&
تفتتح الأزمة السورية عامها الرابع قريبًا بتجاوز 200 ألف قتيل، وتشريد الملايين، من دون أي أفق لحل سياسي ضائع، أو لحسم عسكري أمسى مستحيلًا، والبديل دويلات ممزقة في الأزقة والشوارع.

&
مع اقتراب الحرب في سورية من إكمال عامها الرابع، يتراجع شكل الدولة أكثر فأكثر لمصلحة مجموعة من الممالك المتحاربة، ما يجعل القوى الأجنبية أكثر عزوفًا عن التدخل في هذا البلد، حتى مع تحوله بشكل أكبر إلى بؤرة لتقويض استقرار المنطقة.
&
حسم مستحيل
دخلت الولايات المتحدة الحرب في سورية أخيرًا هذا العام، بعد ثلاث أعوام من قول الرئيس الأميركي باراك أوباما إن على رئيس النظام السوري بشار الأسد التنحي. لكنها فعلت ذلك على مضض، بعد التقدم الخاطف لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وبشكل لا يمثل تحديًا للأسد.
وبعد سقوط 200 ألف قتيل وتشرد الملايين، يمكن أن تزداد سورية تمزقًا لأسباب كثيرة، أضيف إليها الانخفاض المفاجئ في أسعار النفط في كانون الأول (ديسمبر)، ليجعل هذا الضغط الاقتصادي الإضافي من الصعب على أي طرف إحراز تقدم حاسم.
وتبددت محاولات إيجاد حل سياسي تتفق القوى الدولية على أنه الطريق الوحيد للمضي قدمًا، ربما في صورة تسوية بين الأسد وخصومه، بل ليس من الواضح الآن من سيكون طرفًا في أي حل مستقبلي.

لا خيار ثالث
فأقوى الجماعات المناوئة للأسد هي في الأساس جماعات الإسلاميين المتشددين مثل داعش والنصرة، أو فرع تنظيم القاعدة في سورية. ويمقت الغرب التنظيمين تمامًا مثلما تفعل روسيا وإيران اللتان تدعمان الأسد. لكن هل هناك طرف ثالث؟
يقول محللون إن القوى الغربية ومعارضي الأسد الإقليميين مثل السعودية يرون الآن أن الجماعات المهيمنة في الحرب لا يمكن دعمها، ما يحد من خيارات تلك الدول. وقال ناصر قنديل، رئيس تحرير صحيفة لبنانية وموال للنظام السوري: "فكرة وجود معارضة للأسد تبخرت بالنسبة للسعودية، والاختيار المتاح الآن هو إما الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، وإما الأسد، ولا يوجد خيار ثالث، فاختار كثير من اللاعبين الإقليميين وربما القوى الغربية استراتيجية التراجع، ما يعني ترك الجماعات المتحاربة في سورية تحسم المواجهة بنفسها".
&
عام الفوضى
من جهة أخرى، تقول واشنطن إن دعم معارضي الأسد "المعتدلين" جزء من استراتيجيتها، لكنها بقصف مواقع داعش يوميًا وشن بعض الغارات على مواقع جبهة النصرة أطلقت يد سلاح الطيران التابع للأسد لقصف معارضين آخرين في أماكن أخرى.
وانقسمت قوات المعارضة، التي حظيت بدعم خجول من القوى الغربية، إلى مئات الجماعات التي يتناقض كثير منها في الفكر والمصالح. وتقاتل ميليشيا كردية ضد الدولة الإسلامية بالتنسيق مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، مثلما يحدث في المعركة المستمرة منذ ثلاثة أشهر في مدينة عين العرب (كوباني)، لكن تلك الميليشيا تلعب دورًا صغيرًا خارج الجيب الكردي.
وتلعب الميليشيات الموالية للأسد دورًا في الصراع أكبر من أي وقت مضى. وقالت لينا الخطيب، مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت: "إن كثيرًا من أمراء الحرب يبرزون على الساحة في البلاد، ما يجعل من الصعب على الحكومة السيطرة عليهم، وهو ما يزيد الضغط على الأسد، وأعتقد أن العام 2015 سيكون عام الفوضى الشاملة في سورية".

تجنب الخسارة فقط
ويقول محللون كثيرون إن الضربات الجوية ضد داعش لن تفعل أكثر من كبح الجماعة التي حصنت نفسها جيدًا في الأجزاء التي تسيطر عليها في سورية. ويبدو أن بعض المعتدلين، أو المتمردين غير الجهاديين، يعلقون آمالهم على فكرة أن التدخل العسكري الأميركي يمكن أن يتحول ضد الأسد بضغط من الحليفين الإقليميين تركيا والسعودية، وكل منهما خصم شرس للأسد.
وتخطط إدارة أوباما لتنفيذ برنامج يستمر عدة سنوات لتدريب وتسليح المتمردين "المعتدلين" والقوات المحلية. وتريد تركيا من الولايات المتحدة إقامة منطقة عازلة على حدودها مع سورية لحماية المعارضين المعتدلين، رغم أن المسؤولين الأميركيين قللوا من شأن تلك الفكرة.
وقال جوشوا لانديس، الخبير في الشؤون السورية بجامعة أوكلاهوما: "حتى مع إقامة منطقة عازلة، الأمر سيحتاج إلى موارد أكثر بكثير مما تعهدت به الولايات المتحدة للأخذ بيد حفنة من الميليشيات المنقسمة التي تسيطر على واحد أو اثنين بالمئة من سورية، وتحويلها إلى قوة تفتح كل الأراضي السورية".
اضاف لانديس: "لن يفعل أحد ذلك من أجل سورية. فكل هذه الجيوش التي تحارب بالوكالة في سورية يبدو أن داعميها مستعدون لإنفاق أموال تكفي فقط لجعلهم لا يخسرون، لكن لن يقدموا ما يكفي لتحقيق مكاسب حاسمة".
&
هياكل داعش الادارية
ويمكن أن يشكل الانخفاض الحاد في أسعار النفط هذا العام ضغطًا على مؤيدي الأسد، أي إيران وروسيا، وإن كان من غير المرجح أن يوقف البلدان دعمهما تمامًا. ويمكن أن يؤثر انخفاض الأسعار على أعداء الأسد أيضًا، وكثيرون منهم يتلقون الدعم من الدول العربية الخليجية الغنية بالنفط.
لكن مصير الأسد نفسه لا يبدو قريبًا من الحسم، فقد استمر فترة أطول كثيرًا مما توقع مراقبون عندما اندلع التمرد، ولا مؤشر على أنه سيترك الحكم، حتى لو فقد الحظوة لدى داعميه الخارجيين، فإنه سيعمل جاهدًا لإيجاد بديل.
أما مبعوث الأمم المتحدة للسلام في سورية ستيفان دي ميستورا، فيبدو أنه أدرك أن إيجاد حل شامل للصراع في هذه المرحلة أمر غير عملي، فانصرف إلى التوسط من أجل إيجاد "مناطق مجمدة" تتوقف فيها العمليات العسكرية، أو اتفاقيات هدنة محلية في مدينة حلب بشمال البلاد، وهي خطة تقر بواقع دولة مقسمة بين مئات الجماعات المحلية.
في نفس الوقت، يستمر تفتت سورية وهو أمر يفيد داعش، الذي أظهر مهارة كبيرة في إقامة الهياكل الإدارية لملء حالة الفراغ والفوضى التي خلفتها الحرب.
&