إيلي الحاج من بيروت: إندلع في لبنان سجال سياسي- مذهبي واسع متعدد الأطراف لا يزال متواصلاً منذ الثلاثاء الماضي، أطلق شرارته quot;خطأ تقنيquot; وقع في غرفة تحرير الأخبار لمحطة تلفزيونية، ولحقتهquot;أخطاء تقنيةquot; متدرجة في وسائل إعلام مختلفة من صحف وتلفزيونات وإذاعات، فضلاً عن مراجع سياسية. وحتى الآن لا تمضي ساعة من دون أن يُضاف تعليق أو موقف إلى السجال المتلاطم ، ما دفع سفراء وممثلي دول مهتمة بالشأن اللبناني إلى التدخل في وساطات للتهدئة وquot;لفلفة الموضوعquot; من أجل الحؤول دون فتنة إذا تطور التصعيد الكلامي أكثر، لا سيما أن المعنيين به مراجع روحية كبيرة.

في التفاصيل غير المروية في الصحافة ووسائل الإعلام اللبنانية أن الكاتب والصحافي في جريدة quot;الأخبارquot; نقولا ناصيف احتاج في بحث يكتبه حول مواقف البطريرك الماروني نصرالله صفير إلى الرجوع إلى حديث أدلى به البطريرك إلى مجلة quot;المسيرةquot; في شباط/ فبرايرالماضي، فطلب نسخة من العدد من صديقه الكاتب والإعلامي عماد موسى الذي يعدّ ، مع الزميل نجم الهاشم، برنامج quot;نهاركن سعيدquot; السياسي الصباحي عبر محطة quot;المؤسسة اللبنانية للإرسالquot;، وهو من أسرة تحرير quot;المسيرةquot; أيضاً. يروي عماد موسى لـ quot;إيلافquot; أنه طلب من السكرتيرة في quot;المسيرةquot; أن ترسل إليه في المحطة نسخة عدد المجلة التي طلبها نقولا ناصيف. ولكن يبدو أنها فهمت بسبب سوء الإتصالات الهاتفية في لبنان هذه الأيام أنه يريد نسخة من الحديث، فصوّرته وأرسلته إليه بالفاكس الموضوعة آلته في غرفة تحرير الأخبار في الـ quot;أل بي سيquot; .
هذا كان الخطأ الأول، ارتكبته السكرتيرة في المجلة .

الخطأ الثاني أن الحديث الذي أرسلت نسخة منه بالفاكس إلى المحطة التلفزيونية لم يكن الذي طلبه نقولا وبالتالي موسى، ولا يعود إلى شهر شباط/ فبراير، بل هو حديث آخر يعود إلى آخر شهر أيار / مايو ، إلى أيام قبل الإنتخابات النيابية التي جرت في 7 حزيران/ يونيو. ويوافق فيه رداً على سؤال على أن الغالبية إلى أي جهة كانت ، يجب أن تحكم. فلا يجوز أن يجر العربة حصانان وكل منهما في اتجاه.

أما الحديث الذي طلبه الصحافي ناصيف ولم يحصل عليه فيقول فيه البطريرك الماروني إن انتقال الغالبية بنتيجة الإنتخابات النيابية من جهة ( قوى 14 آذار/ مارس) إلى جهة أخرى ( قوى 8 آذار) سيشكل خطراً على لبنان.

الخطأ الثالث وقع في غرفة تحرير أخبار التلفزيون. في غياب موسى الموجه إليه الفاكس لم يتنبه الفريق الضئيل العدد الذي كان يعد موجز أخبار الظهيرة في الـ quot;أل بي سيquot; إلى تاريخ الحديث على الأوراق الأرشيفية ولا إلى من هي موجهة ، ربما لرداءة الطبع والحبر عليها، فاعتقد أن المجلة أجرت حديثا مع البطريرك وتوزعه على وسائل الإعلام كما درجت العادة قبل صدور العدد. تعامل الفريق مع الخبر على أنه جديد ومهم، فصاغه خبراً رئيساً في الموجز. وعلى الأثر بثت مواقف صفير في الشريط الإخباري أسفل الشاشة.

الخطأ الرابع تلقف أحد المواقع الإلكترونية المحلية ، والشهيرة بعدم دقتها في نقل الأحداث والوقائع، حديث البطريرك المسحوب من الأرشيف ونشره في شكل عاجل. الخطأ الخامس ارتكبته محطة quot;أم تي في quot; المؤيدة لقوى 14 آذار، بنقلها كلام البطريرك كما ورد في موجز أخبار الـ quot;أل بي سيquot; للظهيرة. وتبعتها محطات تلفزيونية أخرى .

كانت رئيسة تحرير quot;المسيرةquot; فيفيان صليبا داغر قد اتصلت بمدير الأخبار والبرامج السياسية في quot;اللبنانية للإرسالquot; جورج غانم وأوضحت له الأمر وأن حديث البطريرك يعود إلى مرحلة ما قبل الإنتخابات، فبادر إلى التصحيح والإعتذار من مشاهدي المحطة في نشرتي بعد الظهر والمساء. لكن وسائل الإعلام الأخرى فاتها التصحيح والإعتذار. الخطأ السادس وقعت فيه جريدة quot;السفيرquot; ، فصدرت صباح اليوم التالي الأربعاء بخبر رئيس ( مانشيت) يتضمن حديث البطريرك الأرشيفي على أنه موقف تصعيدي حيال قوى 8 آذار.

عند هذا الحد لم يتمالك المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله أن يطلق جملة انتقادات شديدة في أحد خطبه ودروسه ضد البطريرك الماروني . إذ اعتقد أن كلام صفير quot;الجديدquot; بعد أيام قليلة من حديث أدلى به إلى موقع quot;إيلافquot; ودعا فيه إلى تأليف حكومة من الغالبية يندرج في إطار حملة تصاعدية ينبغي التصدي لها. فسأل السيد فضل الله: quot;من قال إن مجد لبنان أعطي له؟ quot; مضيفاً أن quot;المجد للمقاومة التي حررت لبنانquot;. ومعروف أن عبارة quot;مجد لبنان أعطي لهquot; المستلة من كتاب العهد القديم هي شعار للبطريركية المارونية منذ مئات الأعوام.

لم يصدر أي رد عن البطريرك صفير المقيم صيفاً في مقره الصيفي في الديمان شمال لبنان، لكن كلام المرجع السيد فضل الله أثار ردودا وتعليقات غاضبة وفتح quot;وكر دبابيرquot; من المواقف والمقالات والتصريحات ماحمل quot;حزب اللهquot; من جهة عن النأي بنفسه أولاً عن الموضوع، وذلك في ظل صمت حليفه النائب الجنرال ميشال عون وأنصاره الذين تبين لهم أن التعرض للبطريرك الماروني الذي مارسوه مراراً يلحق بهم ضررا شعبياً فادحاً، فكيف إذا صدر عن مرجعية شيعية في بلد ملتهب طائفياً ومذهبياً؟ لكن quot;حزب اللهquot; اضطر في مرحلة لاحقة إلى إصدار بيان يذكر بأن السيد فضل الله يمثل هو أيضاً مقاماً روحيا،ً وبالتالي يجب عدم التعرض له بتعابير وعبارات غير لائقة. يتبين من كل ما سبق أنها quot;زوبعة في فنجانquot; ومعركة في غير محلها . إلا أنها كشفت كثيراً من الحقائق والأوضاع المؤسفة في صالات تحرير أخبار وسائل إعلام لبنانية متعددة النوع والإنتماء، فضلاً عما في quot;القلوب الملآنةquot; هنا وهنالك.