لقي تصديق المحكمة العليا الإقليمية في لاهور حكم إعدام آسيا بيبي، المتهمة بالتجديف، صدى منددًا لدى المنظمات الحقوقية، لأن الحكم مستند إلى نية إنتقامية ليس إلا.
بيروت: أيدت المحكمة العليا الإقليمية في لاهور بشرق باكستان، الخميس، حكمًا بإعدام المسيحية آسيا بيبي، بعدما أدينت بالتجديف والإساءة للدين الاسلامي، بحسب ما قال محاميها. وكانت بيبي، وهي الأم لخمسة أبناء، اعتقلت في العام 2009 بناء على مزاعم بالتجديف أثناء مناقشة مع عاملتين مسلمتين. وحكمت عليها محكمة ابتدائية في نانكانا صهيب، الواقعة في إقليم البنجاب، وهو أكبر أقاليم البلاد، بالإعدام قبل 4 سنوات.
التماس جديد
استأنفت بيبي الحكم أمام محكمة لاهور العليا، فأيدت لجنة قضاة مؤلفة من عضوين العقوبة القصوى. وقال نعيم شاكر شودري، محامي بيبي: "نشعر بخيبة أمل من هذا القرار، لكننا سنرفع التماساً لمراجعة الحكم لدى المحكمة العليا الباكستانية ضد قرار محكمة لاهور".
وتعتبر مزاعم التجديف مسألة حساسة للغاية في باكستان ذات الأغلبية المسلمة، بعد سن قوانين التجديف في عهد الحاكم العسكري السابق ضياء الحق، في ثمانينيات القرن الماضي. وقال شودري: "ناقض المدعون شهاداتهم مرارًا منذ ادعائهم على بيبي، وكنت أتوقع من المحكمة العليا في لاهور حكمًا مخالفًا، لكننا سنستمر في النقض، وسنرفعه إلى المحكمة العليا الباكستانية".
غوغائية مستشرية
إلا أن غلام مصطفى، محامي المدعين على بيبي بتهمة التجديف، فأبدى سروره للحكم الذي أصدرته محكمة لاهور العليا، مؤكدًا أنه صحيح لا لبس فيه. وقال: "شودري سعى جاهدًا لرد الدعوى إلى عداوة شخصية بين المدعين والمدعى عليها، لكنه فشل في إثبات ذلك".
من جانبها، قالت منظمات حقوقية إن المتطرفين الاسلاميين في باكستان يسيئون استخدام قانون التجديف الباكستاني، ويسخرونه لتسوية حسابات خاصة. فهذا القانون لا يعرف مفهوم التجديف بدقة، ويمكن إخفاء العديد من ادلة النقض، خوفًا من ردود فعل متطرفة عنيفة. كما أن لا عقوبات تردع شهادات الزور في مثل هذه القضايا.
وبحسب هذه المنظمات الحقوقية، بعض المتهمين يتعرضون للقتل فورًا، ومن دون محاكمة عادلة. وإن تم توقيفهم، تستغرق محاكماتهم سنوات، بسبب تسويف القضاء والشرطة، كما هي الحال في قضية بيبي. فرجال الشرطة والقضاة يمتنعون عن إطلاق سراح من يظنونه بريئًا في مثل هذه الحالات، كي لا&يتعرضوا لأي رد فعل غاضب من قبل الجموع المجيشة إسلاميًا.
وتعليقًا على هذا القرار، قالت كايت ألن، مديرة القسم البريطاني وفي منظمة العفو الدولية: "إنها بكل وضوح قضية ظلم ديني، ولا يمكن القبول بهذا، خصوصًا أن القوانين الباكستانية التي تنص على محاكمة التجديف تستخدم لمآرب شخصية، وللانتقام من غير المسلمين، والمسيء في الأمر انصياع القضاء لمثل هذا الانتقام".
الكوب القاتل
وكانت بيبي نشرت كتيبًا في العام الماضي، روت فيه ما حصل لها، وكيف انتهى بها الحال في السجن، على وشك الموت شنقًا. كتبت: "أنا آسيا بيبي، محكومة بالاعدام لأنني كنت عطشى، ومسجونة اليوم لأنني شربت من كوب تستخدمه النساء المسلمات، اللواتي يعتبرن الماء الذي تشرب منه أي مسيحية نجسًا".
وفي هذا الكتاب، تروي بيبي كيف تعبت من أن تكون مواطنة من الدرجة الثانية في عيون مواطنيها الباكستانيين، فقط لأنها مسيحية وهم مسلمون، ومن الدعوات المستمرة التي توجّه إليها كي تعتنق الاسلام، وكيف قررت يومًا أن تقف بوجه الجموع لتدافع عن دينها المسيحي. لكن النساء في مكان عملها هاجمنها، فاضطرت إلى الهرب والتواري خمسة ايام.
وحين عادت، تعرضت للهجوم ثانية، لكن في هذه المرة كال الناس لها الشتائم، واتهموها بالاساءة للنبي محمد. وتعرضت للضرب، وجرها الرجال لتمثل أمام شيخ أبلغها بأن سبيلها الوحيد إلى النجاة هو اعتناقها الاسلام، وإلا تموت.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2010، حكمت محكمة شرعية على بيبي بالاعدام، لتكون أول امرأة في تاريخ الباكستان تحكم بالاعدام بتهمة التجديف.
مصيره القتل
وكانت قضية بيبي تجاوزت الاطار العادي لأي حادثة مماثلة، حين تعرض سياسيان بكستانيان للاغتيال، بعدما حاولا مساعدتها في محنتها، أحدهما قتل برصاص أحد مرافقيه.
ففي 4 كانون الثاني (يناير) 2011، قتل سلمان تيسير، حاكم البنجاب، برصاص أحد مرافقيه، بعدما وجه انتقادات قاسية لقانون التجديف الباكستاني. وكذلك تعرض للمصير نفسه وزير الاقليات الباكستاني شهباز بهاتي، إذ قتله عناصر من طالبان في 2 آذار (مارس) 2011.
وحين ظهر قاتل تيسير في المحكمة، رشقه المحامون بالورود. كما اضطر القاضي الذي جرّمه إلى مغادرة البلاد، خوفًا على حياته من الموت.
التعليقات