السرايا الحكومية عنوان للنصر الإنتخابي في لبنان
تعوّدوا هذا الإسم : quot;دولة الرئيسquot; سعد الحريري

نجم الهاشم من بيروت: في وسط المدينة اتخذ النائب سعد الحريري مقرا جديدا لإقامته سمي quot;بيت الوسطquot;. ليس بيتا عاديا، ويمكن اعتباره مع ملحقاته حياً كاملاً. هناك اختار زعيم quot;تيار المستقبلquot; والوارث السياسي للرئيس رفيق الحريري ومشروعه الإقتصادي والسياسي أن يمضي عطلة نهاية الأسبوع بعيدا عن صخب قريطم والقصر، ومن هناك يختار بدايته السياسية الثانية بعد انتخابات 7 حزيران/يونيو 2009 التي كرست فيها الغالبية النيابية وقوى 14 آذار/ مارس غالبيتها.

تعبر وسط المدينة في اتجاه فندق quot;الهوليداي إنquot; الذي امتلكه كويتيون ولا يزال مدمراً، وتتجه يسارا لتصل إلى ما كان يعرف بوادي أبو جميل. عدد من المباني القديمة لا يزال صامدا في ذلك الشارع الذي كان يضم حي اليهود في بيروت، هي خالية من الناس تنتظر مشاريع إعمارية جديدة تعيد رسم وجه المدينة التي حلم بها رفيق الحريري واستشهد فيها ومن أجلها. تقف في أول الشارع الذي يتحول منطقة أمنية وتعبر أكثر من حاجز أمني لتدخل حرم البيت الكبير الذي يشبه قليلا طبيعة البناء في قريطم، وإن كان لا يضاهيه في الإرتفاع. حجارة سوداء ترصف الطريق ومداخل واسعة ومحصنة وبهو داخلي وورود وبرك مياه: أنه عالم سعد الحريري الخاص، أو المقر الرسمي لرئيس حكومة لبنان المقبل من دون أن يلغي رمزية قصر قريطم وتسمية قريطم التي باتت مرادفة للزعامة الحريرية.

quot;بيت الوسطquot; هذا كان مقر رئاسة الجمهورية، فيه تحصن الرئيس السابق كميل شمعون عام 1958، ومن على سطحه أطلق بنفسه النار على أنصار quot;الثورةquot; أو quot;المقاومة الشعبيةquot; التي قامت في وجهه، وقبله سكن ذلك البيتquot;أبو الإستقلالquot; اللبناني الرئيس بشارة الخوري. وبين quot;بيت الوسطquot; والسرايا الحكومية مسافة قصيرة. السرايا فوق البيت تماما، كأنهما في حرم واحد وكأن الحماية واحدة. إذا أراد الحريري أن ينتقل من البيت إلى السرايا فليس عليه أن يجتاز شوارع طويلة ويتعرض لأخطار أمنية. بعد انتخابات 7 حزيران 2009 أصبح كأنه داخل السرايا أيضا.

لم تكن رحلة النائب سعد الحريري إلى السرايا طويلة ولكنها كانت محفوفة بالخطر ولا تزال. من 14 شباط/ فبراير 2005 إلى حزيران/ يونيو 2009 مسافة أربعة أعوام وثلاثة أشهر في الزمان طويلة في الأحداث الكبيرة والإستحقاقات الصعبة. رحلة رفيق الحريري كانت أطول ولكنها تشبه رحلة ابنه سعد في بعض مظاهرها ومحطاتها. بعد اغتيال والده قال سعد الحريري إنهم فشلوا في إقفال بيت الحريري وهو يبرهن هذا الأمر كل يوم. اكتسب خبرة سياسية كبيرة في فترة قياسية ولكن المهمة التي تنتظره قد تكون هي الأصعب، لأن الإمساك مباشرة برئاسة الحكومة يرتب عليه مسؤوليات كبيرة في المرحلة المقبلة التي ستحفل بالكثير من التحديات والقرارات الصعبة، وقد أظهر أنه لا يتردد كثيرا في خوض الأخطار وتحمل القرارات الصعبة.

عام 1982 دخل رفيق الحريري مباشرة الساحة اللبناني عبر مشروع تنظيف بيروت من آثار الحرب الداخلية والإجتياح الإسرائيلي، بينما كانت المدرعات السورية تغادر المدينة المنقسمة على ذاتها، كانت جرافات رفيق الحريري الآتية من المملكة العربية السعودية تخرج من مرفأ بيروت في بداية شهر أيلول/سبتمبر وتعبر شوارع العاصمة، ليبدأ منذ ذلك التاريخ الصراعي المكشوف للسيطرة على بيروت بين المدرعات السورية وبين جرافات رفيق الحريري، في النهاية انتصرت الجرافات وسقط رفيق الحريري شهيدا في 14 شباط/ فبراير 2005 لتخرج على دمه المدرعات السورية من كل لبنان في 26 نيسان/ أبريل 2005 أي بعد شهرين واثني عشر يوما فقط.

انتظر رفيق الحريري طويلا ليدخل النادي السياسي اللبناني. كان له حضوره في كل المفاوضات من أجل التوصل إلى حل للأزمة اللبنانية وإنهاء حال الحرب. قصوره، طائراته، يخته، طواقم عمله كلها كانت في خدمة مشروعه. في الطائف كانت محطته الأساسية. جعل من بناية له في الرملة البيضاء مقرا لرئاسة الجمهورية التي حلت ضيفا عنده. اغتيل رئيس الجمهورية رينه معوض وبقي المقر وجاء الرئيس الياس الهراوي بعده وبقي المقر. لم تكن سورية موافقة على أن يكون الحريري رئيسا للحكومة منذ بداية عهد الرئيس معوض أو عهد الرئيس الياس الهراوي، فالرجل المتمكن من علاقاته الدولية يحتاج إلى آلية كاملة لضبط إيقاعاته حتى لا يفتح سياسة على حسابه. بعد انتخابات 1992 وتكوين مجلس نواب موال لسورية أصبح الحريري رئيسا للحكومة وبدأ الرجل يتسلق سلم زعامته عبر المحطات الإنتخابية.

عام 1996 أصبح زعيما على بيروت وشكل كتلته النيابية التي استودع فيها السوريون بعض الأسماء. عام 1998 ألغى بعض خصومه في انتخابات بلدية بيروت. عام 2000 انتزع زعامته على مستوى كل لبنان من بيروت إلى صيدا إلى طرابلس وعكار والبقاع الغربي وإقليم الخروب، وأصبح الزعيم الأول لطائفته في لبنان. دفع رفيق الحريري ثمن صعوده السريع. بعد اغتياله أكمل سعد الحريري من حيث انتهى والده. بقي قصر قريطم مفتوحا وبقيت المواجهة السياسية مفتوحة وعنوانها الرئيس واحد لا يتغير ولا يتبدل : الحقيقة والمحكمة الدولية لمحاكمة الذين اغتالوا الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في quot;ثورة الأرزquot;.

عام 2005 أعدت الإنتخابات على عجل من دون أن يكون سعد الحريري قد دخل بعد في أجواء الغابة السياسية في لبنان، ولكنه مع حلفائه في quot;ثورة الأرزquot;، تمكنوا من الفوز بغالبية المقاعد النيابية، واختير كزعيم للغالبية على أن يكون فؤاد السنيورة هو رئيس الحكومة، وأبعد عن المواجهة معظم القيادات السنية التي كانت ضد رفيق الحريري. لكن المعركة لم تنته عند هذا الحد.

صمد فؤاد السنيورة في السرايا ولم تنجح محاولات إسقاطه بالقوة ،وعلى دم شهداء quot;ثورة الأرزquot; سلكت المحكمة الدولية طريقا المصبوغ بالدم من مجلس الأمن إلى لاهاي. في 7 أيار/ مايو 2008 كانت التجربة الأصعب. سقطت بيروت في قبضة مسلحي quot;حزب اللهquot; والأحزاب المتحالفة معه، ونجحت تسوية الدوحة في انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة اتحاد وطني حصلت فيها المعارضة على الثلث المعطل. تحت الضغط العسكري كانت هذه التنازلات، ولكنها كانت موقتة في انتظار المواجهة الأصعب في انتخابات 7 حزيران/ يونيو 2009.

كان quot;حزب اللهquot; يراهن مع الجنرال ميشال عون زعيم quot;التيار الوطني الحرquot; على استكمال الإنقلاب العسكري بانقلاب سياسي ديمقراطي، وقد بنيا استراتيجيتهما على أساس الفوز في هذه الإنتخابات ووضعا برنامج الحكم الذي يبدأ بتحرير لبنان من الفساد وفتح السجون أمام الفاسدين، إلى تسليح الجيش اللبناني من إيران وجعله قوة مواجهة مع إسرائيل، لكن الحسابات فشلت وسقطت الرهانات واضطرا إلى استيعاب الهزيمة السياسية والتحضير للمواجهة من موقع المعارضة.

في المقابل ماذا حقق سعد الحريري في انتخابات 2009 ؟
بنى الرجل شبكة تحالف واسعة وعمل في شكل رئيس على توحيد البيت السني في لبنان استكمالا لما كان بدأه والده. ترشح الرئيس السنيورة في صيدا من أجل إقصاء الخرق السني الموالي لـquot;حزب اللهquot; فيها، المتمثل بالنائب أسامة سعد. تحالف مع الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي في طرابلس، توافق مع quot;الجماعة الإسلاميةquot; في كل لبنان، احتوى الجماعات السنية الأصولية التي خرجت إلى الشوارع بعد 7 أيار/ مايو، نزل إلى أرض المعركة على رغم الأخطار الأمنية المحدقة به، رفع شعار quot;ما مننسى والسما زرقاquot; وبقي عنده، استفاد من أخطاء خصومه ولا سيما اعتبار السيد حسن نصرالله quot;أن يوم السابع من أيار كان يوما مجيداquot;، وانتصر في الإنتخابات وحصد مع حلفائه الأكثرية النيابية التي أثبتت شرعيتها بعدما كان الحزب والتيار يعتبرانها مزيفة.

هل يعبر سعد الحريري الخطوات القليلة التي تفصل بين بيت الوسط وبين السرايا؟ وهل يعيد إلى السرايا هالة رفيق الحريري وينتصر على الذين أزاحوه منها بالتهديد أولا ثم بالإغتيال؟

المهمة التي تنتظر سعد الحريري في رئاسة الحكومة ليست سهلة. فأمامه ملفان : سلاح quot;حزب اللهquot; والمحكمة الدولية. فماذا يستطيع أن يقرر بشأنهما؟

لقد مد اليد إلى السيد حسن نصرالله في موضوع السلاح ودعا إلى إخراجه من التداول الإعلامي ولكن تحت سقف ثابت محدد من قبل هو أن سلاح الدولة هو السلاح الشرعي الوحيد وأن الجيش اللبناني هو الجيش الوحيد، وأن المطلوب أن يتم استيعاب المقاومة داخل الدولة وداخل الجيش. هذا الموضوع في ظاهره يبدو سهلا ولكنه في حقيقته يشكل خطورة على كل من يريد أن يعبر إلى تفاصيله منذ صدر القرار 1559، الذي دعا فيه مجلس الأمن إلى خروج الجيش السوري من لبنان ونزع سلاح الميليشيات وانتخاب رئيس للجمهورية. يبقى موضوع السلاح من دون تنفيذ فهل يجرؤ الحريري على خوض غمار هذه المواجهة ؟ وهل يستطيع من موقعه في رئاسة الحكومة أن يسكت عن تفرد quot;حزب اللهquot; بقرارات السلم والحرب ؟ وهل يتعهد له الحزب أن يهمل موقتا الخيارات العسكرية مقابل ترك موضوع السلاح ؟

الأمر الثاني الذي يواجهه الحريري هو المحكمة الدولية. في الأعوام الأربعة الماضية سلك التحقيق ملفات كثيرة وانتهى في يد المحكمة الدولية في لاهاي. التهمة السياسية موجهة إلى سورية ولكن تقرير quot;درشبيغلquot;عن التحقيقات وضع المشكلة مع quot;حزب اللهquot; بعدما نسب إلى وثائق من التحقيق أن الحزب له علاقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري.

النائب وليد جنبلاط اعتبر أن هذا التقرير بمثابة بوسطة عين الرمانة، التي أشعلت الحرب في لبنان عام 1975، ودعا النائب سعد الحريري إلى الإكتفاء بمعرفة الحقيقة إذا كانت المحاكمة تشعل الفتنة المذهبية في لبنان وربما في المنطقة. إزاء هذا الأمر ماذا يستطيع أن يفعل سعد الحريري ؟ هل يتصدى لهاتين المسألتين من موقعه كرئيس للحكومة أم يفضل أن يبقى خارج دائرة القرار المباشر ليكون قادرا أكثر على المساومة والتفاوض ؟

بعضهم يعتبر أنه أصبح سيّد شعاره : quot;ما مننسى والسما زرقاquot;، وأن لقب دولة الرئيس يناديه وأن لا مجال للمساومة، وأن إعلان النصر له عنوان واحد : السرايا الحكومية.