في آخر حديث له قبل مقتله، اتهم الشيخ حسن عبود إيران بتدريب داعش، وقاسم سليماني بأنه وراء اجتياح داعش العراق بهذه السرعة.


عبدالاله مجيد: قبل ساعات على عملية التفجير التي أودت بقيادة أحرار الشام بكاملها، أمضى زعيم الجماعة حسن عبود أربع ساعات في حديث لمجلة ميدل إيست مونيتور في لقاء خاص، كان خلاله متفائلًا بآفاق المعارضة ولواء أحرار الشام، بوصفه واحدًا من أقوى فصائلها.

وكان كثيرون في صفوف المعارضة شعروا بالإحباط تحت وطأة الاقتتال الداخلي، بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ومحاولته تصفية الفصائل الأخرى التي تعيّن عليها استخدام الكثير من مواردها في مواجهته بدلًا من توظيفها ضد قوات نظام الرئيس بشار الأسد.

تغيرات ستحدث
لكن عبود قال إن الوضع سيكون مختلفًا هذه المرة، وإن تغيرات ستحدث. وكشف أن ائتلافًا فضفاضًا سيُقام لتحقيق السلام والوحدة بين غالبية الفصائل المسلحة. ولم يُتَّفق على اسم الائتلاف، لكنه يتضمن بكل تأكيد عبارة "المجلس الأعلى". وضحك عبود قائلًا إن للاسم "رنينًا إيرانيًا".

وحينُ سُئل الشيخ عبود عن سر النجاح في تحقيق هذا الاتفاق بعد العديد من المحاولات الفاشلة، قال إن التركيز هذه المرة على القواسم المشتركة، وما يوحّد المعارضة وقبول الاختلافات القائمة بين فصائلها. وأضاف: "أدركنا أننا لن نتمكن من تغيير مبادئ أحدنا الآخر وأولوياته، لكننا تمكنا من الالتقاء بالتركيز على الأهداف الأساسية لكل جماعة".

وتابع عبود قائلًا: "من دون تغيير استراتيجي لن يتمكن أي طرف من كسب الحرب، لا المعارضة ولا الأسد. فهناك جهات خارجية تريد استبعاد الإسلاميين عن فصائل المعارضة، لكن الجهاد أمر نمارسه جميعًا، وليس النخبة وحدها".&
&
داعش غير إسلامي
وشدد عبود على أن فصائل المعارضة تعمل من أجل تشكيل مجلس منسجم يجمع أكبر عدد ممكن منها. "فالفشل يعني تعذر الإطاحة بالنظام، وهذه هي الرسالة الحقيقية، وليس الرسالة التي يروّجها داعش".

وعن الائتلاف الوطني للمعارضة السورية، قال عبود: "ما زلنا لا نوافق على الائتلاف الوطني، ولا نثق به، لأنه يدار من حفنة دول، لديها أجندتها التي لا تخدم مصالح الشعب السوري". وبحسب عبود، فإن مجموعة من فصائل المعارضة ستعقد اجتماعًا تحضيريًا لتشكيل مجلس ثوري، تركز فيه على الأهداف المشتركة وتنحية الأهداف، التي لا يمكن الاتفاق عليها "في الوقت الحاضر".

وحذر عبود في حينه من محاولات الاتصال بداعش للافراج عن رهائن غربيين، موجّهًا إلى داعش اتهامات خطيرة، خصوصًا بما يتعلق بأصوله ومشاريعه. وفي هذا الشأن، قال عبود عن داعش إنه غير إسلامي، ومدعوم بصورة مباشرة أو غير مباشرة من نظام الأسد، ومدرَّب على يد قائد الحرس الثوري الإيراني، ويستخدم الإسلام حصان طروادة.

لم يحارب الأسد
ولفت عبود، الذي كان معروفًا باسم أبي عبد الله الحموي، إلى أن النظام السوري استهدف العديد من فصائل المعارضة، لكن داعش لم يشتبك في أي قتال على خطوط الجبهة مع قوات الأسد، ولا نظام الأسد استهدف داعش. قال: "على سبيال المثال، إذا كانت هناك ثلاث سيارات تنطلق في طريق زراعي، فإن طيران الأسد سيضربها ظنًا منه بأنها قافلة، والآن قولوا لي، عندما تكون أي حركة تحت مثل هذه المراقبة الشديدة، كيف تمكَّن داعش من تحريك قافلة ذات 200 عربة من محافظة إلى أخرى، ثم إلى العراق، من دون أن تتعرّض لهجوم واحد أو تواجه مقاومة على أي حاجز من حواجز النظام؟".

وأوضح عبود أن قادة داعش رفضوا الدخول في أي اتفاقات مع فصائل المعارضة الأخرى، "ولأنهم لم يكونوا يشتبكون مع قوات الأسد، بدا أنهم يقضون الكثير من أوقات فراغهم بموارد وأموال لا حد لها".

وأشار عبود إلى التغيير الذي حدث في استراتيجية داعش بدخوله مرحلة جديدة في شمال سوريا المحيط في مدينة حلب والمناطق الساحلية، حيث حاول داعش السيطرة على بلدات حدودية استراتيجية في ريف إدلب. وقال: "داعش حاول أن يغلق البوابات التي يستخدمها الثوار السوريون".

حصان طروادة
وكان عبود يرى أن التهمة القائلة إن داعش يعمل مع الأسد ليست مستبعدة. وقال في هذا الشأن: "إسألوا أنفسكم من المستفيد من داعش، فالأسد لم يدفع بقواته ذات يوم للاشتباك مع داعش، وهو لم يقاتل قط على خطوط الجبهة ضد قوات النظام السوري".

وأعرب عبود عن اعتقاده بأن حصان طروادة الحقيقي هو الدين، وطريقة داعش في استغلاله. وقال: "داعش استخدم الإسلام للتسلل إلى داخل المجتمع السوري، لكن عندما عرفنا سلوكهم لا شيء يمكن أن يقنعنا بأن عقيدتهم هي العقيدة الصحيحة أو ممارستهم هي الصحيحة".

ويبدو أن داعش لم يكن يعتزم ذبح أو نحر الأجانب، الذين وقعوا في قبضته، بل كان يريد استخدامهم رهائن للحصول على المال. وأشار عبود إلى إجراء محادثات للتوصل إلى اتفاق بشأن تبادل الأسرى، بعد اعتقال دبلوماسيين أتراك في الموصل أُفرج عنهم سالمين لاحقًا. لكنه لفت إلى أن قطع الرؤوس إجراء متميز باستخدامه ضد المعارضين، "وشهدنا مئات من مثل هذه الحوادث، لكن مجلس الأمن يدينها الآن فقط، لأن أعمال القتل الأخيرة طالت غربيين".

من صنع سليماني
وأكد عبود أن اجتياح داعش مناطق في شمال العراق كان مدهشًا، دفعه إلى التساؤل عن غياب المقاومة من جانب قوات رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي. وقال عبود: "المالكي فقد السيطرة، لأن الجيش بلا عقيدة عسكرية".

لكن عبود وجّه اتهامات مذهلة في معرض اعترافه بأن اجتياح داعش لمناطق واسعة من العراق كان عملية عسكرية بارعة. وقال في هذا الشأن: "أعتقد أنها كلها كانت من صنع وتدبير قاسم سليماني، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، فهو الوحيد القادر على القيام بعمل كهذا، ولم يتمكن من وقف الثورة في سوريا، لكن عندما وصل داعش توقف كل شيء، وكانت هناك نقطة انعطاف".

وأصرّ عبود على أن سليماني وحده كان قادرًا على تدبير مثل هذه المغامرة العسكرية. وقال: "هذا يفسّر السبب في أن قوات المالكي انهارت من دون مقاومة عندما اجتاحت قوات داعش الأراضي العراقية على نطاق واسع وبسرعة ما كان محتلو العراق الأميركيون ليتخيلوها".

سكود للاستعراض فقط
قال الراحل عبود إن قسطًا من المسؤولية عن ظهور داعش ونجاحه يقع على عاتق دول خليجية. وتابع في مقابلته مع ميدل إيست مونيتور: "نحن نعرف أن جبهة النصرة مموَّلة من الخليج، لكن داعش قبل أن يسيطر على حقول النفط والغاز كان ينفق أموالًا طائلة في سوق السلاح، يشتري بأي سعر يُطلب مقابل الأسلحة، ولم يكلف نفسه حتى المساومة عليها، فكانت لديه أموال ضخمة ينفقها".

وذهب عبود إلى أن لدى داعش صاروخ سكود في ترسانته، وقال: "إن القادة أروا فصائل معارضة أخرى الصاروخ أثناء محاولتهم إقناعها بالانضمام إلى داعش. ولستُ متأكدًا من أين حصلوا على صاروخ سكود، لكنهم لا يملكون التكنولوجيا أو المعدات لإطلاقه، فهو موجود لأغراض استعراضية محضة".

واعترف عبود بأن هناك العديد من الأسئلة التي ليست لها إجابة عن داعش، "ولكني مع ذلك أعرف أن هناك علاقة حقيقية بين داعش والنظام السوري، وفي الوقت الحاضر لا يستطيع أحدهما الوجود من دون مساعدة الآخر".

تركة عبود الآن بذمة القائد الجديد لجماعة أحرار الشام، التي لا يقل عديدها عن 20 ألف مقاتل، يشكل العمود الفقري للجبهة الإسلامية، التي أُنشئت لمواجهة داعش ومقاتلة قوات الأسد.

&

&