إيلاف من الرياض: يعود المخرج عبد الإله القرشي للسينما السعودية هذه المرة بتجربة جديدة وهي فيلم "الهامور ح.ع" المستوحى من قصة حقيقة، وهو ثاني أفلامه الطويله بعد فيلم (رولم) أولى الأفلام السعودية التي عرضت في صالات السينما تجارياً.

في حواره مع إيلاف يتحدث القرشي عن الفيلم وصناعة السينما في السعودية من وجهة نظره بحوار اتسم بالصراحة وتطرق فيه لأوجهة الخلل، وكيفية معالجتها بالإضافة للحديث عن تجربته الجديدة والصعوبات التي احاطت بخروجها إلى النور.

*ما بين تجربتك الأولى في "رولم" الذي عادت من خلاله الأفلام السعودية إلى الصالات و"الهامور ح.ع" رحلة ظهر فيها اختلاف واضح على المستوى الفني..

- كل تجربة تقدمها تجعل لديك وعي أكبر واستفادة للقادم وخلال السنوات الأربعة الماضية اختلفت السينما السعودية بشكل كبير، اختلاف لمسه الجميع، وتجربتي السابقة في "رولم" عملت عليها من قبل تخرجي مع ياسر حماد لذا فالنظرة اليوم مختلفة، فخلال دراستي لصناعة الأفلام كان لدي هوس بصناعة السينما، أنا أحببت السينما وأحب أن اعمل فيها بـ"مزاج"، فصناعة السينما بها العديد من الأمور التي تتطلب مجهود كبير ومناقشات لأنها ليست جاهزة إلى اليوم، وما شغلني بعد "رولم" فكرة أفلام المخرجين، فهذا الأمر هاجس شخصي لي فعندما تكتب العمل وتخرجه تتوقع أن يشاركك الناس نفس الحلم الذي تريده لكن من يهتم به فقط هم من يحبوك وأصدقاءك، وهذا هو الفارق بين العمل بشكل مؤسسي والعمل كفرد، فعندما تعمل بإطار مؤسسي ستسأل عن القصة وأسباب تقديمها وطريقة توزيعها، فالعمل بإطار مؤسسي يجعلك تجيب على العديد من التساؤلات، لتقدم عمل فني وعلى المستوى الشخصي ما بين التجربتين تطورت كثيراً خاصة وأنني عدت للدراسة خلال فترة كورونا.

*في "الهامور ح.ع" تتعاون مع هاني كعدور، الفكرة والمعالجة جرت مناقشات بشأنهم قبل التصوير، كيف تحركت الأمور؟

- الفيلم فكرتي وهي فكرة لدي منذ فترة طويلة لها علاقة بالقصة المستوحاة وتحديداً منذ أن كنت اعمل في المجال البنكي ولها علاقة أيضاً بصديقي عبد الإله الذي يحب الاكتتاب وشراء الأسهم، فهناك مشاهد رأيتها وسمعتها كمشهد رمي النقود من فوق القصر طلبا ً للمساهمات ، هذا المشهد كان عالقا ً في ذهني من سنة ٢٠٠٤ ، وعندما بدأت الاتجاه إلى السينما وذهبت إلى الولايات المتحدة من أجل الدراسة عام 2010 كان لدي رغبة بتحول هذه الفكرة لعمل سينمائي، وهنا كان دور هاني كعدور حيث قام بكتابة المعالجة الخاصة به، وعندما تحدثنا قال لي أنه يريد أن يغير فيها وشعرت بالبداية أنه يسير في اتجاه مغاير لرؤيتي، لكن جلسنا وتناولنا الكثير من الأمور حول الفيلم نتحدث عن الحياة والناس لإيصال فكرتنا، وبالفعل هناك مجهود وتعب حقيقي يبذله فريق العمل، فالمخرج يجب عليه أن يوصل فكرته للممثل ليتمكن من تقديم دوره بالطريقة التي تتماشي مع العمل، وأيضاً في موقع التصوير أنت مسؤول عن متابعة كل ما تريد لتخرج التجربة بشكل جيد.

*لكن عند مشاهدة الفيلم ينتابك شعور التأثر بفيلم "The Wolf of Wall Street"؟

- بالفعل، ولهذا الأمر قصة أخرى، كما ذكرت لك أنني استغليت فترة كورونا للدراسة وكان لدي تصور في البداية بإمكان أن اقدم الفيلم بميزانية تقترب من نحو 5 ملايين ريال وهو تصور قاصر في رأيي الآن، لكن بعد كتابة المعالجة والانتهاء منها كان هناك نقطة التحول حين وجدت المنتج الجريء وفعلا الفيلم بمثابة "نقلة نوعية"، وهنا قلت له أنني سأقدم "بيئة مختلفة" سينمائياً، وهذا الدعم أعطاني دفعة كبيرة مع مساحة الحرية الكبيرة التي عملت بها من دون قيود مع وضوح الرؤية فيما يتعلق بالتنفيذ، فلم أكن أبحث عن الاستعانة بنوعية جديدة من الكاميرات أو مثل هذه الأمور ولكن كنت أبحث واعمل لتقديم فيلم يحقق النقلة ، فخرج الفيلم بالصورة التي شاهدتها.

*هل كانت فكرة تقديم عمل سينمائي يجذب الجمهور من الأمور الرئيسية التي تضعها في اعتبارك بعد تجربتك السينمائية الأولى في رولم ؟

- سأتحدث معك بصراحة وهناك جملة يمكن أن تكون جارحة بعض الشئ، نحن في السعودية "نلعب" في السينما وحتى الآن لم يتم أخذها بشكل جدي حتى الآن، ما نقدمه حتى الآن ليس صناعة، فالشباب يقدم تجارب وهناك دعم، لكن دعنا نشاهد اليوم الترفيه الذي نقدمه أصبح 90% من القائمين عليه سعوديين في وقت لم يكن هناك هذا المجال في البلاد، نحن نقدم مشروع واضح ورابح ولا نرضى بالقليل خصوصا وأن هناك جهات ولجان تقوم بالمتابعة لما يحدث باستمرار ساعة بساعة، صحيح أن الأمر بالنسبة للسينما ليس كذلك لكنه ليس سئ على الإطلاق، انظر للصورة من مشهد أوسع ستجد أن هناك كثير من الإيجابيات التي تحققت، اليوم عندما تنظر للمشهد السينمائي بشكل عملي لا تستطع التعويل سوى على mbc بشكل مؤسسي، بغض النظر عن مدى قناعتك بما يقدم من عدمه فهذا أمر آخر، فهناك قرارات تتخذ للتنفيذ بشكل فوري من دون دراسة ومراجعة كافية صحيح أنها ليست خاطئة لكن في نفس الوقت لا يجب أن ترضى بالقليل ومراجعة وانتقاء كل تفصيلة والعمل فيها للنهاية أمر سيجعل لديك منتج بجودة أعلى وهنا أيضا لا اغفل مسألة الـ" EGO" الموجودة لدى البعض في مجالات عدة ما بين الإخراج والإنتاج والديكور وغيرها.

*وضعت يدك على مشكلات عديدة، كيف حاولت التعامل معها خلال عملك بالفيلم ؟

- من البداية اتفقت مع هاني كعدور وكنت واضح معه في بعض الأمور، والحقيقة أنني سبق وجلست مع بعض الكتاب ويمكن أن اقول لك أن هناك نوعين الأول يوافق على كل شئ والثاني يتناقش معك ويريد فرصة لإظهار مهاراته، النوع الأول هو المشكلة لأنك لا تريد شخص ضعيف يوافقك لمجرد أن يكون متواجد، ثمة أمر آخر جدير بالأخذ في الاعتبار مرتبط بالمشروع والتمويل وحدود التدخل فيه، فنحن متأثرين بحقبة التمرد في صناعة الافلام التي كانت موجودة بالولايات المتحدة في السبعينات والثمانينات، لكن هنا اتذكر مقولة زياد الرحباني بأن لعمل ثورة على النظام لابد أن يكون هناك نظام لكي تثور عليه، ونحن الآن ليس لدينا مؤسسات سينمائية قوية للتمرد عليها، مثلاً عندما خرج الشباب لليوتيوب كانت تحركهم تمرد على التليفزيون لكن في السينما الوضع مختلفة نحن الآن من نقوم بالتأسيس وفي المستقبل سنكون الكبار الذين يضايقوا الأجيال الجديدة، بالنسبة لي ولكون خلفيتي في صناعة الأفلام فوجودي لن يكون مخرج فقط ولكن سأكون أيضاً مهتم بأمور آخرى ليقدم الفيلم بأفضل صورة وستكون هناك مناقشات لأمور خارج الاستوديو بعد التصوير فيما يتعلق بأعمال الغرافيكس والقيمة المضافة للفيلم، فهناك أمور على سبيل المثال ترفع التكلفة الانتاجية ويمكن أن لا تأخذ منها سوى ثوان معدودة لكن في المقابل هناك من يرى أن عليك إطالة مدتها من أجل الاستفادة من التكلفة المرتفعة على الشاشة لكن هذه الطريقة التي تتبع في بعض أفلام السينما المصرية على سبيل المثال تختلف عن طريقتنا.

*من بين المشاهد التي صورتها بواقعية في الأحداث مشاهد قاعة "ليلتي" المعروفة أنها للطبقة الغنية جدا ً ولها خصوصية خاصة لدى أهل جدة ؟

- بالفعل من البداية وأنا افكر في طريقة تقديم هذه الزاوية بالفيلم وعملت على مدار عدة أيام حتى استقريت على أن تكون "ليلتي" هي مكان التصوير، فهي أفخم قاعة أفراح بجدة منذ نحو 4 عقود ولا تزال محتفظة برونقها الخاص وجودتها وهو ما جعل الناس حتى مع التطور الكبير بالخدمات في الأماكن الأخرى لا يزالوا يحتفظوا بها، فهي لا تزال لديها مكانة كبيرة بين الأغنياء ليقيموا أفراحهم بها، وهذا الأمر تعبني إخراجياً للغاية لأنني رغبت تقديمه بطريقتنا وبما يحدث في الواقع، وليس بطريقة الأفراح الشعبية التي تقام ببعض الأفلام معتمدة على وجود نجمة تقدم أغنية لمدة 5 دقائق، وساعدني في هذا الأمر مدير التصوير إيجور الذي يعمل للمرة الأولى في السعودية فهو كان زميلي في الدراسة لكن بقسم آخر وهو روسي أمريكي عمل في ستوديوهات سينمائية عديدة منها هوليوود وهناك تفاهم كبير بيننا خاصة وأنه كما تعرف هناك أوجه تشابه ثقافي بيننا وبين الروس، فكان هدفنا تقديم فيلم مميز نوعياً وليس مجرد رقم في الانتاجات السينمائية.

*عدد كبير من الأفلام السعودية تم صناعتها في السنوات الأخيرة مع ذلك لانشاهد اقبال عليها من الجمهور ؟

- كل يوم يتم الإعلان عن تعاقدات من جهات انتاجية مع جهات عرض أو خطط لإعلان إنتاج عدد من الأفلام، هذا الأمر ليس خاطئ ولكن ما جدوي تقديم كل هذه الأفلام والجمهور ليس لديه ثقة في الفيلم السعودي؟، كيف ستقوم بتسوية الأمر وأنت ليس لديك الأسس الصحيحة؟، نعم أنت قمت بالإنتاج لكن لم تحل المشكلة الأساسية، ستقوم بالبيع للمنصات أو تعرض على الشاشات لكن في رأيي هذا ليس حل، لذا فإن قناعاتي الشخصية بأن العمل على مشروع وتقديمه بشكل جيد هو الأساس بالنسبة لي لذا لدي انفتاح على التعاون مع الجميع لمشروع ناجح ومختلف، فأنا لا انافس أحد ولكن اسعي للتعاون مع الجميع مع mbc وتلفاز وغيرها من المؤسسات .

*يعتبر فيلمك الجديد باكورة إنتاج بوليفارد ستوديو، هل تراهن على شباك التذاكر في الإيرادات وهل كنت تفكر في الأمر خلال التحضير؟

- أدرك أنني أعمل في مؤسسة وليس جمعية خيرية لذا التحدي الأكبر بالنسبة لي أن الفيلم ينجح ويحقق المعادلة الصعبة في النجاح الفني والجماهيري وهو الطموح الموجود لدى كل مخرج، ولا يوجد ستوديو في العالم لا يريد تحقيق هذه المعادلة، لكن إنتاجياً يجب النظر بشكل مختلف، فأنت ستقوم بتقديم أفلام بعضها سيكون أعلى في الميزانية من غيرها لكن لن تحقق لك ما تتوقعه والعكس أيضاً هناك أفلام ستقدمها وستجد أنها نجحت بقوة، فما نعمل عليه هو محاولة وضع الأساس وحل المشكلة من خلال الوثوق في العلامة وهي خطتنا في بولفارد ستوديو، بحيث يكون هناك ثقة من الجمهور فيما نقوم بإنتاجه.

*الم تقلق من أن فيلم "الهامور ح.ع بهذه الميزانية الكبيرة يكون بطله يقدم البطولة السينمائية للمرة الأولى أعني فهد القحطاني ؟

- لا يوجد ضمانات لاختيار أي ممثل للدور إلا أن يكون أداءه جيد، لكن هناك أمر آخر، فمن مميزات أن ما يكون لديك شئ تخسره أنك لا تشعر بالخوف، وجزء من دور ومهام الاستوديو حول العالم هو صناعة النجم، وتكلفة الفيلم الانتاجية كانت مرتبطة بالفترات الزمنية المختلفة التي يتناولها وكنا حريصين على الاهتمام بالتفاصيل وبأدق التفاصيل، مهما كانت تكلفتها حتى لا نشعر بالندم بعد ذلك.

*يحمل الفيلم جرأة أيضاً، الم تخشى من الرقابة وأن يتم تصنيف الفيلم +18 مما يؤثر على نجاحه جماهيريا ً ؟

- كمنتج كان هناك تخوف بالتأكيد، الخوف الأكبر برأيي من الجمهور وليس من الرقابة، فإذا نظرت إلى رأي الجمهور في نتفلكيس قبل 5 سنوات ورأيه الآن ستجد اختلاف كبير، وهذا ليس في السعودية فقط ولكن في كل مكان، إذا يبقي السؤال أين المشكلة ؟ بالتأكيد ليست الجرأة ولا الموضوعات التي يتم مناقشتها ولكن في الصيغة التي يقدم بها العمل، والتي أصبحت تستفز الجمهور بأنها تريد أن تفرض عليه نمط معين، لن أحدثك عن الجدل الذي صاحب "أصحاب ولا أعز ولكن مثلاً تجربة "البحث عن علا" وهنا أحدثك عن مصر وليس السعودية، والحقيقة أن الرقابة لم تضايقنا على الإطلاق، فالمرجعية الثقافية واضحة لنا، نحن في النهاية نقدم فيلم عربي سعودي، وهم لديهم وعي عالي، وفي النهاية لابد أن نقول صراحة أنه لن يمكن تقديم أفلام توعية للناس فنحن نتحدث عن رؤية تتناسب مع رؤية 2030.

*كيف تم اختيار الموسيقار هشام نزيه خصوصا وأنه مصري والفيلم سعودي؟

- هشام كان اختياري الأول والأخير، فهو جاء بمرحلة متأخرة جداً من العمل مع بداية الانخراط في مرحلة ما بعد الإنتاج والموسيقي وقدمها بصورة ممتازة نالت اعجاب كل من شاهد الفيلم.