سببت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة أضرارًا مباشرة وغير مباشرة على الأماكن التراثية والأثرية، ومن أهم هذه المعالم المسجد العمري في جباليا، الذي دمّر،
وتستحيل إعادة بنائه إذ إن إسرائيل تفرض حصارًا على غزة، وتمنع دخول الأسمنت والحصى والحديد إلى القطاع، ما يهدد بزوال تراث بكامله.


دمّر صاروخ إسرائيلي المسجد العمري في جباليا، أحد أقدم جوامع قطاع غزة، الذي يعتقد أنه يعود إلى القرن السابع الميلادي، في ضربة جديدة للأماكن الأثرية المحاصرة في القطاع الفقير.

أصبح المسجد، الذي تعود أجزاء أخرى منه إلى القرن الرابع عشر الميلادي، وأضيف إليه مبنى حديث قبل سنوات، كومة حطام وركام، بينما قتل المؤذن بعدما دعا الناس إلى الصلاة بحسب السكان.
&
شبح الانقراض
يقول المؤرخون إن قطاع غزة شكل موطنًا للمجتمعات البشرية منذ 3330 قبل الميلاد على الأقل. وحكمه الكنعانيون والفراعنة والإغريق والرومان والبيزنطيون قبل قدوم الإسلام في القرن السابع الميلادي. وحكم المماليك قطاع غزة في القرن الثالث عشر الميلادي، بينما سيطرت عليه الإمبراطورية العثمانية بعد ثلاثة حتى الانتداب البريطاني عام 1917.
&
لكن لم يبق اليوم الكثير من الآثار في غزة لتكون شاهدة على تلك العصور، حيث أدت قرون من الصراع والغزوات والنمو السكاني السريع في هذا الشريط الضيق بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948 إلى إلحاق أضرار كبيرة بالموروث الثقافي. وتقول ياسمين الخضري التي تساعد على الإشراف على متحف خاص، قام والدها المهندس جودت بتأسيسه، "هذه ليست أولوية لأي أحد". وتوضح "عندما تفكر في غزة، فإنك لا تفكر في التاريخ أبدًا، في غزة القديمة أو الآثار فيها، بل تفكر دائمًا بالطعام والأدوية ومخيمات اللاجئين وحركة حماس".
&
وفي محاولة للتعويض عن النقص في المتاحف الحكومية، قام والد ياسمين بمحاولة جمع بعض القطع الأثرية من العصر الكنعاني وصولًا إلى الحرب العالمية الأولى، والتي اكتشفها في عمله كمهندس. وقام بعدها بافتتاح متحف خاص على البحر في مدينة غزة عام 2008 لعرض القطع الأثرية، مثل الفخار القديم والأسلحة والقطع النقدية. وأضاف بعدها مطعمًا وفندقًا إلى المتحف، ثم قام بدمج بعض القطع الأثرية في الوسط: حيث جلب ركائز شرفة المطعم من خط السكك الحديدية القديم في غزة.

وأشارت ياسمين إلى أن عائلتها كانت قد قررت توسيع المجموعة وترميم المتحف، لافتة إلى أن عالمي آثار فرنسيين قدما في نيسان/إبريل الماضي للمساعدة. وعلى أنقاض المسجد العمري، وقف أحمد البرش، الذي يعمل في وزارة السياحة والآثار، لتفقد الأضرار، مشيرًا إلى أن الحرب على غزة سببت أضرارًا مباشرة وغير مباشرة على الآثار في غزة.

موت آخر
وقال إن "الأضرار غير مباشرة، لأنه من المستحيل للزوار والأجانب والطلاب والأساتذة الدخول". وأشار إلى أنه منذ أن فرضت إسرائيل حصارًا على قطاع غزة في 2006 أصبح من الصعب عليه العمل. وفرضت إسرائيل حصارًا على غزة، ومنعت دخول الأسمنت والحصى والحديد إلى القطاع، مما جعل دخول المواد المستخدمة لترميم الأماكن الأثرية صعبة.
&
ويشير الرجل إلى أن "إسرائيل منعت دخول مواد الترميم، كما قطعت المنظمات والمؤسسات الدولية العاملة في الميدان دعمها". وبدأت إسرائيل في الثامن من تموز/يوليو الماضي عملية عسكرية ضد قطاع غزة، أطلقت عليها اسم "الجرف الصامد"، وقتل فيها نحو ألفي فلسطيني، بينما تم تدمير آلاف المباني والمنازل. وفي الشجاعية في مدينة غزة، أحد أكثر الأحياء تضررًا من القصف الإسرائيلي، لم يبق من مسجد المحكمة، الذي يعود إلى القرن الخامس عشر الميلادي، سوى مئذنته من الحجر الرملي، والتي تعود إلى العصر المملوكي.

ونددت وزير السياحة والآثار الفلسطينية رولا معايعة بالأضرار التي لحقت بالتراث الثقافي في غزة، مشيرة إلى أن هذا "التدمير المتعمد" للمواقع "خسارة كبيرة للبشرية". وما زال المسجد العمري الكبير وكنيسة القديس برفيريوس في حالة جيدة، وهما يقعان في حي الدرج في المدينة، الذي يحوي العديد من المباني الأثرية.

ويؤكد محمد الوزير، الذي تدير عائلته حمام السمرة، وهو الحمام التركي الوحيد الباقي في غزة، منذ مئة عام، والذي أصبح مقصدًا سياحيًا للزائرين القلائل: إن "الحرب ألحقت أضرارًا بالجميع. كل من كان لديه مشروع اضطر لإغلاقه".
&
ويخطط الوزير لإعادة فتح الحمام، الذي اضطر لإغلاقه بعد اندلاع الحرب حين التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. وأكد أنه سيشجّع الغزيين على العودة إلى الحمام للاسترخاء، حيث سيقوم بتخفيض سعر الدخول للحمام إلى النصف "من باب التضامن مع الناس".
&