لا يخفى ان الهواء الملوث بدخان السجائر والسيارات وحرق الوقود وزيت التدفئة يضر بالصحة. وظهرت الآن أدلة قوية على ان الهواء الملوث يمكن ان يضر حتى بالجنين الذي ينمو في رحم أمه. 
وكانت دراسات سابقة تناولت العلاقة بين تعرض الأم الحامل الى مستويات عالية من الهيدروكاربونات العطرية متعددة الحلقات التي تُعد من أكبر ملوثات الهواء ، وسلوك الأطفال وحالتهم العاطفية من سنة 3 سنوات الى 11 سنة.

وأظهرت النتائج ان تعرض الأم الحامل الى مستويات عالية من هذه المادة الملوثة للهواء يرتبط بمعدلات عالية من القلق والكآبة واضطرابات التركيز. وركز الباحثون في الدراسة الجديدة التي تابعت المجموعة نفسها من الأطفال حتى سن 11 سنة على إيجاد تفسير للعلاقة بين الهيدروكاربوات العطرية متعددة الحلقات والمشاكل السلوكية التي تحدث لاحقا. 

ومن عينة الأطفال البالغ عددهم 462 طفلا تابعهم الباحثون كان الأطفال الذين تعرضت امهاتهم الى مستويات عالية من الهيدركاربونات العطرية متعددة الحلقات اثناء الحمل بهم غير قادرين على تنظيم سلوكهم ومشاعرهم في سن التاسعة والحادية عشرة بالمقارنة مع الأطفال الذين تعرضت امهاتهم الى مستويات أدنى من هذا الملوّث.

في حالات النمو الاعتيادية يكتسب الطفل تدريجيا القدرة على السيطرة على عواطفه وسلوكه حيث يتعلم ، على سبيل المثال ، كيف يؤخر شعوره بالقناعة ويدير عواطفه ولا يتصرف باندفاع. ولكن الدراسة اظهرت ان
الأطفال الذين تعرضت امهاتهم خلال الحمل الى مستويات عالية من الهيدروكاربوات العطرية متعددة الحلقات لم يمروا بهذا المسار من النمو العاطفي والاجتماعي ، وان هذا قد يؤدي الى سلوكيات خطيرة في مرحلة المراهقة ، بما في ذلك تعاطي المخدرات والعدوانية. كما ان شذوذ التنظيم الذاتي للعواطف يمكن ان يمهد الى مشاكل في التركيز والتخالط الاجتماعي. 

ونقلت مجة تايم عن فريدريكا بيريرا التي شاركت في الدراسة من جامعة كولومبيا الاميركية قولها "ان هناك علاقة قوية بين التعرض للهيدروكاربونات العطرية متعددة الحلقات ونقص الكفاءة الاجتماعية" لدى الطفل. 

وتعتقد بيريرا وزملاؤها الباحثون بأن هذا الملوّث للهواء يقلل المادة البيضاء في الدماغ التي تشكل مقياسا لسعة الشبكة العصبية فيه ، وان التعرض له يتصل بإضعاف الروابط في مناطق الدماغ المسؤولة عن السلوك والعاطفة. 

ولكن بالامكان التخفيف من آثار التعرض لهذا المركب الملوث بتحسين نوعية الهواء ، كما حدث بالاجراءات التي اتخذتها مدينة نيويورك حيث أُجريت الدراسة على امهات وأطفالهن. وتقول بيريرا ان الوقاية من آثار الهيدروكاربونات العطرية متعدد الحلقات بوصفها من الملوثات الرئيسية للهواء ممكنة حتى من دون اجراءات على مستوى السياسة الصحية. إذ يمكن التقليل من تلوث الهواء في البيوت بالحد من التعرض الى دخان السجائر وتفادي المواقد التي تستخدم الخشب في الأماكن المغلقة والتهوية الجيدة لمناطق الطهي للتقليل من الدخان الناجم عن احتراق الأغذية أو تفحمها.