اللواء فؤاد حسين، واحد من العسكريين المصريين المحنكين، شارك في جميع الحروب المصرية، بدءًا من حرب اليمن، ثم الإستنزاف، ثم حرب أكتوبر. وشغل منصب رئيس إدارة مقاومة التجسس والإرهاب الدولي في المخابرات الحربية المصرية. وساهم في إنشاء منظمة سيناء العربية، كأول منظمة تضم المتطوعين للقتال ضد إسرائيل بعد حرب 1967، ويعرف سيناء جيدًا، أرضًا وبشرًا، ومن هذا المنطلق تأتي أهمية المقابلة التي أجرتها "إيلاف" معه، وتنشرها في جزأين.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: كشف حسين، الذي يعرف في مصر باسم "صائد الجواسيس"، في الحلقة الأولى من مقابلته مع "إيلاف"، أن عبد العزيز الجمل، الضابط السابق في الجيش المصري، والذي شغل منصب المستشار العسكري لمؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، هو من يدير العمليات الإرهابية ضد الجيش والشرطة في سيناء.

أضاف أن الجمل، الضابط السابق في سلاح المشاة، هو من تولى التخطيط لعملية قتل 29 عسكريًا مصريًا في نقطة عسكرية في منطقة كرم القواديس في الشيخ زويد في شمال سيناء، مشيرًا إلى أن العملية نفذتها عناصر من حماس مع "عيال مصريين"، على حد قوله.

ودعا حسين الجيش المصري إلى إغتيال قادة كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، جزاء لهم على قيادة ورعاية الإرهاب في سيناء، على حد قوله. وشكك في ما يقال عنها مقاومة فلسطينية من قطاع غزة، معتبرًا أن كل الحروب تتم بالتنسيق بين حماس وإسرائيل، ووصف ما يحدث& بأنه "لعب أميركاني إسرائيلي فلسطيني قذر".
وإلى نص الحوار:

• كيف ترى الأوضاع في سيناء حاليًا، لاسيما بعد توحش الجماعات المسلحة فيها، وتنفيذها العديد من العمليات الإرهابية الكبرى ضد الجيش؟
سيناء "باظت" بعدما الإخوان مسكوا البلد، لاسيما أن الجماعة لديها تعاون مع حماس، التي تسيطر على الأنفاق، ويأتي منها السلاح والسيارات إلى مصر، وصارت "الحتة دي" مفتوحة على غزة، فضلًا عن أن المجرمين والبلطجية الهاربين من وزارة الداخلية، خاصة من الصعيد، فرّوا إلى سيناء، فهي تضم جبالًا مفتوحة، وكانت مؤمّنة من الإخوان، ولا توجد فيها قوات للجيش أو الشرطة كافية، فتحوّلت إلى مرتع للإرهابيين، وكان رئيس الجمهورية السابق محمد مرسي يحميهم.
أخطر العناصر الإرهابية في العالم كانوا يعيشون في سيناء تحت حماية مرسي. فمثلًا، قبض على محمد الظواهري، شقيق أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، بالصدفة في مدينة العريش، ولم يتم توقيفه سوى نصف ساعة في قسم شرطة العريش، وصدرت تعليمات رئاسية إلى مدير الأمن بالإفراج عنه، رغم أنه مطلوب القبض عليه، لأنه من العناصر الإرهابية الخطرة.

وعندما وقعت حادثة الجنود في شهر رمضان في عهد مرسي (في 5 أغسطس/ آب 2012، 17 رمضان 1433 هجرية، وراح ضحيتها 17 جنديًا أثناء تناولهم الإفطار)، أطلق الجيش عملية عسكرية واسعة النطاق، سمّاها "نسر 1"، وتضمنت إدخال مدرعات ودبابات إلى منطقة رفح والشيخ زويد، رغم أنها منطقة محظورة على الأسلحة الثقيلة، حسب إتفاقية السلام مع إسرائيل، ولكن عندما وصلت القوات إلى العريش، تلقت تعليمات بضرورة العودة إلى ثكناتها مرة أخرى. واتصل بي أهالي العريش، وكانوا فرحين لأن الجيش سوف يتدخل لإيقاف الإرهاب، لكنهم اتصلوا بي مرة أخرى، وأعلنوا غضبهم من انسحاب الجيش، لكن الانسحاب جاء بتعليمات من رئاسة الجمهورية آنذاك.

• ما الهدف من وراء سحب الرئيس السابق محمد مرسي للقوات المسلحة من سيناء في ذلك الوقت؟
أعلنت رئاسة الجمهورية وقتها أن الهدف إفساح الطريق للمفاوضات مع الإرهابيين، وقالت إنها أرسلت وفدًا "جهاديًا" مكونًا من ثلاثة أشخاص، برئاسة عبد العزيز الجمل، وهو ضابط سابق في القوات المسلحة، وعندما علمت بالخبر، شعرت بالهلع، لاسيما أنني كنت أعلم أنه خارج البلاد. وأنا أعرفه جيدًا، لأني ألقيت القبض عليه في العام 1981.

• وكيف تحول الضابط عبد العزيز الجمل إلى شخصية جهادية؟ وما قصته؟
في العام 1981، تلقت المخابرات الحربية معلومات بوجود تنظيم داخل الجيش يهدف إلى قلب نظام الحكم، ويتكون من 12 ضابطًا برئاسة ضابط برتبة رائد، يدعى عصام الأميري، وألقينا القبض عليهم جميعًا، باستثناء الأميري، الذي هرب، ثم ألقي القبض عليه لاحقًا، وسجن، وهرب من السجن، ثم قتل. وكان عبد العزيز الجمل الرجل الثاني في التنظيم، وكان برتبة نقيب في سلاح المشاة. وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، والطرد من الخدمة، وهو حكم مخفف، لأن التنظيم لم يكن قام بأية عمليات معادية للدولة.

خرج عبد العزيز الجمل من السجن، بعد قضاء فترة العقوبة، وسافر إلى السعودية، ومنها إلى أفغانستان، وهناك قدم نفسه إلى أسامة بن لادن، وهو يمتلك "سي في" عشرة على عشرة، فهو ضابط مصري، حاصل على فرقة صاعقة، جهادي إسلامي، حاول القيام بانقلاب عسكري في مصر، وسجن، فأعجب به بن لادن جدًا، وعيّنه قائدًا عسكريًا لتدريب الأفغان العرب في بيشاور، الذي أنشأته أميركا هناك. ظل الجمل قائدًا للمعسكر مع مجموعة أخرى من الضباط المصريين المطرودين من الخدمة، حتى انتهت الحرب في أفغانستان، وخرج منها الإتحاد السوفيتي السابق. بعدها اتخذ بن لادن من عبد العزيز الجمل مستشارًا عسكريًا له، إضافة إلى كونه المترجم الخاص له، فقد كان يجيد اللغة الإنجليزية. وظل يشغل هذا المنصب حتى مات بن لادن.

• هل عاد الجمل بعدها إلى القاهرة، أم استمر في أفغانستان يحارب إلى جانب حركة طالبان؟
كنت أتابع أخباره جيدًا، لأن قضيته مهمة جدًا بالنسبة إليّ. وفجأة في العام 2012، نشر خبرًا يفيد بأن رئاسة الجمهورية أرسلت ثلاثة من "الجهاديين" للتفاوض مع الإرهابيين في سيناء، برئاسة عبد العزيز الجمل، وعضوية مجدي سالم، زعيم تنظيم طلائع الفتح، وشريف فزاع قيادي جهادي، إضافة إلى ممدوح إسماعيل محامي الجماعة الإسلامية. اتصلت بالمخابرات الحربية، وسألتهم باندهاش: عبد العزيز الجمل هنا في مصر، طب إزاي؟!، فكان الجواب، إنه حصل على عفو رئاسي من مرسي. سألت مندهشاً من جديد: عبد العزيز الجمل هيتفاوض مع الإرهابيين؟، وأي شخصيات من المخابرات سوف ترافق الوفد إلى سيناء؟. فكان الجواب من المخابرات: هم اشترطوا (أعضاء الوفد) ألا يرافقهم أي شخص من المخابرات أو الجيش أو المباحث في الشرطة، وأن تقلّ ثلاث سيارات تابعة لرئاسة الجمهورية أعضاء الوفد إلى العريش، وسوف يقدمون تقريرًا إلى الرئيس بنتائج مفاوضاتهم. يعني أن إرهابيين يتفاوضون مع إرهابيين؟!.. الموضوع ده كان هيموتني.

• وماذا فعلت؟ وأي رد فعل اتخذته بعد هذا الموقف؟
بمجرد أن تزحزح مرسي، قدمت بلاغًا إلى النائب العام ضد مرسي نفسه بهذا الخصوص.

• ولكن أين اختفى عبد العزيز الجمل، بعد سقوط حكم الإخوان، واعتقال مرسي وقيادات الجماعة؟
اختفى، ومحدش جاب سيرته خالص. لم يغادر مصر، لأن اسمه موضوع على قوائم الترقب والوصول والمنع من السفر، ولو حاول السفر سيتم القبض عليه.

• خرج الكثير من القيادات الإخوانية أو الإرهابية من مصر بعد سقوط مرسي، إما عن طريق ليبيا أو السودان، فلماذا تستبعد هروبه للخارج؟
من الوارد هروبه عن طريق السودان أو ليبيا، ولكن أسهل طريق للهروب هو سيناء، لاسيما أنه كان رئيس فريق التفاوض مع الإرهابيين المستقرين فيها، "حبايبه" في سيناء. فمجرد الوصول إليهم، سوف يدخل في أي نفق، وينتقل إلى غزة، إلا أنني أتوقع أنه مازال في سيناء. وأعتقد أنه يقف وراء العملية الإرهابية، التي قتل فيها 29 عنصرًا من القوات المسلحة في كرم القواديس. فالتخطيط لها خرج من عسكري مدرّب، والأسلحة المستخدمة جديدة، لاسيما قذائف الهاون، وتلك القذائف تطلق من على بعد كيلومتر على الأقل، ولكي يحدث ذلك بدقة، لابد أن تكون الإحداثيات وضعت بدقة وسليمة مائة بالمائة، ومن خلال شخصية عسكرية، وليس أي شخص آخر. وغالبًا من نفذوا العملية عناصر من حماس، ومعهم عيال مصريون، وأنا لا أستبعد أن "دي شورة" (تخطيط) عبد العزيز الجمل. هذا التخطيط والعنف أشرف عليه عسكري تمرس في تنظيم القاعدة. درجة العنف وصلت إلى حد مطاردة الجندي المصاب وقتله، إنه يشبه عنف "داعش". نحن لم نفعل ذلك في الحرب مع اليهود. ده إجرام، مش إسلام خالص.

• الرئيس عبد الفتاح السيسي ذكر أن هؤلاء الجناة تلقوا دعمًا خارجيًا في هذه العملية، هل هو دعم استخباراتي؟
لا يوجد دعم استخباراتي، لكنّ هناك دعماً بالأموال، إضافة إلى الدعم بالسلاح، الذي حصلوا عليه من حماس أو من الخارج، لأن الأسلحة المستخدمة في تلك العملية غير موجودة في سيناء. فضلًا عن أنهم نفذوا العملية، وهربوا إلى غزة.

• جبال سيناء وعرة، فلماذا لا يختبئون فيها، بدلاً من العبور إلى غزة؟
كانوا يختبئون في جبل الحلال سابقًا، لكن الآن طائرات الهيلكوبتر تضرب الجبل خلال خمس دقائق، كما إنهم يعلمون أن قوات الجيش سوف تستنفر بعد هذه العملية الكبيرة. وتعتبر غزة أقرب الأماكن وأكثرها أمنًا بالنسبة إلى "الإرهابيين"، ويمكن العبور إليها من خلال الأنفاق. وأنا أرى أن يتم تهجير الناس من منطقة الحدود لمدة سنة واحدة، كما حدث أثناء حرب الإستنزاف من عمليات تهجير لأهالي السويس والإسماعيلية، ولو استمرت عملية التهجير لمدة سنة واحدة، هنخلص على الإرهابيين، ونغلق الأنفاق كلها، وبعدها يعود الناس إلى بيوتهم مرة أخرى.

• ولماذا لا يتم التنسيق مع حماس للقبض على المشتبه فيهم؟
حماس نفسها متورطة بشكل مباشر في العمليات الإرهابية، وأنا أطالب بأن يتم&التعامل&بحزم مع&قادة كتائب القسام، للقضاء على الإرهاب في سيناء.

• لكن إجراء كهذا يعرّض مصر لانتقادات، لاسيما أنها ستقف في خندق واحد مع إسرائيل ضد المقاومة الفلسطينية؟
لن نضرب غزة بالصواريخ، ولن ندمّرها مثلما تفعل إسرائيل، بل نرسل عناصر من القوات الخاصة إلى غزة، من خلال الأنفاق التي حفروها، ويدخلون إلى بيت فلان، القيادي في كتائب القسام، فيقتلونه أو يقبضون عليه. كما إنه ليس هناك أي شيء اسمه مقاومة، ما لا يعرفه الكثيرون أن هناك تنسيقًا بين إسرائيل وحماس، حتى في الحرب الأخيرة أو غيرها من الحروب. والدليل أن الإرهابيين، الذين استخدموا قذائف الهاون في تدمير كمين كرم القواديس من مسافة لا تقل عن كيلو متر بدقة، لم يطلقوا صاروخاً أو قذيفة هاون واحدة بالدقة نفسها على إسرائيل.
إنها لعبة قذرة تقوم بها إسرائيل وحماس، فالحركة تطلق الصواريخ "الفشنك" في الهواء باتجاه إسرائيل، من دون أن تقع أية خسائر، وترد تل أبيب بـ"دشدشة" (دك) نصف بيوت قطاع غزة بالطائرات والدبابات. ثم يبدأ الحديث عن إعادة إعمار غزة، وتعمل المصانع الإسرائيلية، لاسيما أن جميع مواد البناء والإعمار من إسرائيل. إنها لعبة أميركاني إسرائيلي فلسطيني قذرة وحقيرة. والجميع يلعب بقذارة.

&

&