ايلاف من الرياض: بعد أسابيع من عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي وحصوله على جائزتين هناك، وبعد الإشادات النقدية العربية الواسعة التي حصل عليها فيلم "حد الطار"، بدأ عرضه جماهيرياً في صالات السينما السعودية وسط حملة تسويقية كبيرة.

الفيلم يحكي قصة سعودية باللغة المحلية في أحد أحياء الرياض الشعبية في أواخر التسعينات الميلادية.

تدور احداثه حول قصة حب مابين ابن السياف(دايل) الذي لا يرغب في أن يرث مهنة والده، وشامة بنت (الطقاقة) - مغنية شعبية في حفلات الزواج- حيث يقف عم (دايل) عائقاً أمام هذ الزواج ويهدده بحرمانه من ميراث جده بالشرع والقانون؛ نظراً لأن والد دايل توفي قبل جده، ومن ثمَّ لا يحق له شرعاً الحصول على ميراثه.

الفيلم يستعرض بجانب هذه الحكاية العديد من القضايا الاجتماعية والعلاقات الإنسانية.

تفاصيل التسعينات وحنين الماضي

تحدي كبير قبله صناع الفيلم على أنفسهم باختيار حقبة زمنية قديمة وهي فترة أواخر التسعينات الفترة التي كانت فيها الصحوة باسطة نفوذها على المجتمع السعودي ومسيطرة عليه .

شملت هذه التفاصيل السيارات القديمة، وأشكال الملابس وديكورات المحلات والبقالات والمواد الغذائية، حتى بتفاصيل متابعة وأخذ موديلات الفساتين آخر الأزياء الجديدة من المجلات الفنية تلك التفصيلة بسيطة جداً لكن تظهر لك مدى اهتمام المخرج وصناع العمل بهذه التفاصيل وكما قال المخرج الشلاحي كان أهم نقطة لدي أن أصدق أنا والممثلين أننا نعيش حقبة التسعينات.

الواقعية الساحرة الساخرة

لم نأخذ وقتاً طويلة كمشاهدين في الدخول في أجواء الفيلم سواء من خلال حكايته أو من خلال أماكن تصوير الفيلم بالغة السحر والواقعية.

الواقعية في عدة مواضيع فمثلا النظر لمهنة الطقاقة على أنها دون المستوى ومعيبة ولا تشرف من ينتمي لها حتى بين تلك الأسر والذي يظن البعض أنها بالغة الإنفتاح.

مشاهد دايل وشامة في سطح البيت وبينهما السياج، كانت علامة بارزة في الفيلم هذا السياج الفاصل مابين الجنسين والمحيط بنا فلا يدع لأحد الحرية للعيش بفردانية، الجميع يريد هذا الدفء الجمعي، ولا يريدون لأحد أن يتمرد ويختلف عن السائد.

مطلوب من ابن السياف أن يكون سيافاً مثل والده وإلا يحرم من ورث أبيه، ويطرد من الشقة التي يسكنها كونه رجل أعزب يعيش في حي سكني للعوائل ومطلوب من بنت الطقاقة أن تتعلم العزف وتساعد أمها في حفلات الزواج.

ذلك السياج والسور الذي يحيطنا ويمنعنا من معرفة مايدور حولنا في الدول والمجتمعات، وأهم دلالة على ذلك عندما استغربت شامة من صديقتها العربية عندما قالت لها بأنها تعلمت عزف البيانو في المدارس!!

أداء تمثيلي مميز

قدم المخرج العديد من الوجوه الجديدة في هذا الفيلم واتضح سيطرته بشكل كبير على أداء الممثلين حتى ممن لديهم خبرة سابقة كسامر الخال الممثل الكوميدي والذي قدم دوراً رائعاً يستحق الإشادة عليه.

ولا ننسى الإعجاب والتقدير لأداء فيصل الدوخي، موعودين بفنان عربي موهوب جداً في إدائه وتعابيره في مشاهد مقابلته مع حبيبته نقاشاته معها تحوله من شخص رومانسي محب وعاشق إلى شخص يستخدم السيف ان استدعى الأمر لحماية حبه.

كيف تحولت الشخصية الرومانسية العاشقة لشخصية تتخلى عن كل طموحاتها وأحلامها وتجد في السيف والعمل كسياف حلاً وهروباً مما يعانيه ويكابده في قصته مع شامة.

وذروة مشاهد دايل (فيصل الدوخي) كانت المشاهد الصامتة التي مرت علينا دون كلمة واحدة منه، مجرد نظرات تخبئ داخلها العديد من المشاعر والعديد من الأحاسيس المؤلمة كانت عيناه ملئة بالحيرة والغبن والضياع دون حبيبته (شامة).

نجح مخرج الفيلم عبدالعزيز الشلاحي في تقديم عمل فني مميز من خلال ادارته لجميع أدواته بشكل متمكن وإدارته للمثلين وتقديمه للشخصيات بالشكل المثالي.
ونلحظ التطور الكبير والملحوظ الشلاحي منذ عمله المغادرون فالمسافة صفر إلى هذا الفيلم ورافقه في هذا التميز رفيقه الكاتب مفرج المجفل الذي يواصل كتابته للنصوص المهمة والتي جعلته أحد أهم كتاب السيناريو في السينما السعودية.
هذا الثنائي وفق في تقديم عمل فني ناجح جماهيريا ً ونقدياً.