منعت دمشق بث قناتي المنار والميادين المباشر من الميدان السوري إلا بإذن رسمي، انتقامًا منهما لأنهما أظهرا دور حزب الله الفاعل في إنقاذ النظام السوري من السقوط.


لوانا خوري من بيروت: من سمات الممانعة، من دون منازع، نكران الجميل. وهذا ليس بجديد، لكنه مستغرب إن سلمنا جدلًا مع بشار الأسد واعوانه بأن سوريا تتعرض اليوم لمؤامرة كونية، تستهدف دورها الممانع، ومكانتها في الصمود والتصدي، وموقعها كقلب العروبة النابض...، إلى آخر المعزوفة التي اعتلاها الصدأ.

وهذه الممانعة، مهما طال زمنها، محكومة أخيرًا بمصالح اطرافها الشخصية، وبتنافرها على مبدأ: quot;فخار يكسر بعضهquot;!

حقيقة الأمر

فالعالم يعرف أن نظام بشار الأسد كان على قاب قوسين او أدنى من الانهيار التام، تحت ضربات الجيش السوري الحر، خصوصًا مع توسع المعارك في ريف دمشق، وخطر انتقالها سريعًا إلى قلب العاصمة السورية، ومع الانشقاقات الكثيفة التي زعزعت أركان النظام بشكل حقيقي. تدخلت إيران فعليًا في الميدان، وأتى أمر المرشد الأعلى علي خامنئي إلى حسن نصرالله، أمين عام حزب الله، بإنقاذ السد مهما كان الثمن، ومهما غلت التضحيات.

نفذ حزب الله أمر وليه الفقيه، ونقل عدته وعديده وطلائعه الصاعقة إلى قلب المعركة السورية، تحت ستار الدفاع عن عتبات شيعية مقدسة.

وخاض لبنانيو حزب الله أعنف المعارك من القصير، إلى السيدة زينب، إلى القلمون، ووضعوا بيئتهم اللبنانية في مرمى السيارات المفخخة، كرمى لعيون بشار الممانعة ونظام الصمود والتصدي، فأنقذوا قاتل شعبه، حتى خرج نصرالله قبل يومين معلنًا أن زمن سقوط الأسد انتهى.

نكران جميل

لكن كيف يكافئ الأسد منقذه؟ بنكرانٍ للجميل، أتى سمًا مغلفًا بسكر بثينة شعبان، مستشارة الاسد للشؤون الاعلامية، إذ انتقدت وسائل اعلامية صديقة، بثت مقابلات وتقارير تشير الى دور رئيس لدول واحزاب في صمود النظام السوري بوجه الانتفاضة الشعبية عليه منذ نحو ثلاثة أعوام، كاشفةً أن وزارة الاعلام السورية اتخذت بعض الاجراءات في حق هذه الوسائل.

وكتبت شعبان على حسابها الخاص على فايسبوك تقول: quot;بعض المحطات الصديقة أقدمت في الآونة الأخيرة على بث مقابلات وتقارير توحي نوعًا ما بأن سورية ودولتها لم تكن لتصمد لولا دعم فلان وفلان من الدول والأحزاب، وهذا أمر مرفوض. سورية صمدت بشعبها الذي قدم إلى الآن أكثر من ربع مليون شهيدquot;.

واضافت: quot;وزارة الإعلام في الدولة السورية اتخذت بعض الإجراءات المبنية على توجهات الدولة التي أسست العلاقات بين سورية وغيرها على أساس الاحترام المتبادل، وموقف الدولة السورية كان وما يزال ثابتًا، لن نركع لأي ضغوط وسنمضي في طريق القضاء على الارهاب. واذا علمنا أن في تحالفنا مع أي دولة وأي حزب مصلحة لسورية فسنفعل. علاقتنا مع حزب الله متجذرة وعلاقتنا مع ايران كذلك وعلاقتنا مع روسيا صداقة ومصالح مشتركة. لكن عندما تتباين المصالح سنمضي في طريق مصلحة شعبنا ولن نكون تابعين لأي احدquot;.

أسئلة سياسة

أي كلام هذا؟ ولمَ يأتي في هذا الوقت، أي بعد جملة من الانتصارات التي حققها حزب الله في سوريا، ومن ورائه جيش النظام السوري في منطقة القلمون؟ هل يشتم من الأمر تبدلًا ما في السياسات الاقليمية، على وقع التقارب المتوقع بين إيران والسعودية؟

هل تبلغ الأسد مثلًا أن هذا التقارب قد يؤدي إلى قرار إيراني سعودي بسحب كل المسلحين الأجانب، الذين تمون عليهم هاتان الدولتان، ما يقطع عنه دعم حزب الله؟

أسئلة تنتظر إجابات عنها في المقبل من الأيام، على الرغم من تأكيد نصرالله أن لا انسحاب من سوريا قريبًا.

إنها أسئلة سياسية، ترتبط إجاباتها بما قد تؤول اليه المساعي الدولية لتسويات ما في سوريا، متزامنة مع تسويات في أوكرانيا والقرم، خصوصًا بعدما تبيّن ميدانيًا أن المعارضة عادت إلى إحراز تقدم ملموس على جبهات عديدة، وخصوصًا على جبهة أنفال الساحل، باستخدامها أنظمة صواريخ أميركية متطورة، من طراز تاو.

وعلى شفير هذه الأسئلة، لا بد أن تباهي عناصر وقياديي حزب الله بما حققوه من انتصارات في سوريا، لصالح النظام، أزعج الأسد وشعبان، خصوصًا أن بينها كثيرا بث على شاشات التلفزة وفي المواقع الاخبارية، يحتوي على ذم مباشر لقيادات جيش النظام السوري، واتهامات بأنها كانت تتخاذل في المعركة، تاركة حزب الله ليتلقى الضربات الموجعة، فتأتي هي لتقطف ثمار تضحيات الشباب الشيعي المتحمس.

لم يعد كافيًا

وفي المقلب المقابل للسياسة، يأتي كلام شعبان بعد تلميح صحيفة الأخبار اللبنانية، الملاصقة لحزب الله، إلى اتخاذ النظام السوري اجراءات بحق محطة المنار التابعة للحزب، و قناة الميادين المقربة منه، شملت منعهما من البث المباشر من سوريا.

فما كان من الميادين إلا أن اتخذت قرارًا صامتًا بتقليص تغطيتها الاخبارية السورية، بعد قرار دمشق وقف بثها المباشر من مناطق المعارك، إلا باذن رسمي، وفق مصادر لبنانية.

وشمل القرار المنار أيضًا، التي استضافت قبل ايام وزير الاعلام السوري عمران الزعبي، فقال: quot;نحترم قناة المنار لأنها قناة مقاومة وقناة الميادين لأنها قناة قومية، لكن المسألة تنظيمية بحتةquot;. فأن تكون القناة مقاومة لم يعد يكفي اليوم لتكون طليقة اليد في تصوير ما يحصل في سوريا، مع أنها تتبنى بالكامل خيار الأسد، خوفًا من أن ينقشع الغبار عن الدور الحقيقي الذي يلعبه حزب الله اللبناني وعصائب أهل الحق وغيرها من التنظيمات الشيعية العراقية، في صمود النظام السوري حتى الآن.

تنافر ممانع

وليس أدل على نفور بعض الممانعة من بعضها الآخر، على خلفية قرار دمشق، إلا افتتاحية صحيفة الاخبار الممانعة يوم 4 نيسان (أبريل) الجاري، وجاء فيها: quot;ما يكسر الظهر، هو ما حصل قبل ايام، عندما قرر احد ما، معلوم الاسم والاقامة والموقع، أن الادارة الاعلامية للمعركة في وجه العصابات المسلحة، لا تكون إلا كما يرى هو، وأن كل محاولة لتظهير المعركة بغير ما يطابق صورة الاعلام الرسمي، سيجري التعامل معها على اساس انها اعتداء على السيادة في سوريةquot;.

وتضيف الأخبار: quot;ما لبث القرار أن تُرجم إقصاءً لوسائل اعلامية من بينها الميادين والمنار، تقود من مواقع متواضعة ماديًا وتقنيًا، اقسى معركة مع طواحين امبراطوريات الاعلام المعادي لسوريا، وقد نجحت في تحطيم كذبة اعلام القتلة ومموليهم. لكن يبدو أن في دمشق، وفي موقع القرار، من لديه رأي آخرquot;.