لندن: يكاد لا يمر يوم من دون نبأ على جهود الباحثين والأطباء لفهم أسباب السرطان وإيجاد علاج له. لكن كل نبأ عن بحوث السرطان يجب أن يُرفق بتحذير صحي يدعو إلى الإيمان بالأمل وعدم المبالغة. فالعناوين الناجحة سريعة وجذابة في حين أن العلم الجاد يتخذ خطوات ثابتة بشأن قضية معقدة، على مدى زمني طويل.
إذا كان هناك بحث للتوصل إلى علاج جديد للسرطان، فإنه يبعد أميالًا بالتعبير الاستعاري، وسنوات في الواقع، قبل أن يصل إلى أجساد المرضى الذين يعانون هذا المرض. وكما لاحظت المدونة كاي كيرتن المصابة بمرحلة متقدمة من سرطان الدم، فإن "وسائل الإعلام تميل إلى التقاط عبارة من تقرير ما والتشديد عليها، لكنها لا تلفت الانتباه أو تسلط الضوء على أن الفائدة المكتَشفة محتملة، أو حقيقة أن كثيرًا من هذه البحوث يثبت نجاحه في صحن مختبري أو على فأر تجارب، ولا يثبت فاعليته في البشر".
من أفضل طرائق التعامل مع السرطان قاعدة "فرق تسد"، بناءً على أكبر ما يمكن امتلاكه من معرفة عن عمل الأورام المنفردة.
يوضح الدكتور جاستين ألفورد، من مؤسسة بحوث السرطان البريطانية: "مع استمرار العلم في كشف المزيد عن السرطان نبدأ بالتفكير فيه بطريقة مختلفة، لأننا نعرف أن ورمين يصيبان جزءًا واحدًا من الجسم لا يتصرفان بطريقة واحدة بالضرورة، فبعضها اورام أشد عدوانية وبعضها مقاوم لعلاج ما لكن يستجيب لعلاج آخر. وساعد فهمنا هذه السمات الفريدة في أورام مختلفة على إنتاج واحد من أهم حقول البحث في كل انواع السرطان: الطب المشخصن".
علاج مبكر... ولكن!
تنقل صحيفة غارديان عن الدكتور روبرت اوكونر، رئيس قسم البحوث في جمعية السرطان الايرلندية، قوله إن سرطان البروستاتة "شهد في السنوات الأخيرة أكبر تطور من حيث اكتشاف عناصر جديدة". وإحدى الخطوات الكبرى إلى الأمام كانت استخدام الإشعاع للحد من تأثير سرطان البروستاتة الذي ينتشر في العظام.
التطور الآخر هو تحسن التشخيص، بما في ذلك فحص الدم الذي يعني تشخيص المرض في أغلبية الرجال حين يكون علاجه ما زال ممكنًا. لكنّ الباحثين لم يتفقوا حتى الآن على الوقت الأمثل للعلاج، على الرغم من أن باحثين في جامعة برمنغهام البريطانية وجدوا هذا الصيف أن إعطاء العقاقير في وقت أبكر أنقذ عددًا اكبر من المصابين.
تعيش الآن 80 في المئة من المصابات بسرطات الثدي، ولكن البحث لن يتوقف إلى أن تعيش 100 في المئة من المصابات وتكون رحلة من يعيشن بعد الاصابة أسهل. ويحاول الباحثون معرفة المزيد عن طريقة لمنع سرطانات الثدي، وكيف يصبح بعضها مضادًا للعلاج وكيف تُمنع من الانتشار.
لكن سرطان الرئة يبقى قاتلًا. وغالبًا ما لا تظهر الأعراض إلا بعد أن يكون المرض قد انتشر في الرئة أو مناطق أخرى من الجسم. والأسوأ من ذلك انه ينمو بسرعة، ويكون أحيانًا مقاومًا بطبيعته للعلاج الكيميائي. ومن السرطانات الأخرى التي لا تطلق انذارًا مبكرًا: سرطان البنكرياس. تبين الدراسات أن سرطان البنكرياس هو الوحيد الذي لم يسجل تحسنًا في معدل الذين يعيشون بعد الاصابة به خلال السنوات الأربعين الماضية، وسرطان المرئ الآخذ في الانتشار لأسباب منها البدانة وتعاطي الكحول. ومن الصعب ايجاد عقاقير لسرطان البنكرياس واورام الدماغ الخبيثة.
طبيعة معقدة وماكرة
يبحث العلماء عن علاجات أخف وطأة وأشد فاعلية لهذه السرطانات، وكذلك عن طرائق لتشخيصها في وقت أبكر. وهناك طرائق مبتكرة واعدة لإيصال الدواء إلى أورام الدماغ. وتتوصل البحوث في سرطان الرئة إلى فهم أفضل لطريقة عمله وايجاد علاج أفضل من العلاج الحالي.
في هذه الأثناء، شهد البحث في سرطان البنكرياس وسرطان المرئ اختراقات هذا العام باكتشاف أنواع ثانوية منهما، الأمر الذي يعني إمكانية العلاج بالطب المشخصن في المستقبل.
يبقى التحدي الأكبر هو الطبيعة المعقدة والماكرة لمرض السرطان، لكن لا مفر من حقيقة أن التمويل المحدود ليس موزعًا على نحو متكافئ بين الأنواع المختلفة من السرطان. فأغلبية المانحين تتبرع لبحوث سرطان الثدي وليس لسرطان الرئة نظرًا لعدد الإصابات الأكبر بسرطان الثدي، من بين أسباب أخرى.
وأشارت الدكتورة نعومي اليستر المختصة بالسرطان إلى أن جمعية مكافحة سرطان الثدي في بريطانيا نشرت شريط فيديو على موقع تويتر قالت فيه إن كل 25 جنيهًا استرلينيًا من التبرعات يدعم ساعة من البحث. ويتعذر تخمين عدد الساعات المطلوبة قبل أن نتمكن من العيش بلا سرطان. لكن الشيء الوحيد المؤكد هو أن الباحثين لن يستسلموا.
أعدّت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "غارديان". الأصل منشور على الرابط التالي:
التعليقات