ترتفع أعلام الفئات العراقية فتغطي على علم الدولة العراقية الجامع في دليل صريح على مزق الهوية الوطنية.
إعداد عبد الاله مجيد: على حواجز تفتيش في بغداد، تجاهل جنود اوامر رئيس الوزراء حيدر العبادي بإنزال الاعلام الشيعية ورفع العلم العراقي. وفي كركوك، رفع طلاب العلم الكردي في مدارس المدينة.
وفي البصرة جنوب العراق، بادر مواطنون غاضبون من تهميش محافظتهم الغنية بالثروات الطبيعية إلى تصميم علم خاص بها رُسمت عليه قطرة نفط. وهناك الأعلام السود لتنظيم الدولة الاسلامية (داعش) الذي يسيطر على نحو ثلث العراق.
عبث توحيد العراقيين
من حق العراقيين أن يقلقوا إزاء هذه المظاهر التي تهدد فكرة العراق الموحد، بأكبر تحدٍ يواجهها منذ توحيد ولايات الموصل وبغداد والبصرة تحت لواء الدولة العراقية الحديثة في العام 1921.
وفي وقت تعمل حكومة العبادي على توحيد العراقيين وتحشيد طاقاتهم ضد داعش، فإن الامتحان الذي قد يكون أصعب من مواجهة داعش هو اثبات قدرتها على بناء هوية وطنية عراقية تسمو على الانتماءات المذهبية والقومية والهويات الثانوية التي تقسم العراقيين إلى شيعة وسنة وأكراد.
ودعا سياسيون عراقيون إلى إعادة الخدمة العسكرية الالزامية على أساس أن الانضباط العسكري لا يفرق بين سني وشيعي وكردي. واقترح آخرون تشجيع الزيجات المختلطة بحوافز مادية، فيما طرح البعض فكرة حظر الطائفية بقانون. ويرى فريق آخر أن إحياء ماضي العراق يوم كان مهد الحضارة يمكن أن يرسي قاعدة يستطيع العراقيون أن يبنوا وحدتهم الوطنية عليها.
قضية الهوية
قالت المؤرخة الاميركية المختصة بشؤون العراق في معهد الشرق الأوسط فيبي مار: "إن قضية الهوية، بمعنى تكوين هوية، يمكن أن يتفق عليها جميع العراقيين، وهي قضية بالغة الأهمية تتطلب نضالًا من اجل رؤية جديدة للعراق".
ويتعيّن على هذا النضال أن يذلل عقبة كداء تتمثل في تباعد مكونات المجتمع العراقي وتزايد عزلتها عن بعضها البعض. وكان مبعوث الأمم المتحدة في العراق نيكولاي ملادينوف اشاد في نيويورك بالأمر الذي أصدره العبادي إلى القوات المسلحة بمنع الاعلام الشيعية واعلام الميليشيات، قائلًا انها خطوة أولى في مبادرة أوسع لإعادة الثقة بين مكونات العراق.
لكنّ مراقبين استبعدوا أن تختفي الاعلام الشيعية التي تشكل استفزازًا صارخًا لمشاعر السنة على حواجز تفتيش يُفترض أن تكون مهمتها حماية العراقيين كافة.
انتماء مذهبي
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن جندي عراقي على حاجز تفتيش للسياسيين وكبار المسؤولين في المنطقة الخضراء قوله: "ان الجنود عندما تلقوا الأمر بانزال الاعلام الشيعية اختاروا الانتماء المذهبي على طاعة القائد العام للقوات المتحدة". ولم تكن هناك اعلام عراقية على حاجز التفتيش بل اعلام الامام الحسين فقط.
واعترف مستشار الأمن الوطني السابق موفق الربيعي قائلًا: "إن الهويات الثانوية ـ الثقافية والدينية والاثنية ـ هي السائدة ونحن جميعًا انكفأنا إلى زوايانا الصغيرة". وقال لصحيفة نيويورك تايمز: "نحن منذ العقد الماضي نبحث عن هوية جديدة".
كان الاسلام هوية العراقيين في ظل السيطرة العثمانية. وبعد نشوء الدولة العراقية الحديثة بدأت معالم هوية وطنية تتكون قبل أن يأتي نظام البعث الذي قوض الهوية الوطنية العراقية بشعاراته العروبية على حساب المكونات الأخرى ثم صدام حسين الذي في عهده كان القمع وطاعة القائد هما دين الدولة. ويقول موفق الربيعي انه عندما حدث الغزو الاميركي في العام 2033 كان ذلك "وكأن الغطاء رُفع عن مرجل يغلي".
تفكك العراق
زارت المؤرخة فيبي مار العراق للمرة الاولى&في العام 1957 لاجراء بحث في اطار التحضير لرسالة أكاديمية. ودأبت على زيارته ودراسته منذ ذلك الحين، وفي العام 1982 نشرت الطبعة الأولى من عملها المحترم "تاريخ العراق الحديث". وقالت مار التي تعمل على طبعة جديدة من الكتاب أن السؤال عمّا إذا كان العراق سيبقى موحدًا لم يخطر ببالها قط حين كانت تعمل على تأليف كتابها.
وفي حين أن قلة يتوقعون تفكك العراق في وقت قريب فإن كثيرين بدأوا فجأة يتحدثون عن مثل هذه الامكانية التي بعدما كانت موضوع دراسات نظرية في معاهد البحث الغربية اصبحت مادة للنقاش في المقاهي وبيوت العراقيين الاعتياديين وفي صالونات السياسيين ومكاتبهم.
العشيرة أهم
وقال اركان حسين (28 عاماً) وهو سني يعيش قرب مدينة تكريت الواقعة تحت سيطرة داعش: "نحن لا نشعر بأن لدينا دولة تدافع عنا وتحمينا وتحبنا". واضاف حسين أن العراقي "نسي بلده وبدأ يفكر في عشيرته وطائفته".
وعلى الغرار نفسه قالت وفاء محمد، وهي شيعية من جنوب العراق لصحيفة نيويورك تايمز، "في ما يتعلق بالهوية الوطنية لا أحد يبكي على العراق بل كل واحد يبكي على طائفته أو مذهبه ونادرًا ما تجد أحدًا يبكي على العراق".
أصبح العراقيون عمومًا يرون أن الوحدة الوطنية هدف للمستقبل البعيد. وبحسب عمار احمد (42 عامًا) من تكريت فانه "بعد عقود من الآن، لعل الأجيال القادمة تنسى ما حدث مع كل ما سُفك من دماء".
التعليقات