إيلاف من بيروت: نجح مسلسل "أفراح القبة" بشد الإنتباه منذ الإعلان عنه، إذ تحققت له كافة عوامل الجذب بدءاً من كونه يستند في أحداثه إلى رواية بنفس الإسم للكاتب الكبير نجيب محفوظ، مروراً بإسناد مهمة إخراجه لفنان متمكن كمحمد ياسين الذي سبق وأن حقق نجاحاً كبيراً في أعمال عديدة كان آخرها مسلسلي (موجة حارة والجماعة) ، والذي وفق في حشد كوكبة من أبرز نجوم الصف الأول والنجوم الشباب ممن حققوا نجاحاً لافتاً في الأعوام الأخيرة لبطولة العمل. فهو مكتض بهم لدرجة أن أسماؤهم تكتب في آخر كل حلقة حسب الظهور، كي لا تتم مجاملة أحد منهم على حساب الآخر.

مسرحية تعري رذائل أبطالها في الواقع
عندما يتنكر الواقع بزي الرواية تتسلل الحقيقة الى ثنايا النص، عندها فقط يمكنك أن تعري كل شخص وكل شيء مختبئاً خلف الخيال. هذه هي اللبنة التي وضعها الكاتب العبقري نجيب محفوظ وبنى عليها صناع العمل هذه الملحمة الدرامية الشيقة. حيث تدور الأحداث في مسرح الهلالي بفترة السبعينات، مديره جمال سليمان (سرحان الهلالي) الذي لا يمكن أن يمنح ممثلة فرصة البطولة دون أن تمر بغرفة نومه.
وأبطاله صبا مبارك (درية)، وأسامة أسعد (إسماعيل)، بينما يقبع إياد نصار (طارق رمضان) أسير الأدوار الثانية طيلة عمره، تتآكله المرارة.
تنضم منى زكي (تحية) للمسرح ككومبارس، رغم إمتلاكها لموهبة تمثيلية مهمة، فتضيع في كواليسه.
أما النجم الشاب محمد الشرنوبي (عباس) (الذي لمع نجمه في مسلسلات العهد، ين السرايات، وسرايا عابدين مؤخراً) فيقوم بدور الملقن الذي يمتلك موهبة التأليف المسرحي لكنه لا يوفق في بيع مسرحياته لأن مدير المسرح جمال سليمان لم يقتنع بأي منها، وهو يعمل في المسرح بدلاً من والده الذي يقوم بدوره صبري فواز (كرم).
يأخذ الكاتب الشاب فرصته عندما يقرر كتابه مسرحية عما يدور في كواليس مسرح الهلالي، والعاملين فيه بقصصهم الحقيقية بكل ما فيها من خبايا ورذائل، ويرى سرحان أنها مسرحية لابد وأن تحقق نجاحاً كبيراً، بل قد تكون أنجح مسرحية يقدمونها في تاريخهم.
لا يبالي بإعتراض الأبطال درية وطارق وإسماعيل، ويصر على أن يمضي بإنتاجها ويجبرهم على العمل بها، متذرعاً بأن المشاهد لن يدرك بأنها الحقيقة، وأن حقيقتهم ستضيع خلف ستار الخيال، يحاول طارق اللجوء الى والدي عباس عساهم ينجحون في ثنيه عن المضي في مشروعه، فيقصد كرم وحليمة (التي تقوم بدورها صابرين) لكنهما يواجهانه ببرودة.

القشة التي قصمت ظهر العلاقة

خلاصة القصة حتى الآن أن تحية كانت عشيقة إياد نصار، أحبته لكنه خذلها، قبلها كعشيقة لكنه رفض الزواج منها، تغلبت أنانيته على مشاعره، بينما كان عباس وهو يصغرها بعشرة أعوام على الأقل منبهر بها من النظرة الأولى، ومؤمن بموهبتها، ويحاول مساعدتها لتصبح نجمة المسرح بدلاً من درية، وتحين الفرصة عندما تتغيب درية عن أحد العروض، وبدلاً من إلغاء العرض لحين عودتها كما جرت العادة يقرر سرحان الإستعانة بتحية كبديلة لها، تحسن أداء دورها وتبهر الجمهور مما يثير غيرة درية التي تقطع إجازتها وتقتحم المسرح في اليوم التالي لتمزق ملابس الشخصية على تحية وتذلها وتحقرها وتمنعها من أخذ مكانها.
بدوره طارق لم يفرح للفرصة التي تأتت لتحية، بل على العكس طار صوابه عندما سمع بالأمر، معتقداً بأنها كي تحصل على هذا الإستثناء لابد وأن تكون قد مرت بفراش سرحان، وكانت هذه الإهانة بالنسبة لدرية بمثابة القشة التي قصمت ظهر العلاقة. 
ولأن درية تعتمد على الملقن بتذكيرها بجملها خلال العرض، يتعمد عباس أن يخفض صوته عندما يحين دورها فتغضب وتغادر العرض أمام الجمهور وهي تسب وتلعن. فتشعر تحية بحب عباس لها، ويستغل هو الفرصة ليبوح بحبه لها، فتقرر ترك طارق وقبول عرضه بالزواج بها.
ويذهب عباس لمواجهة طارق ووالديه ليعلن لهم الخبر بانه سيتزوج تحية ... فيجن طارق لأنه يحب تحية ويرفض فكرة أن تكون لغيره، فيحاول الإعتذار وإقناعها بالعودة له، وثنيها عن قرارها دون جدوى، وتجن حليمة والدة عباس لأن تحية دخلت النزل الذي تديره عشيقة لطارق، وتعرف ماضيها جيداً، ولا تراها تليق زوجة بولدها الوحيد، وهو نفس موقف والده كرم.
تصدم تحية من موقف حليمة، وتذهب لمواجهتها، تذكرها بأنها ليست أفضل منها، فالجميع له ماض مدفون في كواليس مسرح واحد، وتطلب منها أن تتفهم موقفها، فهي ليست لعوباً رخيصة، وإنما أحبت طارق وكانت تأمل بأن تكون عائلة معه، لكنه خذلها، فتسألها حليمة إن كانت تحب ولدها عباس، فتهرب تحية من الإجابة بسؤال مماثل لحليمة إن كانت أحبت كرم عندما تزوجته. ينتهي النقاش بتحد من تحية لحليمة بانها ستتزوج عباس وستنسيه الماضي بكل ما فيه. بينما تصر حليمة بأن الماضي لا يموت ولا يمكن الهروب منه وسيظل يطاردها إلى الأبد.

من قتل تحية؟
تترك تحية المسرح لتلعب الأدوار التي تستهويها في الحياة الزوجة والأم وربة المنزل، بينما يستمر عباس بالعمل كملقن، تحمل تحية بطفلها الأول، وتلد صبياً، وفي الوقت الذي يبدو فيه أن الحياة تبتسم لها والسعادة تكتمل ما بين الزوجين، يحصل ما ليس بالحسبان، حيث تموت تحية وطفلها خنقاً، وتعثر الشرطة على غرض يخص كل شخص في المسرح بغرفة تحية، وكأن الكاتب يلمح الى أن الجميع شركاء بقتلها معنوياً قبل قتلها فعلياً.
ينجح عباس في إثبات وجوده بالمسرح وقت إرتكاب الجريمة، وكذلك بقية المشتبه بهم فتطوى القضية.
ويعود عباس الى المسرح بعد أربعين يوماً على وفاة تحية، وتحاول درية التقرب منه فتدعوه الى منزلها ليساعدها في حفظ دورها، وهدفها هو معرفة إن كان هو من سرقهم ووضع حاجياتهم في مسرح الجريمة. ولأنها واثقة بأنه لن يلبي دعوتها تذهب هي الى منزله ومعها خادمتها تقتحم المنزل بثقة وتطلب من الخادمة تنظيفه وسط ذهول عباس.
تبدأ بروفات العمل و تسيطر الكآبة على جميع افراد الفرقة، وتخرج لهم أشباح الماضي من ثنايا السطور لتؤرق ضمائرهم، المفارقة أن درية تجد نفسها تقوم بدور تحية، وإسماعيل يقوم بدور عباس، بينما يبقى طارق هو طارق.

هذا ملخص لأحداث الحلقات الخمس الأولى التي يتنقل فيها النص بين الماضي والحاضر ويمتزج فيها الواقع بالخيال، وتأخذنا الحكاية بسحر تنفيذها الأنيق والمتقن لنعيش تفاصيلها داخل مسرح الهلالي، ونتوحد مع أبطال الرواية الذين يتكشفون تباعاً.

بصمات راضي واضحة في النص
يغيب إسم كاتب السيناريو والحوار عن الشارة، بسبب إعتذار الكاتب محمد أمين راضي عن إستكمال العمل بعد أن أنجز 19 حلقة منه، بسبب ظروفه الصحية حيث إكتشف إصابته بمرض السرطان، لتسند المهمة لنشوى زايد بدلاً منه. ورغم غياب اسمه لكن لمساته تبدو جلية في العمل حتى الآن، فهو متفرد في أسلوبه، وبخلطة التشويق والغموض التي لا يجيدها أحد مثله، وتنقله الرشيق بين الماضي والحاضر فهو من أفضل من وظف تقنية الفلاس باك في نصوصه، كما يشتهر بجمل حواره المقتضبة القوية والعميقة، والتي تتحول لأقوال مأثورة يتداولها المشاهدين على مواقع التواصل الإجتماعي.

كل حلقة من حلقات أفراح الفبة بمثابة Teaser عرض تشويقي لما ينتظرنا في الحلقات اللاحقة، فكاتب السيناريو يرمي لنا شظايا من الحكاية تتكشف شيئاً فشيئاً، بإيقاع محكم ومدروس، وأداء مذهل من إياد نصار وصبا مبارك ومنى زكي، وصبري فواز، وصابرين، ومحمد الشرنوبي الذي يرسخ خطواته على درب النجومية ويحفر له مكاناً في الصدارة رغم حداثة تجربته الفنية، وهو مطرب بجانب كونه ممثل ويستغل هذه الموهبة في مشهد جميل عندما يصدح بمقطع من أغنية "الهوى غلاب" ليعزف على وتر جراح تحية التي تشعر بالخذلان من طارق وليهرب من مشاعره تجاهها.
يبقى أن جمال سليمان لم يقدم جديداً حتى الآن فهو الوحيد الذي يبدو منفصلاً عن النص بحضور باهت، لم يفلح بعد بخلق صلة مع المشاهد، ولا نود أن نظلمه، فقد يكون ذلك لأن دوره محدود في الحكاية لم يتكشف بعد، فمشاهده قليله وغير مؤثرة، ومساحة شخصيته ضيقة حتى الآن. 
أفراح القبة لم يفرغ كل ما في جعبته بعد حيث ننتظر في الحلقات المقبلة ظهور بقية نجوم العمل سوسن بدر، كندة علوش، رانيا يوسف، دينا الشربيني، سيد رجب، وأحمد السعدني وغيرهم. 

محمد ياسين يستمر في إدهاش المشاهد
على صعيد الإخراج يبدو أن قدرة محمد ياسين على إدهاش المشاهد تزداد مع كل عمل جديد يقدمه، وتزداد حركة كاميرته رشاقة وصورته أناقة، كما تفيض كادراته حساسية وتلتحم كاميرته بحميمية لافتة مع وجوه شخوصه، دون إغفال تفاصيل المشهد بكل مكملاته من أزياء، وإكسسوار، وديكور، وموسيقى تصويرية يضيف فيها هشام نزيه اجاحاً جديداً في مسيرة تميزه.
هو بدون شك عمل يستحق أن يوضع على رأس قامة المشاهدة للأعمال المعروضة في رمضان، لأنه تحفة فنية لا تود تفويت متعة متابعتها عليك.