سألت "إيلاف" قرّاءها عمّا يفعلون إن التقوا بـ "داعشي"، فكانت الغلبة لخيار تركه وشأنه، بينما حلّ خيار الإبلاغ عنه ثانيًا ومجابهته بالحجة ثالثًا.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: منذ شهر حزيران (يونيو) الماضي، حصل تنظيم (داعش) على زخم سياسي وإعلامي لم يحصل عليه أي تنظيم إسلامي من قبل، لا سيما بعد أن اجتاح مناطق واسعة من العراق وسوريا، وأعدم صحافيين ومواطنين أوروبيين وأميركيين نحرًا أمام عدسات الكاميرات.

أشاع داعش الخوف في نفوس الناس عبر أنحاء العالم، بسبب اتخاذه العنف المفرط أسلوبًا في مواجهة من يصفهم بـ"أعداء الإسلام". فأعضاؤه يذبحون الرجال بالسكين ويقتلونهم رميًا بالرصاص، ويبيعون النساء في الأسواق، باسم الإسلام.

ورغم بشاعة جرائم داعش، إلا أن التنظيم يستقطب الآلاف من الشباب من مختلف أنحاء العالم، لاسيما الدول الإسلامية، ما أسفر عن علامات استفهام كبيرة، حول أسباب انضمام الشباب إليه، وما زال هذا السؤال يحتاج إلى إجابة واضحة.

أتركه وشأنه

الدواعش بشر منا يعيشون بيننا. فماذا لو التقيت بأحدهم؟ ماذا ستفعل؟ كيف ستكون المواجهة؟. "إيلاف" طرحت المسألة الآتية على قرائها: "لو تعرفت إلى شخص يتبنى الفكر الداعشي" ثم أدرجت 3 خيارات: أبلغ عنه، أقنعه بخطأ فكره، أتركه وشأنه.

شارك 6980 قارئًا في الإستفتاء، وجاء خيار "أتركه وشأنه" في المركز الأول بأغلبية طفيفة تقدر بـ 3265 قارئًا بنسبة 47%. قد يرجع ذلك إلى حالة الخوف من مواجهة الداعشي حتى لو فكريًا، أو ربما للإعتقاد بأنه غير قابل للنصح أو المحاورة الفكرية. وجاء الإبلاغ عن الداعشي ثانيًا بتأييد 3021 قارئًا، بنسبة 43%. وحل خيار "أقنعه بخطأ فكره" ثالثًا بتأييد 694 قارئاُ، بنسبة 10% من إجمالي المشاركين في الاستفتاء.

التعامل الأمني هو الأنسب

بحسب وجهة نظر الشيخ نبيل نعيم، مؤسس تنظيم الجهاد، كل من يتبنى الفكر المتطرف ويميل إلى استخدام العنف في مواجهة الآخر باسم الإسلام هو داعشي. وأضاف لـ"إيلاف": "الحل الأمثل مع الدواعش لن يكون بمواجهته فكريًا، لأن هؤلاء الأشخاص تعرضوا لعملية غسيل مخ، ولن يجدي أن نتركهم وشأنهم، لأنهم كارهون للمجتمعات وسوف يدمرونها إذا سنحت لهم الفرصة". ولفت إلى أن التعامل الأمني واعتقالهم هو الأنسب، حتى لا ينشروا أفكارهم في المجتمع أو يستقطبوا آخرين إليهم.

وتابع قائلًا: "الدواعش أعداء للإسلام، وداعش صناعة أميركية لتدمير وتفتيت الدول العربية وتشويه الإسلام، ويجب عدم اللين في التعامل معهم، بل يجب مواجهتهم بحزم، لاسيما أنهم يواجهون الأفكار بالسلاح، ويقطعون رؤوس المختلفين معهم فكريًا، وهم بعيدون عن صحيح الدين الإسلامي". ونبه إلى أن إعتناق الإسلام في مختلف دول العالم تراجع منذ ظهور تنظيم داعش وجبهة النصرة، ما يؤكد أن الهدف من وراء ظهورهما هو ضرب الإسلام وتشويهه.

الوجه المتغير

اتهم نعيم جماعة الإخوان بأنها أصل كل ما هو داعشي، مشيرًا إلى أن الجماعة خرج من رحمها كل أصحاب الأفكار المتطرفة، فهي تتبنى العنف والإرهاب ولا تؤمن بالفكر.

ووفقًا لدراسة أعدها معهد كويليام لمكافحة التطرف في بريطانيا، فإن داعش يتمتع بجاذبية كبيرة مقارنة بتنظيم القاعدة. وأوضحت الدراسة التي حملت عنوان "الدولة الإسلامية: الوجه المتغيّر للجهادية الحديثة"، أن داعش استطاع توظيف التكنولوجيا لخدمة أهدافه وتجنيد الشباب.

وأضافت الدراسة التي أعدها ايرين ماري سولتمان وتشارلي وينتر أن التنظيم أصدر برنامجًا للهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية خاصًا به للتواصل بين أعضائه، ويمكن تنزيله من "غوغل ستور"، مشيرة إلى أن الجهات الأمنية تنبهت لهذا التطبيق وحذفته.

التنظيم الجذاب

ولفتت الدراسة إلى أن التنظيم يحظى بدعم واسع عبر الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي من قبل عشرات الآلاف من الناشطين المتطوعين، عبر العالم. ونبهت إلى أن هذا الدعم يسمح بوصول إصدارات التنظيم الإلكترونية إلى أكبر عدد ممكن من متصفحي شبكة الانترنت.

وأشارت الدراسة إلى أن عدد المقاتلين الأجانب في التنظيم يبلغ 16337 شخصًا، بينهم، 3 آلاف تونسي، و2500 سعودي، و1500 مغربي،1500 أردني، و 900 لبناني، 600 ليبي، 360 مصري، بالإضافة إلى المئات من باقي الدول العربية.

وكشفت الدراسة أن المقاتلين من أوروبا يبلغ عددهم 2580 مقاتلًا، من بينهم: 700 فرنسي، 500 بريطاني، 400 ألماني، 300 بلجيكي، و150 هولنديا. وذكرت أن المقاتلين من باقي الجنسيات يبلغ عددهم 2755 مقاتلًا، بينهم: 800 روسي، 400 تركي، 100 أميركي، 100 صيني، و150 كازخستانيًا.

بيننا

خرج "الدواعش" من بيننا، وما زال آخرون يتحينون الفرصة ليجاهروا بمكنون أنفسهم، والدليل تزايد أعداد المقاتلين في صفوف التنظيم من يوم لآخر، وسيطرته على أراض جديدة في العراق وسوريا، رغم توجيه التحالف الدولي ضربات موجعة إليه.

ويعتمد داعش في تجنيد الشباب من مختلف الجنسيات على ما يمكن وصفه بـ"التجنيد الذاتي". وقال الدكتور أحمد علي الدين، أستاذ علم الاجتماع في جامعة القاهرة، لـ"إيلاف" إن الدول العربية والإسلامية تضم عشرات الآلاف ممن يعتنقون الأفكار الداعشية، "فالمتطرفون ينتشرون في كل مكان، لاسيما مع اختلال مبادئ العدالة الإجتماعية وانتشار الفقر في هذه الدول".

ولفت علي الدين إلى أن إعلان داعش إقامة دولة الخلافة دغدغ مشاعر الآلاف من المتشددين الذين شدوا الرحال إلى العراق وسوريا، فضلًا عن وقوع العديد من المذابح على أيد نظام بشار الأسد، بعضها راح فيها أسر كاملة وذبح الأطفال بوحشية.

ولفت إلى أنّ مواجهة الدواعش لا يمكن أن تكون فردية، بل يجب أن تكون مواجهة مجتمعية شاملة، تشترك فيها أجهزة الدول الرسمية ومنظمات المجتمع المدني، بالإضافة إلى علماء الإسلام المؤثرين وأجهزة الإعلام.