حقن علماء جامعة هارفرد شبكة كهربائية في أدمغة الفئران، لتكون قطبًا كهربائيًا في الأنسجة العصبية يعين في معالجة العديد من الأمراض الخطيرة.


يمكن للطب أن يزرع أقطابًا كهربائية، تعمل كناظم عمل في الدماغ، من خلال عملية مصغرة، أو أن يزرع قطبًا على سطح المثانة للتحكم بعملها عن بعد بواسطة عملية مماثلة، لكن علماء جامعة هارفرد يعدون بشبكة منمنة يمكن زرقها بابرة دقيقة في أي مكان من الجسم، دون الحاجة إلى أي عملية ثقب أو فتح في الدماغ.

بالغة الصغر
كتب العلماء في مجلة "نيتشر نانوتكنولوجي" أن الشبكة الإلكترونية المنمنمة عبارة عن أنظمة استشعار بالغة الصغر تزرع بواسطة الحقنة في الدماغ مثلًا، وتعمل هذه "المجسات" على قياس واستلام مختلف الاشارات التي يطلقها الدماغ، كما يمكن التحكم بها من الخارج لتنشيط أو تنظيم عمل أي عضو أو نسيج في جسم الإنسان.
فضلًا عن مساحة القطب الشبكي الإلكتروني المصغر، الذي لم يسبق للطب أن بلغه، لا تتسبب الشبكة بأي تلف أو تغيير في الأنسجة الحية، كما أنها ثابتة ولم تثر أي نشاط مناعي جسدي قد يعبر عن رفض الجسم للشبكة. ونشر العلماء صورة للشبكة الإلكترونية المنمنة وهي مفتوحة داخل دماغ فأر، وتم زرقها بواسطة حقنة اعتيادية من النوع الذي يستخدم يوميًا في العيادات والمستشفيات.

بالغة المرونة
كتب جيا ليو وزملاؤه، من جامعة هارفرد، أن الطب عرف إنتاج البلاستر العالي المرونة الذي يمكن أن يلصق على الجلد ليقوم بقياس درجة الحرارة وقياس معدل الغلوكوز في الدم وغيرها ونقلها إلى الكومبيوتر، كما عرف في 2015 المجسات الممغنطة التي تلصق على الجسم وتعمل كعضو إضافي.

بقيت كل هذه الابتكارات محصورة في الطب خارج جسم الإنسان، بينما نجد الشبكة الإلكترونية، التي ابتكرها جيا ليو وزميله تشارلس ليبر، مخصصة للعمل الطبي العلاجي والتشخيصي داخل جسم الإنسان وداخل أعضائه الحيوية، وفي أي نسيج من أنسجة الجسم. وهي شبكة منمنمة عالية المرونة صنعت من بوليمر معدني عضوي انتجها العلماء على شريحة عضوية غاية في الرقة، ويجري عند الحاجة، تذويب الشريحة بواسطة مواد الطبيعية ومص الشبكة الإلكترونية المنمنة بواسطة الحقنة.

وكتب تشارلس ليبر، الذي ترأس فريق العمل على الفئران المخبرية، أن هذه الشبكة الإلكترونية أكثر مرونة مليون مرة من أية شريحة إلكترونية مماثلة يستخدمها العالم اليوم، بالإضافة إلى أنها أصغر آلاف المرات من أي قطب كهربائي مماثل. وتصنع هذه الأنظمة الاستشعارية المنمنة بشكل شبكة، لكنها تتخذ شكلًا اسطوانيًا رقيقًا عند مصها بواسطة الحقنة، ثم تعود وتنتشر بشكل شبكة منمنمة لاتزيد مساحتها عن 2 ملم في الدماغ عند زرقها.
&
بالغ التجانس
وصف ليبر الأقطاب التقليدية التي تزرع حتى الآن بالدماغ بالكبيرة والمضرة، لأنها مصنوعة من مادة قليلة المرونة، في حين أن مرونة الشبكة الألكتروينة ترتفع إلى مرونة النسيج العصبي الدماغي نفسه. تضمن هذه المرونة أفضل تجانس للشبكة المنمنمة مع الدماغ ولاتتسبب بأية أضرار كالتي تسببها الأقطاب التقليدية مثل الالتهابات والأضرار "الميكانيكية".
وعكس ظاهرة الرفض التي قد تظهرها أنسجة الدماغ للأقطاب التقليدية، بنت خلايا الدماغ أنسجتها حول الشبكة المنمنة وتقبلتها تمامًا كما لو أنها من أنسجة الجسم نفسه.
في المختبر، زرق الأطباء الشبكة بواسطة حقنة إلى داخل أدمغة فئران جرى تخديرها مسبقًا. وبعد أن شاهدوا في المجهر انتشار الشبكة في المكان المطلوب، وتقبل خلايا الدماغ لها، ربطوا الشبكة المنمنة مع الخارج بواسطة أجهزة تولت قياس وقراءة الايعازات التي يصدرها الدماغ ونقلها إلى شاشة الكمبيوتر، كما تمكنوا من ارسال الايعازات الخارجية من هذه الأجهزة إلى الشبكة بغية التحكم في عملها.
&
استخدامات متعددة
حقق ابتكار الشبكة المنمنة فتحًا جديدة في مجال العلاقة بين الأنسجة الحيوية والأنسجة التقنية الإلكترونية المنمنمة، بحسب رأي تشارلس ليبر. إذ أن الشبكة لا تؤهل الأطباء مستقبلًا لقراءة وقياس تيارات الدماغ الكهربائية فحسب، وإنما التأثير فيها أيضًا، كما تتيح تنشيط وتحفيز منطقة معينة من الدماغ دون غيرها، وهذا انجاز طبي وجراحي مهم. هذا يفتح أفاق استخدام الشبكة الإلكتروينة المنمنة في معالجة مرض باركنسون ومعالجة حالات الاكتئاب الشديدة، بديلًا عن الاقطاب الكهربائية. ومعروف ان علاج هذه الحالات يحتاج الطبيب إلى تحفيز مناطق عميقة من الدماغ قد لاتبلغها الأدوات التقليدية.

والمهم أيضًا أن إنتاج الشبكة الإلكترونية المنمنمة بسيط وغير مكلف، كما كتب العلماء في مجلة"نيتشرنانوتكنولوجي". وقال ليبر إن صناعة الشبكة لاتحتاج إلى خطوط إنتاج خاصة في الشركات المنتجة للتقنيات الطبية، ويمكن استخدام خطوط إنتاج شرائح الأجهزة الإلكترونية للحواسيب والسمارتفون، في إنتاجها. وتقدمت جامعة هارفرد سلفًا بطلب تسجيل براءة الاختراع، وتبحث حاليًا عن ممولين يضمنون إنتاج شرائح الشبكة المنمنمة بكميات تسويقية.
&
جهاز للرئة
بالتعاون بين جامعة زيورخ التقنية ومعهد ماكس بلانك الألماني، تم إنتاج أصغر نظام استشعار يقيس نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الجو وفي الرئة. وتمت صناعة نظام الاستشعار المذكور من مادة بوليمرية منمنمة موصلة للكهرباء تغير قدرتها على ايصال الكهرباء مع تغير نسبة ثاني أوكسيد الكربون في المحيط المطلوب، إذ تتفاعل الكريات المجهرية في المادة النانوية مع جزيئة ثاني أوكسيد الكربون، وتقل قدرتها على ايصال الكهرباء كلما زادت جزيئات الغاز المتحدة معها.

وذكر الباحث كريستوف فيلا، من جامعة زيورخ، أن أنظمة قياس نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الرئة كبيرة وغير دقيقة قياسًا بجهاز الاستشعار الجديد. وإذ تعمل الانظمة التقليدية على قياس نسبة ثاني أوكسيد الكربون من خلال أقنعة الغاز الخارجية، وبواسطة الأشعة فوق الحمراء، يمكن زرع النظام الجديد في الرئة لدى مرضى الرئة المزمنين، كما يمكن استقبال المعطيات التي يسجلها إلى الشبكة الالكترونية وتظهر على شاشة الكومبيوتر، أو مع السمارتفون، كي يتمكن الطبيب المعالج من متابعة وضع تنفس المريض عن بعد.

ويمكن للجهاز، عبر الهاتف الذكي، أن يحذر المريض من دخول قاعة السينما، أو ولوج قبو ترتفع فيه نسبة غاز ثاني أوكسيد الكربون بشكل يعرضه للخطر. ويتيح نظام القياس المنمنم للعلماء قراءة نسبة غاز ثاني أوكسيد الكربون في الجو بين نسبة 0,04 و0,25%.