وادي قاديشا أو وادي قنوبين هو من أعمق وديان لبنان. يقع الوادي في قضاء بشري في شمال لبنان ويبعد عن العاصمة بيروت 121 كلم ويرتفع عن سطح البحر 1500م. يجري في عمقه نهر قاديشا الذي ينبع من مغارة تقع عند أقدام أرز الرب التي تُشرف عليها quot;القرنة السوداءquot;، أعلى قمم جبال لبنان. مع بدايات دخول المسيحيّة إلى الجبل، تحوّلت هذه الكهوف إلى كنائس وصوامع وأديرة وتعاقب على السكن فيها الرهبان والنساك والمتوحدون. وكان هؤلاء ينتمون إلى مختلف المعتقدات المسيحية. وكذلك أقام في الوادي بعض المنقطعين من المسلمين، على حدّ ما رواه الرحالة الأندلسي ابن جبير الذي تجوّل في المنطقة في غضون القرن الثاني عشر، وشهِد بأنّ مسيحيي جبل لبنان كانوا يقدّمون الطعام والمؤن إلى المسلمين الذين اختاروا الإنقطاع عن الدنيا هناك. (ويكيبيديا)

وادي قاديشا (لبنان): ترك داريو اسكوبار عائلته الغنية في كولومبيا وانتقل الى لبنان ليستقر في واد بعيد وجميل في شمال البلاد حيث يعيش منذ تسع سنوات بعيدًا عن العالم الخارجي في quot;محبسةquot; احلامه. ويقول الاب داريو اسكوبار (75 عامًا) من محبسته المحفورة في الصخر في مغارة في وادي قاديشا quot;من يتذوق هذه الحياة، لا يعود يرغب في حياة اخرىquot;.

وتقع المحبسة في دير سيدة حوقا في وادي قاديشا الذي يطلق عليه ايضا اسم quot;وادي القديسينquot; بسبب ارتفاع عدد الاديرة والمحابس فيه والعائدة الى مئات السنين. وكان الموارنة (مسيحيون) الاوائل الذين قدموا الى لبنان من سوريا في القرن الخامس يختبئون في مغاور الوادي هربًا من الاضطهاد. وكذلك البطاركة الموارنة الذين شكلوا دورًا مهمًّا في تاريخ لبنان.

ويرى الاب داريو ان هذا المكان الذي ادرجته اليونيسكو على لائحة التراث العالمي quot;هو المكان المثالي للصلاة والعزلةquot;.

ولا تصل السيارة الى محبسة حوقا. وهناك اماكن عديدة في الوادي الذي تتجاور فيه الصخور الشاهقة مع الاشجار الخضراء، لا طريق معبدة اليها، بل يفترض سلوك طريق وعرة احيانا لزيارتها.

ويقول داريو بابتسامة وعينين ضاحكتين quot;هنا، بلغت سلاما داخليا ولن اغادر المكان مقابل اي ثروة مهما كبرتquot;.

والواقع ان داريو اسكوبار ذاق طعم الغنى. وهو يقول quot;كنت صاحب ثروة كبيرة ورثتها عن والديquot;.

ويتحدر الرجل صاحب اللحية الرمادية والوجه المحفور بالتجاعيد، من ميديلين (شمال غرب كولومبيا). ويقول quot;المال لم يجلب لي السعادة، بل على العكس، كان يتسبب لي بالهموم. فقررت ان اترك كل شيء وان البي نداء اللهquot;.

ويروي انه كان يعيش صغيرًا في حي راق وفي منزل مريح مع والديه واشقائه وشقيقاته. غير انه يفضل المحبسة التي يقيم فيها اليوم.

وينام الناسك او quot;الحبيسquot; كما يقول العامة، على فراش رقيق من الاسفنج ويلقي راسه على حجر. وغرفته الصغيرة خالية الا من لوح خشبي صغير يقوم مقام الطاولة وصليب وشمعة ومنبه.

ويقول وهو يشير الى الحجر، quot;لم اعد قادرًا على استخدام الوسادةquot;.

ويتابع انه يأكل مما يزرع، مضيفًا quot;الطعام الذي لا استطيع تحضيره هنا، يأتون لي به من الديرquot; المجاور.

وتقتصر وجبات داريو اسكوبار على الفاصولياء والبصل والبطاطا. ويقول quot;كحبيس اعيش فقيرا وانا سعيد بهذاquot;.

ويرتدي اسكوبار، استاذ اللاهوت وعلم النفس سابقا، ثوبًا رهبانيًا باليًا ويعيش quot;من دون تلفزيون وهاتف وراديو وطبعًا من دون انترنت وفايس بوكquot;.

اما صلته بالعالم فتقتصر على بعض الرهبان والكهنة الذين يزورونه، بالاضافة الى عدد من الزوار والحجاج الى الوادي الذي تنتشر فيه المزارات الدينية.

ويعيش في الوادي ناسك آخر، غير ان هذا الاخير يرفض منذ سنوات استقبال الناس او الكلام مع احد. وينقل اليه رهبان احد الاديرة المجاورة يوميا طعامه. ويحتاج الراهب اجمالاً الى موافقة رسمية من رؤسائه ليعيش في محبسة.

اما اسكوبار فقد دخل الدير في كولومبيا حيث زاول التعليم، وكان يرسل في مهمات الى دول مختلفة، الى ان التقى في احدى رحلاته الى الولايات المتحدة راهبًا لبنانيًا من الطائفة المارونية، اكبر المذاهب المسيحية في لبنان، حدثه عن لبنان وعن وادي قاديشا وعن حياة النساك الاقدمين.

ويقول اسكوبار quot;صادف ذلك في مرحلة من حياتي مليئة بالاسئلة والقلق، وسبقه الهام من الله فهمت منه بان علي ان اتخلى عن الحياة العملية وان اتوجه الى الحياة التأملية. وهكذا كانquot;.

وفي لبنان، اضطر الراهب الكاثوليكي الكولومبي الى اعتناق المارونية التي تتبع الديانة الكاثوليكية، ليعطى له بعد ذلك الاذن بان يصبح quot;حبيساquot;.

ويتقن اسكوبار اللغات القديمة ويتكلم لغات عدة الى جانب لغته الاسبانية الام، بينها الفرنسية والانكليزية والعربية ولو بدرجة اقل.

ويقول quot;ان بعض الزوار الذين يأتون إلي يتصورون ان في امكاني ان اقرأ الغيب، فيسالونني مثلا: هل سأجد عريسا؟ هل سأجد عملا؟quot;.

ولا يزال اسكوبار يحتفظ بشغف من حياته السابقة وهو كرة القدم، وان كان توقف عن ممارستها او مشاهدتها.

وهو يقسم نهاره على الشكل التالي: 14 ساعة للصلاة، وثلاث لزراعة حديقته، واثنتان لمطالعة كتب روحية، وخمس ساعات للنوم.

في هذا المكان النائي الذي يشهد بردا قارسا في فصل الشتاء احيانا والذي يسوده صمت عميق، يؤكد اسكوبار انه لم يشعر بالملل في يوم من الايام.

وتتكدس الكتب عن سير القديسين في مكتبته التي تتدلى فوقها جمجمة يقول عنها انها تساعده على quot;الاستعداد للموتquot;.