يفقد الجيش العراقي 300 عنصر يوميًا، بين قتيل وجريح وهارب، وبلغت ذروة الهروب الثلاثاء مع مغادرة القطع العسكرية الموصل، وانسحاب الجنود أمام تقدم جهاديي داعش.

كان جندي المشاة بشار الحلبوسي ورفاقه منهَكين بعد ستة اشهر من القتال في الانبار، ضد مسلحين يتفوقون عليهم بالسلاح والمعنويات. ولم يكن لدى القادة العسكريين العراقيين ما يردون به على الكمائن اليومية التي تحصد جنودهم، أو استراتيجية متكاملة للانتصار في حرب استنزاف طويلة الأمد. وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير مقتل صديق الحلبوسي بطلقة قناص، فهرب من الجندية منضمًا إلى مئات الجنود الذي فروا من كتيبته قبله، كما أكد.&
قال الحلبوسي: "الدولة ضعيفة وهذه معركة لا تنتهي".
&
ذروة الهروب
بلغت عمليات الهروب ذروة لا سابق لها الثلاثاء، عندما أخلى القادة العسكريون قواعدهم في الموصل، مسلِّمين ثاني أكبر مدن العراق إلى مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) بلا مقاومة عمليًا. فما كان من جنودهم إلا أن تبعوا قادتهم برمي أسلحتهم وترك آلياتهم، والتخلي عن ملابسهم العسكرية.
وفي محاولة يائسة لوقف تقدم داعش، قصفت القوات الحكومية قواعد الجيش العراقي لتفادي وقوع المزيد من الأسلحة والمعدات العسكرية الثقيلة بأيدي مسلحي الجماعة.
وتابع المسؤولون الاميركيون مشاهد المسلحين يسيطرون على عجلات عسكرية اميركيةـ ناسفين مزاعمهم بأن 14 مليار دولار التي انفقتها الولايات المتحدة على القوات العراقية كفيلة بإعدادها للدفاع عن وطنها بعد رحيل الاميركيين.
&
ثغرات خطيرة
قال جنود وضباط لصحيفة نيويورك تايمز على مدى ايام إن عمليات الهروب اصبحت واسعة الانتشار، بفرار آلاف الجنود تاركين ثغرات خطيرة في الوحدات المتقدمة. وقبل الانهيار العسكري في الموصل، كان الجيش العراقي يفقد 300 جندي يوميًا بين هارب وقتيل وجريح، كما أكد محلل أمني يعمل مع الحكومة العراقية طالبًا عدم كشف اسمه.&
وأكد الجندي الهارب محمد أنه خدم في مدينة الرمادي مركز محافظة الانبار، وأن رفاقه بدأوا يفرون منذ أشهر مع تزايد أعداد القتلى. وقال محمد (24 عامًا): "شعرتُ بأنني أقاتل جيوشًا وليس جيشًا واحدًا".&
ويتذكر محمد أن المسلحين كانوا يهجمون في موجات ويرسلون انتحاريين، عندما تنفد ذخيرتهم. وقال محمد إن ثمانية من اصدقائه قُتلوا وكاد هو أيضا أن يُقتل عندما سقطت قذيفة هاون على مركبتهم الاميركية. واضاف محمد: "انا منهك، الجميع منهكون".
&
رعب القناصة
أشار جنود هاربون إلى أن ظروف خدمتهم القاسية كانت السبب الرئيسي لفرارهم، متحدثين عن دوريات متعبة في مناطق نائية أو مناطق متنازع عليها وسط سكان معادين احيانًا. وقالوا إن مصدر الرعب الأول كان "القناصة".&
وقال بعض الجنود إن عائلاتهم كانت تتوسل أن يتركوا الخدمة العسكرية. وروى جندي في الخامسة والعشرين من العمر أن والدته كانت خائفة عليه حتى كانت تحرق ملابسه العسكرية كلما يعود اليها في اجازة. وقبل شهرين، هددت بالانتحار إذا عاد إلى وحدته.&
ونقلت نيويورك تايمز عن جندي سابق، أُرسل إلى الفلوجة فور انتهاء تدريبه الأساسي، قوله: "فقدنا الكثير من الجنود، أنا فقدتُ ثلاثة أو اربعة من اصدقائي، وكان القتال شرسًا للغاية".
&
يرمون في النار
ومع تعثر الجيش النظامي، تتقدم الميليشيات الشيعية للقيام بدور متزايد، تدفعها إلى الحلبة حكومة المالكي.&
من التطورات الخطيرة الأخرى فرار جنود مثل الحلبوسي السني في جيش قادته من الشيعة. وقال حيدر الخوئي، المحلل في معهد تشيتهام هاوس للأبحاث في لندن، إن ذلك "يعمق الاستقطاب الطائفي"، وإن حكومة المالكي أسهمت في تعميق هذا الاستقطاب باعلاناتها التي كانت تشير بصراحة إلى خوض "حرب دينية"، مرددة خطاب الجهاديين، بحسب الخوئي.&
لكن الجنود يشعرون في المقام الأول بأنهم "خُذلوا"، كما يرى الباحث الخوئي مضيفا: "انهم يُرمَون في هذه النار، انه كابوس".