بسبب ظروف الحروب التي مر بها العراق أهمل العراقيون الاهتمام بالحدائق المنزلية والعامة.

وسيم باسم من بغداد: لم ينحسر الغطاء النباتي خارج مدن العراق فحسب، بل ان الأغطية النباتية الداخلية المتمثلة بحدائق المنازل، انحسرت أيضا منذ ثمانينات القرون الماضي، حين انعدم اهتمام المواطن بالحديقة المنزلية بسبب ظروف الحرب العراقية الإيرانية وتشجيع الدولة انذاك على تحويل الفضاء في المنازل الى ملاجئ حين قدمت الحكومة قروضا سخية، ليحول المواطنون أجزاء من حدائقهم الى ملاجئ.

وفي السبعينيات من القرن الماضي كانت الحديقة تحتل حيزا مهما من خارطة البيت وتلقى الاهتمام والرعاية من كافة افراد العائلة،
لكن توسع الأسر اضطرها الى بناء (المشتملات) في الحدائق لأغراض توفير السكن على رغم الأضرار البيئية الناجمة عن ذلك.

حدائق المدارس
وحتى حدائق المدارس، فان اغلبها عبارة عن ارض جرداء لا تنال اهتمام الإدارات والتلاميذ على حد سواء.
يقول المعلم المتقاعد حليم الطائي وهو يتذكر المدرسة الابتدائية التي عمل فيها طيلة أربعة عقود وكيف كانت تحفل بأنواع من النباتات والورود والشتلات.

ويتابع : تستطيع كل إدارة مدرسة اليوم وبأقل التكاليف وبجهود المعلمين والطلبة من زراعة حديقة المدرسة، لكن هذا لم يحدث في الكثير من الحالات بسبب غياب الوعي البيئي و(الحدائقي).


ويتابع: في اغلب مدارس العالم فان الإدارات تخصص اوقاتا ( خضراء ) للتلاميذ، لكي يعملوا في حديقة المدرسة، بغية ادامتها، ولغرض تعليم التلاميذ أيضا مفهوم الإدامة البيئية وتنمية اذواقهم بمفاهيم الثقافة الخضراء.

ازرع لا تقطع
ويتابع : لاحظت ان اغلب الأطفال في العراق لا يتورع عن قطف الوردة حين يراها ولعل هذا خطا جسيم ناتج عن ثقافة زرعت الأنانية في نفوس النشأ الجديد.

ويشير علاء كريم الى منطقة الجمعية في بابل (100 كم جنوب بغداد) وكيف تحولت حدائق المنازل الى كتل اسمنتية بسبب تشييد الدكاكين والملاحق السكنية (المشتملات ).

وفي فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي كانت الحدائق المنزلية في العراق مهيأة لاستقبال الفعاليات الاجتماعية من حفلات زفاف وضيوف لوسعها وجماليتها.

وكانت أغلب الأسر العراقية تقضي مساءاتها في تلك الحدائق وسط ورود الجوري والرازقي و المتسلقات والأس الجميل.
ويضيف: يستعيض البعض اليوم عن حديقة المنزل، ببضع (شتلات ظل) مزروعة في عبوات و(سنادين)، بل ان البعض يعوض عن افتقاده للمساحات الخضراء بشراء وردود ونباتات بلاستيكية.

لكن البعض مازال حريصا على ادامة حديقة منزله ومنهم ابو حسام في محافظة النجف الذي يعتز بحديقة منظمة ومرتبة في منزله، تضم نباتات زهرة بغداد و الأس و الجوري والكاردينا والقرنفل والرازقي وشتلات العنب المعلقة.

المشاتل
وفي اغلب مدن العراق تحولت (الجزرات) الوسطية في الطرقات الى كتل كونكريت بعد تغليفها بالكاشي المقرنص.

كما تحولت الأرصفة التي صممت في جزء كبير منها الى مساحات خضراء، الى أماكن لعرض البضائع.

ويقول سليم مراد صاحب مشتل الزهراء في الحلة، ان المشاتل في العراق واجهت ظروف صعبة منذ الثمانينيات بسبب عزوف الناس عن شراء النباتات والزهور بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.
وتوقف أصحاب المشاتل في السنين الماضية عن الاستثمار في الشتلات المنزلية بسبب عزوف المواطنين عنها حيث اختفت من البيوت ورود الجوري والرازقي والقرنفل التي حرص الموطن على زرعتها طيلة عقود.

لكن مراد يرى ان العمل في هذا المجال يتحسن منذ حوالي السنة، لان ثمة إقبال من جديد على تأهيل حدائق المنازل من قبل المواطنين.

وتفتقد اغلب الدكاكين في العراق طيلة عقود الى المساحات الخضراء.
وتبرز اليوم الحاجة على اشدها الى الاهتمام بالمساحات الخضراء في البيوت وفضاءات المدن بسبب تزايد السكان وكثرة وسائل النقل والمواصلات والتوسع في العمران والشوارع، وبناء المجسرات والعواصف الترابية.

ويلاحظ المراقب اهتماما متزايدا في اغلب مدن العراق بالحدائق في الشوارع والجزرات من قبل الحكومات المحلية.

ففي مدخل النجف ( 160 كم جنوبي بغداد) زرعت مئات الشتلات على جانبي الطريق و وسطه في مشهد يتوقع له ان يزيد من جمالية المنطقة.

كما زرعت في مدينة كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد)اشجار النخيل ونباتات اخرى على مسافات طويلة من الطريق بين كربلاء وبابل.

وفي الكثير من المدن زرعت الساحات الوسطية بالورود والنباتات، لكن هذه الانجازات تبقى قليلة مقارنة بالحاجة الحقيقية للغطاء النباتي الذي تحتاجه مدن العراق.


كما دشنت في مدينة كربلاء أول مزرعة لإنتاج الصبار
على مساحة 2500 دونم في إحدى المقاطعات الصحراوية القابلة للزارعة جنوبي المدينة حيث سيزيد من المساحات الخضر في المنطقة الجنوبية الصحراوية مع الاستعداد لحفر نحو 25 بئرا.

ونبات الصبار اضافة الى كونه غطاءا نباتيا فانه يدخل في صناعة الأدوية والزيوت النباتية.

الحديقة احد مظاهر الحياة
وتعتبر الحديقة في العراق احد مظاهر الحياة من قدم التاريخ.
وكانت الحدائق البابلية مثال يحتذى به في اغلب دول العالم حيث سعت الكثير من المدن الى تقليد اسلوبها.

كما يدعو الناشط البيئي سعدي حسين الذي يمتلك حديقة عامرة بانواع الزهور والنباتات في بيته يدعو الى حملة وطنية لزرع
الاشجار امام البيوت.

ويقضي حسين حلالي ساعتين يوميا في تنظيم وترتيب حديقة منزله في حي بابل بمدينة الحلة.

كما يدعو حسين المواطنين الى زرع نباتات مثل السدر واليوكالبتوز والكينوكابرس على جانبي البيوت اضافة الى اشجار النخيل، بغية تعزيز الغطاء النباتي في العراق لتقليل مضار العواصف الترابية ودرجات الحرارة العالية على صحة المواطن.
ويرى حسين ان دعم اصحاب الحدائق المنزلية عبر قروض ستشجعهم الآخرين على زراعة حديقة المنزل.

حدائق بغداد
وفي بغداد تعد الزوراء من اكبر المساحات الخضراء في بغداد شيدت عام 1974، وتضم مرافق ترفيهية وحديقة حيوانات.

كما ان الحدائق حول مدينة ألعاب الرصافة تعد متنفسا للعوائل العراقية لقضاء وقت ممتع، لكن هذه الحدائق تعرضت الى التلف والاهمال لسنين، واقتطعت منها مساحات كبيرة بسبب البناء العشوائي للدكاكين والمشاريع التجارية الإرتجالية، كما تحولت في عام 2003 الى مرتع للعصابات المسلحة ايضا.

لكن هذه الحدائق استعادت بعض من رونقها بعد تجديد الاهتمام بها لكنها بحاجة الى مشاريع استثمارية تطور مرافقها الترفيهية، وتغني غطائها الاخضر.

وتأمل وزارة الزراعة في تدشين مشروع ( مشروع الحدائق المنزلية ) لتوفير الغذاء للأسرة المهددة بالجوع من خلال تنمية الحدائق المنزلية في العراق بتمويل من منظمة FAO.