ينظر العراقيون لفصل الشتاء بعين الوجل والخوف في المدن والاستبشار بانتظار الخير في القرى. وقد جالت إيلاف على عدد من العراقيين مستعرضة آراءهم حول الامطار الغزيزرة التي بدأ بها فصل الشتاء هذا العام.

وسيم باسم من بغداد: في الوقت الذي يستقبل فيه العراقيون الشتاء، فأنهم يتأهبون للماء والفيضانات، التي تسببها أمطار ينتظرها العراقيون بفارغ الصبر. والمطر في العراق، على رغم شحته الا انه مدعاة للقلق لدى أهل المدن بصورة خاصة، بسبب انعدام البنية التحتية لتصريف المياه.

المطر.. نعمة ونقمة

أمطار الشتاء تحول شوارع بغداد لأنهار

ويبدي المزارع أبو تمام في قرية السادة جنوب الحلة (100 كم جنوب بغداد) سعادة بسقوط المطر الذي يوفر الماء للحيوان والنبات، لكنه في نفس الوقت يقلق كثيرين، لان الطريق الترابي الموصل الى المدينة سيتحول الى ممر تكثر فيه الأوحال.

وعلى رغم ان العراقيين يرحبون بسقوط المطر، لكنهم لم يسخروه طوال الزمن في خدمتهم.
فعلى رغم ان العراق يتوفر على شبكة كبيرة لصرف مياه الأمطار والمياه الصحية، الا انها في أسوأ حالاتها لسوء الصيانة والإدامة منذ نهاية السبعينيات.

ويقول المزارع ليث حسن من المحاويل (100 كم جنوبي بغداد )، فان اغلب مياه الأمطار تذهب سدى من دون توفر آليات خزنها والاستفادة منها لاحقا.

وبحسب ليث فان المطر يتحول في بعض الأحيان إلى وبال، حين يشكل مستنقعات، تنتشر فيها البعوض وتصبح مرتعا للحيوانات المتفسخة.
كما يزيد الشتاء من البؤس الذي يكابده الفقراء ويحول حياتهم الى مشقة بالغة بسبب نقص الوقود وارتفاع أسعاره.

المعاناة في الشتاء

وملأ أبو تحسين الذي يسكن مسكنا من الصفيح قرب الحي الصناعي لمدينة الحلة، برميلا من النفط، استعدادا للشتاء، كما
جدد سقف المنزل المتواضع خوفا من نفوذ الماء الى داخل غرفة النوم.

ويصف ابو تحسين المعاناة في الشتاء بما تعود العراقيون على ترديده منذ الماضي وهو ان quot;الصيف ابو الفقراءquot; في إشارة إلى معاناتهم من البرد والمطر في الشتاء.

وفي بلد يعاني الجفاف، تغيب الآليات التي يمكن من خلالها من استغلال مياه الأمطار بكفاءة عالية.

بل ان المطر يتحول الى نقمة في بعض الأحيان بسبب ما يخلفه من فيضانات تتراكم فيها المياه التي تكون وسطا ملائما لنمو الطحالب ويرقات الحشرات مثل البعوض الناقل للملاريا.

ويشير أبو تحسين إلى المستنقع الآسن الذي أمام بيته، حيث أصبح ترعة عملاقة للأوساخ والفضلات والقمامة.

وفي كل شتاء يستمد المستنقع مياهه من الأمطار، ليصبح علامة من علامات التلوث بسبب تراكم مياه لم يتم الاستفادة منها بسبب نقص الآليات.

ويشير أبو تحسين الى تحول اغلب طرق المنطقة الى مسالك تغطيها الاوحال، يصعب السير فيها، وتحاول وسائط النقل تجنبها.
وعلى رغم ان العراق بلد فقير فيما يخص الأمطار الموسمية، فان سقوط كميات شحيحة منها يتسبب في مشاكل في النقل والبيئة والسكن.

ويقول المهندس عامر عبد الله من بلدية الشوملي (140 كم جنوبي بغداد )، ان نزول أمطار غزيرة سيحول الشوارع والأحياء الى خزانات مياه كبيرة غير قابلة للتصريف.

ويتابع: ردم المستنقعات التي توجد في الكثير من مناطق العراق بات اليوم ضرورة ملحة للقضاء على أي احتمال لوباء الكوليرا الذي انتشر في العراق بصورة متفرقة في عام 2007.

ولكي لا يتحول الشتاء في بعض المناطق التي تشهد نزول أمطار غزيرة، إلى أزمة سنوية متكررة، فان الحاجة الى تقنيات صرف واستغلال المياه في مدن العراق و قصباته بات حاجة ملحة عبر تأهيل البنية التحتية.

ويشعر أبو عصام الذي يسكن في بيوت عشوائية قرب معمل طابوق المحاويل، بالصدمة المزدوجة والمتمثلة في انقطاع الطرق عند نزول الأمطار إضافة إلى ارتفاع أسعار الغذاء والوقود.

وتصف رحيمة المتوكل المطر في العراق بانه نعمة لكنها نعمة ترتبط بالمعاناة مع الأسف.

ويقول رحمن العكيلي من مدينة الشعب في بغداد ان سوء شبكات المجاري يطلق صيحات الأهالي في كل شتاء بسبب فيضان المياه في الشوارع مما يعيق الحركة اليومية بسبب الازدحام المروري مما يتسبب في شلل للحياة اليومية، إضافة الى تعطيل الدوام في الكثير من الدوائر الحكومية.

وعلى رغم ان الحكومات المحلية تعلن عبر الميديا انها نفذت عشرات المشاريع لبنى تحتية للمدن مثل المجاري وتأهيل الشوارع والساحات الى ان ذلك لم يسفر عن نتائج ملموسة.

ويستشهد احمد عبد الحسين بما حدث العام الماضي في مدينة كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) حين أدت العواصف والأمطار الغزيرة الى سقوط سقوف المنازل والمتاجر، وفيضان الشوارع.

يتابع احمد: من دلائل المشاريع غير المدروسة، ما حدث من غرق لشارع حديث الإنشاء في كربلاء، هو شارع البزل، حيث أدى سقوط الأمطار في كانون الثاني 2011 الى ارتفاع منسوب المياه وانسداد قنوات التصريف.

واجتاحت العراق العام الماضي أمطار غزيرة و فيضانات في مناطق كثيرة مثل شنكال و ربيعة بالموصل مما أدى الى سقوط نحو ثلاثين منزلاً.

وفي الوقت الذي ينظر فيه الفلاحون والمزارعون بسرور لسقوط الأمطار التي تنعش الزراعة وتحد من الجفاف فان سكان المدن يبدون تذمرا من أمطار تؤدي الى طفح مجاري المياه، مما يؤدي إلى انتشار الأوبئة.