&قد لا تؤثر التغيّرات المناخية على المياه العذبة في الأرض، ولكنها قد تدفع لإعادة توزيع هذه المياه حفاظًا على التوازن البيئي. فتعاني مناطق جافة مستقبلًا من الفيضانات، وتجف منابع كانت غزيرة.
&
يمكن لمثل هذا السيناريو المفزع أن يحدث في العالم مع اقتراب نهاية القرن الواحد والعشرين، إذا تفاقمت ظاهرة الاحتباس الحراري وواصل البشر سياستهم الضارة بالبيئة، بحسب التقرير الأخير الذي أصدره المجلس الحكومي حول التغيّرات المناخية التابع للأمم المتحدة.&
&
إعادة توزيع
جاء في التقرير أن الكرة الأرضية بدأت عملية اعادة توزيع مصادر المياه العذبة، والتغيّرات المناخية الدراماتيكية التي يشهدها العالم، من فيضانات مباغتة في مناطق الجفاف، وعواصف ثلجية في مناطق حارة، وجفاف مباغت في مناطق غزيرة بالمياه، أدلة على حصول هذه العملية.
وشهد علماء البيئة في الفترة الماضية فيضانات غريبة في موزامبيق، وجفافاً متصاعداً في الأردن. ويبدو أن ما يجمع بين الظاهرتين هو عملية اعادة توزيع الأرض لثروتها المائية بين أركانها الأربعة. ويمكن للأمطار الغزيرة في المناطق الغنية بالمياه أن تفاقم الوضع أمام السكان المحليين في موزامبيق، والعواصف الترابية وجفاف منابع المياه الجوفية سيقلقان السلطات في الأردن أيضًا.
&
هواء ساخن يحفظ المياه&
تقود ظاهرة الاحتباس الحراري إلى ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض، ومن ثم إلى ارتفاع درجة حرارة الهواء الملامس لها. ويستوعب الهواء الساخن مياهاً أكثر تتبخر من مياه المحيطات والبحار بشكل ماء عذب، وهذه ظاهرة طبيعية من ظواهر التوازن المناخي.
ويقول دانييل بوشه، ممثل منظمة التنمية والتعاون المشترك الألماني في الأردن، إن التخلخل الجوي وجفاف الأرض والهواء في المناطق الجافة يؤديان إلى تفعيل دورة المياه الطبيعية على كوكب الأرض، فتتكون رياح تجرف الغيوم المحملة بالماء إلى مناطق الحرارة والجفاف، حيث يتحول الماء إلى البخار، لكن الأمطار ستسقط في مكان آخر يعتبر من المناطق المبتلية بالفيضانات.
وتفسير ذلك، بحسب بوشه، هو أن هطول الامطار يفترض نسبة معينة من الرطوبة، ولأن هواء مناطق الجفاف جاف أيضًا، نرى أن الغيوم الحبلى بالمطر تتوجه إلى المناطق الرطبة، وهذا ما سيفاقم ظاهرتي الجفاف والفيضانات بفعل الأمطار في العقود المقبلة.&
&
تيارات تغيّر اتجاهاتها
يقود الاحتباس الحراري إلى زيادة امتصاص الهواء الساخن للماء من السطوح المائية، وتعادل الطبيعة هذا التغيّر بواسطة تيارات هوائية كبيرة تجرف هذه الغيوم مسافات طويلة في محاولة لتوزيع الحرارة والرطوبة بشكل متوازن.
يمكن أن يؤدي التخلخل الجوي بين ايسلندا وجزر الأزور الأطلسية إلى حدوث تيارات هوائية كبيرة تتحرك بقوة عبر وسط القارة الأوروبية. وذكر الباحث كلاوس ديتلهوف، من معهد الفريد فيغنر الألماني للأبحاث الجوية، أن هذه التغيّرات ستأتي برياح رطبة إلى أوروبا، ويؤدي التخلخل الجوي إلى اجتذاب الرياح الباردة من القطب الشمالي على البرتغال، بدلًا من رياح الاطلسي المعتدلة.
&
هجرة الزوابع&
ستدفع التقلبات المناخية، الناجمة عن ظاهرة الإحتباس الحراري، بالرياح القوية والزوابع المطرية من المناطق شبه الاستوائية إلى الشمال باتجاه القطب. وهذا يعني أن الامطار الغزيرة ستسقط في شمال أوروبا، في حين تزداد ندرة مثل هذه الأمطار في وسط اميركا ووسط أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط. وتوقع بوشه، الذي يعمل في الأردن، أن تتناقص الأمطار في بعض مناطق الأردن بنسبة 60% في نهاية القرن الحادي والعشرين.
أن توجه الرياح الماطرة والدافئة من المناطق شبه الاستوائية إلى القطب يعني ازدياد ظاهرة ذوبان الجليد، وتفاقم ظاهرتي التبخر وتجمع الرطوبة وتغيير اتجاهات الرياح، وهذا يؤدي بدوره إلى تغييرات شديدة في تيارات الهواء. ويؤدي هذا إلى الكثير من الأمطار في القطب مع تقدم البشرية الحثيث نحو نهاية هذا القرن.
ولاحظ تقرير المجلس الحكومي حول التغيّرات المناخية أن العالم لا&يزال يستهلك معظم المياه العذبة في الصناعة والزراعة، وهو ما يخل أيضًا بالتوزيع العادل للمياه مستقبلًا. فالاستهلاك غير العادل يؤدي إلى توزيع غير عادل في الفيضانات والجفاف أيضًا.
وتخصص البشرية 70 بالمئة مما هو متوافر من مياه عذبة في الزراعة، و20 بالمئة منها في الصناعة، والبقية الصغيرة للشرب والافعال الإنسانية الأخرى. وطبيعي أن توظف الأمم النامية والفقيرة مياهاً عذبة أكثر في الزراعة بسبب تخلفها الصناعي.
&
مؤتمر بالي
انتقد مؤتمر بالي حول البيئة الدول الصناعية لتغليبها النمو الاقتصادي على حماية البيئة، وعدم التزامها بتقليل انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون، لكنه انتقد الدول النامية أيضًا بسبب تفوق دوافع التنمية على دوافع حماية البيئة.
وأطلقت الولايات المتحدة بين العامين 2004 و 2005 نحو 50 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون أكثر من السابق، وأطلقت اسبانيا 15 مليون طن أكثر وايطاليا والنمسا 2 مليون طن أكثر. وعمومًا زاد إطلاق ثاني أوكسيد الكربون في أوروبا، رغم أن ألمانيا اطلقت في نفس الفترة 23 مليون طن أقل، وهولندا 6 ملايين طن وبريطانيا 3 ملايين طن أقل.
وتوصلت قمة بالي إلى أن الاهتمام بالتنمية على حساب البيئة يفاقم مشاكل العالم الثالث الأخرى مثل المجاعات والجفاف والحروب. ويموت 3 ملايين إنسان في العالم الثالث سنويًا بسبب تلوث المياه، وهناك 858 مليون إنسان يعانون من سوء التغذية، إضافة إلى 40 مليون مشرد داخل بلده أو داخل منطقته. وتهدد التغيّرات المناخية بذوبان الثلوج على الهملايا، وبالتالي تعريض نحو 500 مليون إنسان للعواصف والزوابع والانزلاقات الأرضية والطينية.
&
خبزنا تراب
التغيّرات المناخية تؤثر في المحاصيل الزراعة التي تكيّف نفسها مع هذه التغيّرات. وحاكى العلماء الألمان تأثيرات التحولات المناخية القادمة على الأرض داخل مختبر حيوي صغير فتوصلوا إلى نتائج مذهلة: يستحيل تحويل حنطة المستقل إلى خبز، ستكون البطاطا سامة، والماء مجًا ترتفع فيه الملوحة.
أجريت التجارب في مختبرات جامعة هوهنهايم الألمانية (جنوب) بهدف الكشف عن تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري وثقب الأوزون والتحولات المناخية الأخرى على المحاصيل الزراعية، مثل الحنطة والشعير والبطاطا وفول الصويا.&
وتفحص علماء المستقبل الزراعي في تجربتهم كيفية تطور الحيوانات والماء والبيئة عمومًا بسبب زيادة نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الجو، وتوصلوا إلى نتائج أخرى مذهلة. فطعم الماء سيكون مجًا لا يرغو فيه الصابون بسبب الملوحة العالية، وطعم لحم الدجاج سيكون كطعم الطين، والدقيق المطحون على الحنطة يفقد لزوجته ويستحيل خبزه.
&