب الريفي، نسيم عودة، الذي وافاه الأجل المحتوم عن عمر يناهز الخامسة والثمانين عامًا بعد صراع مع المرض.

ويعد عودة من ابرز مطربي العراق وترك تراثًا خالدًا لايمكن ان ينسى، وأسهم في تطور الأغنية الريفية العراقية وحافظ عليها مع زملائه الكثيرين من كبار المطربين الذين ارتبطوا مع الناس بعلاقات وثيقة، لاسيما ان صوته مميز ومختلف عن الجميع.

ونسيم عودة الساعدي ولد عام 1930 في ناحية الحلفاية من محافظة العمارة (ميسان) جنوبي العراق، وهناك بدأت لديه أولى بوادر الغناء لاسيما ان صوته الشجي استطاع ان يتميز وتمكن من إجادة الأطوار الريفية التي من أبرزها طور المحمداوي وطور الساعدية وهو الطور الذي ينتمي الى عشيرته (الساعدي) واشتهر هناك، دخل عالم الفن والغناء عن طريق صديقه الممثل سلمان الجوهر عندما استدرجه للعمل ضمن كادر فيلم (نعيمة) كسائق لنقل الممثلين وآلات التصوير بسيارته الشخصية لقاء أجر معين، حيث صور الفيلم في منطقة الكسارة في أهوار العزير بين العمارة والبصرة وأعجب به جميع كادر الفيلم ومن ضمنهم داخل حسن وجواد وادي، احترف الغناء منذ عام 1948 لكنه اعتمد مطربًا رسميًا في عام 1958.

هاجر الراحل الى بغداد في الخمسينيات وتطوع في الجيش العراقي كسائق، وظهر للمرة الأولى على شاشة التلفزيون في برنامج (ركن الهواة) الذي يعده كمال عاكف، ونجح في تقديم الطور المحمداوي الصعب، وهو القائل أنه هو أول من غناه في الإذاعة والتلفزيون، وكانت تلك التجربة دليلاً على النجاح الذي حققه، ومن هناك إنطلق في أداء الأغاني الريفية التي كان لها فرسانها فصار واحدًا منهم، وكان واحدًا من مؤسسي فرقة مجموعة المطربين الريفيين التي كانت تضم رموز الاغنية الريفية أمثال عبد الصاحب شراد، وشهيد كريم، وعبد الحسين اللامي، وفرج وهاب، وعبد الجبار الدراجي وغيرهم.

سجل للاذاعة والتلفزيون العديد من الاغاني مع هذه الفرقة، فضلاً عن العديد من الاغنيات الخاصة التي نالت صدى واسعًا خصوصًا انها تفتتح بالمواويل الريفية الشجية التي يغلب طابع الحزن وكان صوته المميز يمنحها سحرًا، ومن اشهر اغانيه موال وأغنية يا هلا، حلو المعاني مرحبا، عمري وزماني يا هلا، فضلاً عن اغانيه الاخرى مثل يالغربت، ساري الضعن، يالمنحدر وياك، احميد، دوريش، علشانه، كلت جانا، چارة شلون ياهو مثل قلبي.

اعتزل الغناء عام 1996 بناءً على نصيحة من الشيخ الدكتور أحمد الوائلي الذي التقى به سرًا خارج العراق في جلسه ضمت مظفر النواب، والقارئ الشيخ عبد الزهرة العماري، والدكتور محمد نجل المرحوم نسيم عودة الذي كان معارضًا للنظام حينها.

يقول عنه المطرب محمد الشامي: quot;نسيم عودة له صوت مميز وطريقة خاصة به في الغناء لا يقلد أحدًا، اداؤه متقن، يتحسس النغم لان حنجرته قوية مع ان اغلب طريقة نطقه للحروف حلقية، اشتهر جدأ باغنية (يا هلا بحلو المعاني)، وهو والد الشاعر غازي السعدي، بالمناسة صوت نسيم عودة ليس صوتًا ريفيًا، بل انه اقرب الى الصوت المدني منه الى الريفي ولا يحمل الكنة الريفية بصوته، يعني ان صوته فصيح تمامأ مع انه كان مدخنًاquot;.

ويقول الكاتب محمود موسى: quot;إمتاز المطرب الراحل بموهبة كتابة الشعر وكذلك التلحين فقد كتب ولحن أغنياته التالية (على شانه على شانه) ( ياهلا بحلو المعاني) (يالمنحدر) (يالغربت) (گلت جانه)، كتب ولحن له الفنان خزعل مهدي عدة اغنيات أشهرها (ليل المساهر) كما غنى من كلمات الشاعرة لميعة عباس عمارة اغنية (الحلوات) وهي من الحان الفنان محمد عبد المحسن، ومن أغنياته الاخرى الجميلة أغنية (مثل الظفيرة)، وبلغ عدد أغنياته المائة وعشرين أغنية.

واضاف مستذكرًا احداثا من حياته: quot;في عام 1971 اشترك ممثلاً ومطربًا في تمثيلية تلفزيونية عنوانها (النهيبة) مع عمالقة التمثيل طالب الفراتي وزاهر الفهد وهي من تاليف واخراج خزعل مهدي، وعندما شاهدها الرئيس العراقي السابق احمد حسن البكر أعجبه نسيم عودة فقرر استدعاءه وتكريمه، وفوجئ المطرب نسيم عودة بسيارة رئاسية تقف امام بيته، فخاف على ولده غازي (الشاعر الغنائي غازي السعدي) الذي كان منتميًا حينها لحزب الدعوة، فما كان من المطرب الا الاتصال بمحمد سعيد الصحاف الذي كان انذاك مديرًا عامًا لدائرة الاذاعة والتلفزيون، حينها طمأنه الصحاف أن (الشايب) يطلبه ويقصد بالشايب الرئيس البكر كما كان يطلق عليه من قبل زبانية صدام، وحين وصل الى القصر الجمهوري وجد البكر في خيمة في حدائق القصر وقد رحب به ترحيبًا كبيرًا وأمر بأن تسجل جميع أغنياته وتبث على الدوام.

وتابع: quot;في مطلع السبعينات غنى وصور موالاً عن الامام علي سجله له سليم البصري، الا ان هذا الموال لم يبث نهائيًا، كما انه عمل سائقًا اثناء خدمته العسكرية فكان قريبًا من الزعيم عبد الكريم قاسم، فعمل معه لمدة خمس سنوات، ومن الذكريات التي بقيت عالقه في ذاكرته ان عبد الكريم قاسم عندما عيّن مديرًا للعينة ذهب الى نوري السعيد، رئيس وزراء العراق في العهد الملكي، شاكيًا له وقائلاً: quot;أنا الاول على دورة الاركان، فهل يليق بي ان أقوم بتوزيع البساطيل على الجنود؟quot;، فما كان من نوري سعيد الا ان يكرمه بتقديمخ 3 رتب أضافية فرفعه من عقيد الى زعيم وأصبح آمر لواء المنصور، حينها طلب نسيم عودة من الزعيم ان يعيده الى وحدته العسكرية الاولى فوافق الزعيم وبعد نجاح ثورة 14 تموز طلب الزعيم من نسيم عودة العودة للعمل كسائق مقرب له الا ان نسيم عودة أعتذر لكي يتفرغ للغناءquot;.