​​شهدت العلاقات الإماراتية السعودية خلال السنوات الخمس الأخيرة تطورًا لافتًا نحو تنسيق المواقف وتوحيدها، وتكوين شراكة استراتيجية في مواجهة الخطط الإيرانية الأميركية القطرية لتقسيم الشرق الأوسط، وتصعيد تنظيم الإخوان الإرهابي.

محمود العوضي من دبي: اصطلح الأمر بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بعد سنوات من الخلافات الحدودية زادت من التوتر بين البلدين، مع تكدس مئات الشاحنات على الحدود، واشتراط دخول المواطنين بجوازات السفر بدلًا من بطاقات الهوية، خلافًا لما هو متفق عليه بين دول مجلس التعاون الخليجي.

خواتيم سعيدة

واصطلاح ذات البين بين الدولتين حتمته ظروف خليجية وإقليمية، منها الوقوف صفًا واحدًا في وجه إيران، الساعية لتكون قوة نووية تهدد محيطها، والمستمرة في تهديد الأمن الخليجي من خلال التلويح الدائم بإغلاق مضيق هرمز بوجه التجارة النفطية الخليجية مع العالم.

وفي هذا السياق، تساهم عودة الأمير بندر بن عبد العزيز إلى الساحة السياسية السعودية مجددًا في تطوير العلاقة السعودية - الاماراتية، إذ سيناط به متابعة العلاقة مع الإمارات، حرصًا من الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز على الوصول بها إلى خواتيم سعيدة ومستدامة، بالاستفادة من علاقة شخصية مميزة تربط الأمير بندر بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد ابو ظبي.

وكذلك يسعى الاماراتيون إلى انتهاج سياسة حسن الجوار والأخوة مع السعودية، وهم تعلموا أمثولة مكينة من الماضي، إذ أدركوا أنه من الخطأ وضع كل البيض الاماراتي في سلة سعودية واحدة. من هنا، متّن الرجل القوي في الإمارات، وأحد أقوى رجلين في العالم العربي، علاقاته بالمسؤولين السعوديين الكبار، كولي العهد الامير سلمان بن عبد العزيز، وعلى نحو أكبر مع الأمير متعب بن عبدالله بن عبد العزيز، وزير الحرس الوطني، والأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية.

خلاف على الحدود

التاريخ حافل بالتوتر بين الدولتين الخليجيتين الجارتين. ففي العام 2005، رفضت السعودية إقامة جسر يربط بين الإمارات وقطر لأنه يمر عبر مياهها الإقليمية. وفي العام 2010 كادت العلاقات تنقطع بين البلدين عندما أطلق زورقان تابعان للإمارات النار على زورق سعودي في خور العيديد، وأُحتجز اثنان من أفراد حرس الحدود السعودي، وحتى الآن الحدود البحرية بين البلدين غير متفق عليها.

في آب (أغسطس) 2009، منعت السعودية إماراتيين من الدخول إلى أراضيها باستخدام بطاقات الهوية، لأنها تحوي خريطة تظهر أراضي سعودية كجزء من الامارات.

وفي العام نفسه، تضمن كتاب الامارات السنوي خريطة تظهر ضم خور العيديد إلى ابوظبي، وتمديد الحدود في الربع الخالي لضم ثمانين بالمئة من حقل الشيبة النفطي. فقد قررت الامارات وقتها تعديل الخرائط الرسمية المتعلقة بالحدود، بحيث تؤكد ما تراه حقها في خور العيديد وحقل الشيبة بحسب التسمية السعودية، وزرارة بحسب التسمية الاماراتية. واظهرت تلك الخرائط الإماراتية الجديدة تواصل الحدود البرية بين قطر وأبوظبي.

اتفاقية ظالمة!

بدأ الخلاف السعودي الإماراتي الحدودي مع محاولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إبان تأسيس دولة الإمارات ضم إمارتي قطر والبحرين للاتحاد الإماراتي. لكن ظلت الأمور بين البلدين محايدة بعد توقيع اتفاق جدة وحتى وفاة الشيخ زايد. ومع تولي ولي العهد الشيخ خليفة بن زايد زمام السلطة في الامارات، أثار هذه الاتفاقية بين البلدين خلال أول زيارة للرياض في كانون الأول (ديسمبر) 2004، لأنه يعتبرها ظالمة.

هذا ويتولى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد امارة ابوظبي ونائب القائد الأعلى بالقوات المسلحة الاماراتية، رئاسة اللجنة الحدودية المكلفة بالنزاعات الحدودية مع المملكة العربية السعودية منذ العام 2010.
لكن السعودية تمسكت باتفاقية جدة بينها وبين الامارات، والمعقودة في العام 1974، والتي حصلت بموجبها السعودية على خور العيديد، الواقع في المنطقة الساحلية الفاصلة بين الإمارات وقطر. كما حصلت على 80 بالمئة من آبار الشيبة النفطية، وعلى جزيرة الحويصات، بينما تنازلت عن جزء من واحة البريمي.

وضع مأساوي

في منتصف العام 2009، عاش سائقو الشاحنات وضعًا مأساويًا بين منفذي الغويفات والبطحاء الحدوديين، بسبب تكدس الشاحنات بين الإمارات والسعودية لعدة أيام، وسط ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة.&

ورغم مرور أكثر من عامين على مشكلة تكدس الشاحنات أمام منفذ البطحاء منذ العام 2007 بعد انتهاء إجراءات سفرها من منفذ الغويفات الحدودي الاماراتي، إلا أن جميع الجهود الحكومية التي بذلت للحد من هذه الظاهرة لم تسفر عن أي نتيجة إيجابية.

وقال سائقو الشاحنات في العام 2009 انهم يعيشون وضعًا لا يتحمله بشر في الخلاء بلا مياه أو مأكل أو حتى دورات مياه لعدة أيام نتيجة إجراءات التفتيش في الجانب السعودي، والتي تؤدي إلى انتظارهم لعدة أيام في الخلاء داخل المنطقة الحدودية بين المنفذين.

ونفت الهيئة الاتحادية للجمارك الإماراتية أن يكون التأخير نابعًا من بطء الإجراءات الخاصة بإنهاء معاملات الشاحنات في منفذ الغويفات، مؤكدة انه يتم الانتهاء منها خلال دقائق معدودة.

ويعد منفذ الغويفات هو المنفذ البري الوحيد الذي يربط الإمارات بالسعودية وباقي الدول العربية الأخرى، وهو المعبر الوحيد لمرور الشاحنات المحملة بالبضائع التي ترد من أو تصدر إلى تلك الدول. ويشهد المنفذ حركة نشطة طوال العام دون توقف حيث تشير الاحصائيات إلى أن إجمالي عدد الشاحنات التي عبرت من منفذ الغويفات خلال العام 2007 بلغ 916,930 شاحنة، بينما بلغ عدد الشاحنات التي عبرت المنفذ خلال العام 2008 أكثر من 977,782 شاحنة.

طهران بين الرياض وأبوظبي

تحتل إيران جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وابوموسى الإماراتية منذ عهد الشاه. وفي لحظات التقارب بين السعودية وإيران، تضطرب العلاقات بين الإمارات والسعودية، وعندما تتقارب إيران والإمارات تضطرب علاقات السعودية بإيران.

وفي وقت الصعود الإصلاحي في إيران في أواخر التسعينيات، وقعت إيران والسعودية اتفاقية أمنية في العام2001، أثارت حفيظة الإمارات. وصرح وزير خارجية الإمارات أن الاتفاقية تعتبر تهديدًا أمنيًا للإمارات، وأدى هذا الموقف إلى تلاسن بالتصريحات بين الإمارات والسعودية.

وبعد الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، رحبت الإمارات بقوة بالاتفاق، وزار وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد طهران بعد الاتفاق النووي بأيام وأعرب عن علاقات قوية بين إيران وبلاده، وقد أثار ذلك حفيظة السعودية.

ولكن تتجه العلاقات السعودية الإيرانية الآن نحو الانفراجة خاصة بعد زيارة أمير الكويت لطهران أخيرًا، ودعوة السعودية لوزير الخارجية الإيراني لزيارتها، وتأكيد الجانبين السعودي والإيراني على أهمية العمل المشترك لتحقيق الامن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط المتوترة للغاية.

علاقات التعاون والتنسيق

في آذار (مارس) الماضي، قدمت السعودية والامارات نموذجًا جديدًا للتعاون والتنسيق والتضامن، بعدما استدعت أبوظبي السفير العراقي احتجاجًا على تصريحات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ضد المملكة، إذ قال: "إن الرياض تبنت دعم الإرهاب في المنطقة والعالم".

مثلت خطوة الإمارات رسالة جديدة على وحدة الموقف بين البلدين الجارين، وهو موقف يؤشر لمدى الانسجام والتوافق السياسي بين البلدين الخليجيين، اللذين أصبحا يقدمان نموذجًا للعلاقات الأخوية والمتينة على كافة المستويات.

وفي 20 أيار (مايو) الماضي، اتفقت السعودية والإمارات على إنشاء لجنة عليا مشتركة، برئاسة وزيري الخارجية في البلدين، تعمل على تنفيذ الرؤية الاستراتيجية لقيادتي البلدين، للوصول إلى آفاق أرحب وأكثر أمنًا، ومواجهة التحديات في المنطقة ضمن إطار كيان قوي متماسك.

دلالات حب

في أيار (مايو) 2014، أعلنت أبوظبي إطلاق اسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على أحد أجمل شوارع العاصمة أبوظبي، في مبادرة من جانب القيادة الإماراتية تجاه خادم الحرمين الشريفين، الذي تم اختياره هذا العام أيضًا شخصية العام لجائزة زايد للكتاب 2014. وتحمل هذه المبادرات دلالات حب من الإمارات قيادة وحكومة وشعباً إلى خادم الحرمين الشريفين والشعب السعودي.

ويوم الاثنين 16 حزيران (يونيو) الجاري، وقعت مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة السعودية وشركة أبوظبي لطاقة المستقبل مصدر، اتفاقية إطارية للتعاون الاستراتيجي. وتهدف الاتفاقية إلى دراسة فرص التعاون في الأبحاث والتطوير المشترك في مشروعات الطاقة المتجددة وتوليد الكهرباء النظيفة، كما تدعو الاتفاقية إلى إنشاء لجنة توجيهية تضم أعضاء من الجانبين لدراسة وتقييم جدوى كل مجال من مجالات التعاون المحتملة وإعداد التوصيات المناسبة بشأنها.

وأوضح رئيس مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة الدكتور هاشم بن عبدالله يماني أن مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة تهدف من وراء هذه الاتفاقية إلى بناء قطاع جديد لتسهم في تنويع مصادر الطاقة في المملكة العربية السعودية، متطلعًا إلى أن تسهم في تسريع انتشار مشاريع وحلول الطاقة المتجددة في منطقة الخليج ومختلف أنحاء العالم، لاسيما بعد أن أثبتت الطاقة المتجددة جدواها التجارية.

على تواصل

من جانبه، قال وزير الدولة الاماراتي رئيس مجلس إدارة شركة أبو ظبي لطاقة المستقبل مصدر الدكتور سلطان أحمد الجابر: "يسرنا إبرام هذه الاتفاقية بين مصدر ومدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، حيث كنّا على تواصل خلال الفترة الماضية وجرى تبادل العديد من الزيارات التي لمسنا خلالها تقاربًا كبيرًا في الأهداف التي نسعى لتحقيقها، كما أن هذا التقارب ينبع من امتلاكنا لرؤيةٍ مشتركة نابعة من الرؤية السديدة للقيادة الرشيدة في بلدينا الشقيقين، والهادفة إلى بناء مستقبل مستدامٍ لأجيال الغد".

وأوضح الجابر أن هذه الاتفاقية تأتي لتضع إطاراً رسمياً يحدد أوجه التعاون المحتملة بما يسهم في تحقيق أهدافنا، منوهًا ببناء علاقة تكاملية بين مصدر ومدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة بما يقدمُ نموذجًا تحتذي به بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية للتعاون في مجال الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة.