أكد عدد من الفنانين والمهتمين بالغناء على قلة الاغاني العراقية التي تتغنى بالأم، معللين ذلك بصعوبة الموضوع لأن الأم فوق مستوى الوصف ولا يمكن للكلمات أن تكون ملائمة لها مهما حرص الشعراء.


بغداد: استذكر عدد من الفنانين العراقيين الاغنيات التي غناها المطربون العراقيون للأم، والتي كان لها تأثير في نفوس الناس أو حضور في الذاكرة الجماعية، على الرغم من وجود اسم الأم وتردده بين ثنايا الكثير من الاغاني، فلم يحصوا سوى ثلاث أغنيات استطاعت أن تترك بصمتها، وإن كان هنالك رأي بأن إحدى هذه الاغاني لا يمكن اعتبارها عن الام، ولكنهم اكدوا أنها تثير في نفوسهم الحزن الشديد على فراقها، وهذه الاغنيات الثلاث هي للمطرب سعدون جابر وللمطربتين حمدية صالح وزهور حسين.

أكدت الفنانة سناء عبد الرحمن أن اغنية زهور حسين هي اكثر ما يبكيها، وقالت: quot;اعتقد أن الاغاني التي تتحدث عن الام قليلة جدًا ونادرة، ومن الممكن القول بالنسبة لي شخصيًا اعتبار اغنية المطربة زهور حسين (غريبة من بعد عينج يا يمه) مؤثرة لأن كلماتها جميلة ومعبرة، واتذكر هذه الاغنية بنفس القوة والمكانة لأغنية فائزة احمد التي لحنها محمد عبد الوهاب (ست الحبايب)، احس الاغنيتين بالعظمة نفسها من ناحية التأثر، فأغنية زهور حسين تبكيني كلما سمعتها لأنني اتذكر بها امي التي واكبت مسيرة حياتي ولم تتركني الا قبل سنوات عديدة برحيلها، كما كانت تحب هذه الاغنية كثيراً لأنها كانت ايضاً تتذكر امها وتبكيهاquot;.

واضافت: quot;الام عظيمة ومهما يحاول الانسان أن يجازي الوالدين لا يمكن أن يعطيهما حقهما، وفعلاً كلمات اغنية زهور حسين بكل مفرداتها احسها تنطلق من ذاتي لتخاطب امي، الأم شيء لا يمكن معادلتها بأية كفةquot;.

اما المطرب محمد الشامي فاستبعد اغنية زهور حسين لأنها تتحدث عن الفراق وليس عن الأم وقال: quot;هناك اغنيتان عراقيتان فقط عن الام لا ثالث لهما، الاولى اغنية سعدون جابر (يا امي يا ام الوفه) والثانية: اغنية المطربة وحيدة خليل (اليّ يحفظج ربي يا يمه / اسمج يالقلب والروح اضمه/ عليّ شكد تعبتي/ اذية وضيم شفتي/ يا حبيبة يا يمه يا حنينة يا يمه)، اما اغنية زهور حسين عن الام فلا اعتبرها عن الام ولكن عن فراق الأم بعد وفاتها، حتى أن النظام السابق منعها من البث لأن فيها حزناً رهيباً، كأنما امرأة تبكي على امها الميتة، ولا يمكن أن تكون مثل (ست الحبايب) لفائزة احمد مثلاً، هناك فرق بين أن تغني للحبيب وتتغزل به وأن تغني لحبيب ميت تتحسر على رحيله، واعتقد أن اغاني الام لا تثير المرء شخصيًا بقدر ما تثير علاقته بأمه، يعني مثلاً اليتيم يبكي أو ربما الذي أمه حية لا تشده اليها، فهي سلاح ذو حدين، اما تثيرك عاطفيًا مثل ست الحبايب التي لا استطيع أن اغنيها بل لا اقدر أن اكملها لأنني ابكي فورًا فاتركها لأن اداءها يخلق حالة من الاسترخاء يجعل الدمع ينهمرquot;.

ويضيف: quot;للأسف ليست لدينا اغنيات عن الام،سوى هاتين الاغنيتين، وللأسف لم تشتهر اغنية وحيدة خليل لأن صوتها ريفي وغير محبب كثيرًا، لذلك لم تشتهر الاغنية لأسباب تخص وحيدة خليل وليست الاغنية، وبلا غرور لو غنيتها انا الآن لاشتهرت، اما اغنية سعدون جابر فقد اشتهرت ولكن صوته ليس فيه حنان الام، صوت سعدون صوت قوي عراقي حلو ولكن ليست فيه تلك (الحنية) لأن من يغني للأم متعلق بها جدًا، هو انسان صادق لكن العاطفة الجياشة للأم غير موجودةquot;.

وتابع: quot;حسب متابعتي أن اغنيات الام قليلة ليست في العراق وحده وانما في العالم كله، وفي مصر لا توجد سوى (ست الحبايب) والسبب أن من الصعوبة الحديث عن الام والغناء لها لأنها كل شيء في الحياة، فالام روح كل انسان، وحقيقة أن الام لا يتغنى لها لأنها ام، هي الوصف ولا يمكن أن توصف، فهي اعمق من كل وصف، انا سأحاول في المستقبل القريب أن اعمل كوكتيلاً من الاغنيات الثلاث لفائزة وسعدون ووحيدة، اخذ من كل اغنية مقطعًا واغنيهاquot;.

من جانبه، قال المطرب عامر توفيق: quot;سبق لي أن لحنت وغنيت اغنية عنوانها (دمعة ام) من كلمات الشاعر الراحل جودت التميمي تقول كلماتها (لو تحصد نجوم السما آيا الولد / وتصوغهن لامك تراجي بلا عدد /ما تجازي من ذاك الربه هزة مهد ، لو قلت آه هي تقول الف آه وتون ، ولو غبت يوم تسيل دمعتها وتحن) ، ولكنني اعتقد أن الاغنية التي لها تأثير على الابناء اكثر هي اغنية المطربة زهور حسين (غريبة من بعد عينج يا يمه) التي احس بسماعها انني ارى امي امامي، ولها جمالية في الكلام واللحن، فهي اغنية حزينة من نغم الصبا، لكن صوت زهور الشجي اعطى للاغنية قوة، انا متأكد أن هذه الاغنية لم تستطع اية مطربة أن تؤديها، فقد سمعتها بصوت اكثر من مغنٍّ ومغنية، ولكن لم يقترب احد منها لأنها لهاquot;.

أما الملحن مهدي العربي فقد اشاد بأغنيتي سعدون وزهور واغنية له، فقال: quot;عاصرت العديد من الاغنيات التي تتحدث عن الام ومنها فائزة احمد في اغنيتها الشهيرة (ست الحبايب) الحان محمد عبد الوهاب، واغنية زهور حسين الشهيرة ايضا (غريبة من بعد عينج يا يمه) للملحن عباس جميل، وهناك اغنية جميلة ثالثة للمطرب سعدون جابر وهي (يا امي يا الوفه)، واقولها للتاريخ إنها جميلة جداً وانا احبها شخصيًا، فضلاً عن أن لدي اغنية عن الام لحنتها في سوريا لمطربة اسمها (هيلين) عنوانها (يا امي) شعر الشاعرة السورية بثينة، وبصراحة عندما اغني في الجلسات اغنية ست الحبايب يطالبونني بأن اغني اغنية زهور حسين، لأن حلاوتها تكمن في الكلام واللحن وفي زهور وعباس جميل والاجمل أن المجتمع العراقي تقبلها بشكل صحيح منذ الخمسينيات وما زالتquot;.

فيما اكد المطرب علي روك على صعوبة الغناء عن الام، وقال: quot;اعتقد أن اهم اغنية ظهرت تتحدث عن الام هي اغنية سعدون جابر، التي اعطتها كلمات الاغنية جزءاً من حقها حين وصفها بـ (ام الوفاء) وأنها (طيب من الجنة) وهي فعلاً كذلك، فضلاً عن صوت سعدون الجميل المميز الذي غناها باحساس، فالام لا يعادل حبها أي حب، واعتقد أن اغنية زهور حسين عندما اسمعها ابكي لأنها مؤثرة واتخيل امي معي، لأن الحياة بلا ام لا تساوي شيئًا، وربما السبب في قلة الاغنيات عن الام هو أن الشعراء يجدون صعوبة في ايجاد كلمات وتعابير تتلاءم مع قيمة الامquot;.

الى ذلك، استغرب الباحث عقيل ابراهيم العطية عدم وجود اغنيات كثيرة عن الام فقال: quot;اعتقد أن الاغنيةالاكثر تأثيرًا بي، والتي تتحدث عن الام هي اغنية الراحلة زهور حسين (غريبة من بعد عينج يا يمه) وحقيقة انني لم اكتشف تأثيرها الا بعد وفاة والدتي، الله يرحمها، حتى انني سمعت الاغنية بعد وفاتها بكيت، واعتقد أنها اغنية نادرة ومؤثرة لأنها تنكأ الجروح وتوقظ الذكريات، وكل انسان لديه ذكريات خاصة مع امه، والأم بطبيعة الحال غالبًا ما تكون اقرب من الاب الى الابن، وهذه القضية معروفة سايكلوجيًاquot;.

واضاف: quot;اكاد اقول إن الاغنية ناجحة في كل المقاييس لانها شبه متكاملة من حيث قدرة الشاعر على تصوير مشاعر الابنة تجاه امها، اضافة الى الصوت الشجي والمميز للمطربة زهور حسين بتكسيراته والبحة المميزة الجميلة التي ربما نتفاعل معها عاطفيًا دون أن ندري، ونشعر بالانشداد اليها، فضلاً عن عدم وجود تعقيد لحني فيها، اي أنها من السهل الممتنع، ومن اللافت أن قلة من اغنياتنا هي التي تتناول موضوع الام ولا أعرف السبب وإن كان من المفترض أن تكون هنالك اغنيات حميمة للأمquot;.

اما الصحافية كريمة الربيعي فقد اوضحت أن الغناء لايمكن أن يعطي للام حقها، فقالت: quot;ليس في ذاكرتنا من اغاني الام الا اغنية سعدون جابر، وهي رائعة وجميلة، وهناك اغنية لزهور حسين لكنها لا تشبه اغنية سعدون كونها تتحدث عن فراق الام، وربما هنالك سر في الموضوع في مسألة عدم وجود اغانٍ كثيرة عن الام على الرغم من أنها تلقى ترحيبًا وسماعًا من الناس، وتأثيرها واضح في النفس كون الام اغلى ما في الحياة وهي الحبيبة الى النفس، على مختلف المراحل في الحياة، فكلنا يتذكر طفولته وصباه فيجد امه في كل هذا ولا يمكن الاستغناء عنها ابدًا، وكلنا نتمنى أن نغني لها ولكن أي غناء يمكن أن يكون مناسبًا لها وهي فوق مستوى الوصفquot;.