فتح المتطوعون حربًا على شلل الأطفال المتفشي في سوريا، وقالوا إن مقاتلي الجيش الحر يسهّلون مهمتهم التي يهدّدها القصف والقنص، فتمكنوا من تلقيح 1.4 مليون طفل منذ بداية 2014.


بيروت: بالرغم من الحرب الطاحنة التي تدور في سوريا، تمكنت حملة مكافحة انتشار شلل الأطفال في المناطق التي يسيطر عليها الثوار من تحقيق نجاح مفاجئ بتلقيح نحو 1.4 مليون طفل منذ بداية العام الجاري.

خوف من التفشي

هذه النتيجة لم تكن لتتحقق لولا جهود المتطوعين، الذين يغامرون بحياتهم وأحيانًا يدفعونها ثمنًا لرسالتهم الانسانية، إلى جانب تعاون بعض المقاتلين الذين يرافقونهم أو على الأقل يبتعدون عن طريقهم للسماح لهم بتنفيذ عملهم.

عودة ظهور شلل الأطفال في سوريا منذ تشرين الاول (أكتوبر) الماضي أثارت قلق منظمات الصحة التي تخشى أن يساهم الماء الملوث وأنظمة الصرف الصحي المختلة والاكتظاظ السكاني في انتشار هذا الوباء على نطاق أوسع.

وفي محاولة لتفادي هذه الكارثة، تحرك ائتلاف من المنظمات غير الربحية المعنية لنشر الآلاف من المتطوعين في شمال البلاد المحاصر، متحدّين القصف والغارات الجوية لتقديم اللقاحات للأطفال تحت سن الخمس سنوات.

رصد حالات

مهمة التلقيح محفوفة بالمخاطر، لأن المتطوعين يواجهون خطر الموت في كل دقيقة، وقد قتل أربعة متطوعين خلال تنفيد مهمتهم الانسانية. يقول عبد الرزاق درويش، وهو طبيب يعمل في حلب: "تنفيذ عملية اللقاح ليس صعبًا من وجهة النظر الطبية، فهي لا تتعدى قطرتين في الفم، لكن الصعوبة هي الحرب في المقام الأول".

منذ إعلان الحالة الأولى في محافظة دير الزور، تم رصد 35 حالة إضافية من هذا المرض شديد العدوى في سوريا، وفقًا للمبادرة العالمية لمكافحة شلل الأطفال. ويشار إلى انه لم يتم الإبلاغ عن هذا النوع من العدوى في البلاد منذ العام 1999، وكان يعتقد أن باكستان وأفغانستان ونيجيريا من بين آخر معاقل هذا المرض.

السؤال الملح في هذه الحالة كان: "ما الذي يجب فعله"؟ أما الإجابة فكانت واضحة: تلقيح أكبر عدد ممكن من الأطفال".
&
شبكة متطوعين

عملت المنظمات غير الربحية على تجنيد وتدريب المتطوعين أو ذوي الأجور المنخفضة، وشكّل معظم افرادها شبكة من الأطباء مع نشطاء المعارضة على مدى أكثر من ثلاث سنوات من الحرب في سوريا. ونمت هذه المجموعة بسرعة إلى أكثر من 8000 متطوع، يعملون كلهم تقريبًا داخل سوريا أو يسافرون إليها بانتظام.

يقول بشير تاج الدين، الرئيس الحالي لفرقة عمل شلل الأطفال في سوريا: "انهم أبطال هذه الحملة"، مشيرًا إلى أن المتطوعين يواجهون القذائف والقنابل والقناصة والبراميل المتفجرة، وقتل أربعة منهم، من بينهم محمد قلعجي (19 عامًا) في مدينة حلب المضطربة.
&
مساعدة من المقاتلين

يقول الأطباء إن فصائل المعارضة التي تقاتل في شمال سوريا "متعاونة عمومًا"، وقد ساعدت المتطوعين على التنقل بين الجهات المسلحة وخطوط النار، للوصول إلى المنازل المحاصرة وتلقيح الاطفال.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن أحد المتطوعين في مكافحة شلل الأطفال قوله إن مقاتلي الجيش السوري الحر المعتدل يساعدون المتطوعين في تنفيذ مهمتهم، وحتى بعض عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، الذين أرادوا تلقيح أطفالهم.

واضاف: "حتى المقاتلون لديهم أطفال"، في إشارة إلى اهتمامهم بحصول الأطفال على اللقاح وتفادي هذه الإصابة الكارثية. يشار إلى أنه في الكثير من الأحيان يتردد الناس في قبول اللقاح لأنهم لا يثقون بالأطباء، أو يخشون ألا يكون اللقاح آمنًا، في ظل شائعات تقول إن اللقاح يسبب الايدز!

المعركة مستمرّة

لكن المعركة ضد شلل الأطفال في سوريا والمنطقة لم تنته بعد، بعد الإعلان عن حالة ثانية منه في العراق. وقال متحدث باسم اليونيسف إن حملة مكافحة الشلل في دمشق تمكن من الوصول إلى 2,9 مليون طفل، في حين تشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى400 ألف طفل في المناطق المحاصرة ما زالوا بحاجة إلى اللقاح.

وقالت آني سبارو، وهي مختصة في الصحة العامة في مستشفى ماونت سيناي في نيويورك: "حملة فرق العمل والمنظمات غير الربحية كانت ناجحة في الوصول إلى عدد كبير من الاطفال، لكن هل توقف انتقال شلل الأطفال؟ لا يمكننا أن نقول ذلك".