إيلاف من فينيسيا: ضمن الأفلام العربية التي عرضت في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي فيلم "جنائن معلقة"، للمخرج العراقي أحمد ياسين الدراجي، والذي يروي حكايات الدمار في العراق الذي سببته الحروب التي نتج عنها العديد من الآثار السياسية والإقتصادية والإجتماعية، ومتوقع عرضه في المهرجانات السينمائية العربية هذا الخريف، ايلاف التقت بالمخرج أحمد الدراجي وكان لها معه هذا الحوار:

  • حكاية الفيلم بعيدة عن الحرب على غير العادة في الأفلام العراقية السنوات الأخيرة .. ما السبب؟

تجربتنا في العراق قاسية للأسف، وكلما ذكر اسم العراق دائمًا ما يرافقه مفردة الحرب، لأنه يعيش فيها منذ الثمانينيات وحتى الآن، بل كل التجارب التي صنعت عنه كانت ملتصقة بالحرب بطريقة أو بأخرى، فكان هدفي الوحيد أن أقدم حكاية تشبه العراقيين لمجتمع ما بعد الحرب، خاصة أنني مهتم بالأنثروبولوجيا العراقية والعربية بالمطلق، وأعرف تاريخ المنطقة العربية لأكثر من 150 عاماً سابقة، لذلك أردت تقديم شيء يشبه العراقيين في حياتهم.

  • أن يكون بطل فيلمك طفل كيف تعاملت مع هذا الموقف ؟

الأمر استغرق مني جهدًا كبيرًا على المستوى الشخصي، حيث استمر البحث عن الطفل الذي سيؤدي دور "أسعد" لمدة شهرين تقريبًا، إلى أن وصلت للطفل حسين محمد عن طريق أحد الأصدقاء. كنت مترددًا في البداية لأنني لم أكن أمتلك خيارات كثيرة، خاصة أن معظم من طلبتهم لهذا الدور رفض أهاليهم الأمر لأسباب متعلقة بالعرف الاجتماعي. وبالتالي كان الأمر تحديًا كبيرًا، لا سيما وأن الطفل من طبقة متوسطة بينما في الحكاية من طبقة فقيرة كادحة، ورحلة تحويله من صبي متعلم في الطبقة المتوسطة إلى طفل يعيش في منطقة معدومة وقاسية لم تكن سهلة، لكن الطفل قدّم الدور في النهاية بطريقة ممتازة، وهذا أمر يدعو للفخر بالتأكيد.

  • أمر رائع أن يكون "جنائن معلقة" الفيلم الأول الذي يمثل السينما العراقية في فينيسيا

هذا أمر يدعو للفخر بالتأكيد، خاصة أنه لم يكن هناك أي عنصر أجنبي أثناء التصوير، فالفيلم صُوّر بأيادي عراقية بدءًا من مدير التصوير وانتهاء بأصغر عامل، أي أن الفريق بالكامل من العراقيين. لذلك أعتقد أن وجود الفيلم في فينيسيا هو وجود تاريخي للدولة، خاصة أن العراق يمر بمرحلة انتقالية صعبة للغاية، مرحلة بها تخبط كبير على المستوى الاجتماعي والسياسي، وبالتالي الأمر منح الشباب العراقي دفعة معنوية كبيرة بأنه لا يزال في الإمكان صناعة شيء يليق بنا كعراقيين. أنا سعيد بهذا الحدث التاريخي وأشعر أنني انتصرت للسينما العراقية بطريقة أو بأخرى.

* كيف ترى السينما العراقية بعد التطورات الأخيرة؟

السينما العراقية فقدت جمهورها إبان فترة الحرب وإبان فترة نظام صدام الذي استخدم السينما كـ بروباجاندا لحزب وأيدولوجية النظام البعثي العراقي، لذلك فقد الجمهور ثقته بالشاشة العراقية في تلك الفترة. وبعد عام 2003 لم تمنح الحكومات المتعاقبة الثقة الكاملة للثقافة العراقية إجمالًا وللسينما بالتحديد. أي أن ما يحدث بالعراق هو محاولات فردية من شباب عراقيين سينمائيين "مجانين بالسينما" يحاولون بشكل فردي إعادة الحياة إلى هذه الصناعة، فنحن لدينا جمهور شاب متفتح ومتطلع لاستقبال ما يُصنع داخل العراق؛ لذلك هناك موجة جديدة لحركة السينمائيين الشباب لكنها فقيرة مقارنة بما يحدث حول العالم بالطبع، وبالتالي ما يحتاجه السينمائيين العراقيين هو الاختلاط بالخبرات الدولية ومعرفة السوق السينمائية الدولية بطريقة أو بأخرى، بالإضافة لحملة تعيد ثقة المشاهد بالشاشة وبصناعة الفيلم العراقي حتى نستطيع السير في خطوات جديدة للأمام. صحيح أن هذه الخطوات فقيرة نوعا ما لكنها كبيرة مقارنة بوضعنا داخل العراق.

  • تنوع الممثلين في فيلمك بين أصحاب خبرات أو ممثلين يقفون أمام الكاميرا للمرة الأولى كيف تمكنت من ضبط هذه التوليفة ؟

بسبب اهتمامي بأنثروبولوجيا وسيكولوجيا الإنسان أبتعد دومًا عن المناطق الكلاسيكية لإدارة الممثل. ففي تجربة "جنائن معلقة" عملت مع ممثلين معظمهم غير محترفين ما عدا جواد الشكرجي ووسام ضياء، ونظرًا لعدم وجود سينما عراقية أصبح لديهم تجارب متراكمة معظمها يدور بين الدراما والبرامج التلفزيونية، فكانت مهمتي أن أصل لإدارة الشخصية بطريقة مختلفة، خاصة أن الأسلوب المتداول في العراق غير مُحدّث بدرجة كبيرة، وبالتالي قمت بإعادة صياغة بعض الأمور لديهم.
أما أكثر عقبة واجهتني مع الممثلين المحترفين هي التعامل مع "الأنا" الخاصة بالممثل، فجواد الشكرجي ووسام ضياء نجوم بالشارع العراقي، لذلك كان التحدي أن أذهب بهم الى منطقة معينة في الأداء، خاصة أن أسلوبي في التعامل مع الممثل ليس مجرد علاقة وظيفية بل أعتبرها علاقة عائلية. وبمساعدتهم وثقتهم الكبيرة فيما أفعل تمكنت من الوصول إلى دواخل الشخصيات الرئيسية في العمل.. "كنا نتمرن بأسابيع طويلة ما قبل التصوير، يعني إحنا بشهرين كنا في تمرين تقريبا بشكل يومي رحنا لمواقع التصوير وعشنا في عوالم الشخصيات، قدرت بمساعدة الممثلين إننا نمشي بخطوات الشخصيات اللي بتدور داخل الفيلم".

  • كيف اخترت عنوان الفيلم ؟

الجنائن المعلقة في العراق إحدى عجائب الدنيا السبع، والتي كان سببها امرأة، حيث تزوج الملك البابلي من ابنة الملك الفارسي، وحين أتت لبابل لم تجدها مليئة بالجبال الخضراء كما كانت بلادها، فانزعجت واشتاقت لأهلها، فقرر الملك أن يسعدها ببناء جنائن معلقة على شكل جبل طويل. أما فيلم "جنائن معلقة" فهو نتاج دمية جاءت من مخلفات التواجد الأميركي في العراق.

  • غالبا ً سيعرض فيلمك في قادم المهرجانات العربية كالبحر الأحمر خاصة وأنه ممن شارك في إنتاجه ؟

بالتأكيد. فالمهرجان منصة مهمة، وما يقوم به المسؤولون عن الثقافة في المملكة العربية السعودية أعاد لنا الكثير من الأمل. أنا لم أزر السعودية حتى الآن، لكن أكاد أجزم أن الجمهور السعودي يشبه الجمهور العراقي بشكل ما.. "يعني أمي تشبه الأمهات السعوديات وأخواتي يشبهن أخواتي السعوديات". لذلك أود مشاركة هذه الحكاية معهم ومعرفة رد فعلهم تجاهها.

  • كان هناك دعم كبير للفيلم من مهرجاني الجونة والبحر الأحمر.. حدثنا عن ذلك.

أولا فيما يتعلّق بدعم الجونة، فقد كنت متواجدًا في مرحلتين؛ الأولى مرحلة التصوير وقد استقبلوا الفيلم لكن لم نحصل على شيء، لكن في مرحلة ما بعد الإنتاج حصلنا على جائزة تتعلق بالتلوين والـ EFX للفيلم، وهذا الدعم المعنوي كان مهمًا للتواجد بين المشاريع العربية وتقديم الفيلم للجمهور العربي. أما في مهرجان البحر الأحمر فكانوا كرماء علينا بأن قدموا لنا الدعم في مرحلة ما بعد الإنتاج، في وقت كنا بحاجة بالفعل لهذا الدعم، ولولاهم لتوقف المشروع نظرًا لقلة التمويل المادي.

نقطة أخرى أثيرها لك عزيزي أحمد هي أن الفيلم تم صناعته بكل شيء عراقي، والفضل في ذلك يعود للمنتجة العراقية هدى الكاظمي، التي رهنت منزلها واقترضت من البنك من أجل الفيلم، وهو ما حمّلني مسؤولية أكبر في بذل مجهود مضاعف تقديرًا لهذا الدعم. أيضًا صوّرنا الفيلم بالكامل داخل العراق بدعم من أهالي المدن التي صورنا بها.. "الناس أبناء الأحياء الفقيرة بدونهم ما كان عندنا فيلم لنقدمه لولا المساعدة بأرواحهم، هؤلاء الناس الطيبين قدموا لنا كل الدعم"، بالإضافة لجهود الفريق ككل، فقد صورنا في ظروف صعبة وفي ظل أزمة كورونا، لذلك يستحقون كل التقدير والاحترام.

  • هل ستعرض الفيلم في بغداد؟

بالتأكيد. فهناك جمهور كبير من الشباب العراقي عاشق للفن وللسينما ويرتاد صالات السينما بكثافة ينتظر عرض فيلم "جنائن معلقة" في بغداد. وأنا أنتظر هذه اللحظة أيضًا لكي أشاركهم التجربة وأتابع ردود أفعالهم تجاهها. لكن باعتبار "البحر الأحمر" يمتلك حقوق العرض الأولى بالمنطقة العربية، فلا بد من الانتظار لما بعد المهرجان.