يعيش رسامو الكاريكاتير في الصحف التركية أوقاتًا عصيبة مع تزايد النزعات السلطوية لدى الرئيس التركي. ويجد منتقدو إردوغان وحكومته أنفسهم هدف ملاحقات جنائية بسبب رسومهم، فيما وقع العشرات ضحية معارضتهم، فخسروا بسببها وظائفهم، ضمن حملة تشنها الحكومة لترهيبهم.


عبدالاله مجيد: قال رسام الكاريكاتير في صحيفة "جمهوريت" المعارضة موسى كارت، الذي أُحيل إلى القضاء أكثر من مرة بسبب رسومه، إن هذه الموجة من الملاحقات القانونية "تطال جميع رسامي الكاريكاتير والكتاب والمثقفين في هذا البلد". وما زال رسامو الكاريكاتير ينشرون أعمالهم في مطبوعات مستقلة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، لكنهم خائفون مما يقولون إنها "أجواء سياسية قمعية بصورة متزايدة".&

نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن رئيس تحرير مجلة "ليمان" الساخرة أصلان أوزدمير قوله "كان هناك دائمًا بعض الضغط على الكتاب والرسامين، واليوم نشعر بالضغط نفسه ولكن بوجه مغاير، قد لا يكون التهديد بالسجن، كما شهدنا خلال انقلاب 1980، ولكنها أجواء قمعية في ظل حكومة مدنية".

كبش فداء
ويرى العديد من المدافعين عن حرية الإعلام أن الملاحقات القانونية ضد الرسام موسى كارت، الذي واجه حكمًا بالسجن 10 سنوات، كانت تحذيرًا إلى نظرائه بأنهم ليسوا في مأمن من انتقام الحكومة.
&
وقالت الباحثة المتخصصة في شؤون تركيا في منظمة "القلم" الدولية أليف يمان إن توسيع المضايقات القانونية لتشمل رسامي الكاريكاتير مؤشر إلى انتهاك حرية التعبير في تركيا بصورة متزايدة. وأضافت إن لتركيا تقليدًا عريقًا من الهجاء السياسي الساخر، ولكن قضية الرسام كارت "لا تمثل اعتداء على حرية التعبير فحسب، بل خيانة لتراث تركيا الفني والديمقراطي أيضًا".

تبنى رسامو كاريكاتير في أنحاء العالم قضية كارت بحملة تضامن على تويتر بعد دعوة في صحيفة الغارديان البريطانية إلى نشر رسوم كاريكاتيرية موضوعها إردوغان. وقال بيرام علي خاندار، وهو معلم يدرس مادة الرياضيات في التاسعة والعشرين من العمر، رفع أحد الرسوم الكاريكاتيرية التي نُشرت في إطار الحملة خلال تظاهرة احتجاجية، إن الشرطة استجوبته بتهمة إهانة العلم التركي. ويواجه خاندار حكمًا بالسجن ثلاث سنوات في حال إدانته بالتهمة.

ديمقراطية "الشاورما"
وأكد خاندار لصحيفة نيويورك تايمز أن الرسم لا يمت بصلة إلى تمزيق العلم التركي، بل يعبّر عن مداهمات ضد مؤسسات إعلامية تمزّق أوصال الديمقراطية التركية، في إشارة إلى كاريكاتير يصور إردوغان بائع شاورما يقطع الديمقراطية التركية إلى شرائح. وتصدر في تركيا اليوم مجلات ساخرة صغيرة ومستقلة يملكها أحيانًا المساهمون فيها وبذلك يمنحونها حرية مالية لا تتمتع بها المطبوعات الكبيرة.

من هذه المجلات مجلة "بنغوين" الأسبوعية الساخرة، التي قال مالكها سلجوق إيردم لصحيفة نيويورك تايمز، إن هذه المطبوعات المستقلة تستطيع المخاطرة لأنها لا تعتمد على الإعلانات أو موافقة الحكومة للاستثمار في صناعات أخرى بخلاف مجموعات النشر الكبرى التي يستهدفها إردوغان.&

تمويل ذاتي
أضاف إيردم، الذي يساهم في مجلته ويرأس تحريرها أيضًا: "في حين أن بارونات الإعلام يقلقون بشأن العطاءات في مشاريع ممولة من الدولة، فإننا لا ننشر حتى إعلانات، وحين لا يكون هناك مال، يكون هناك قدر أكبر من الحرية التي يلاحظها القراء، فيتوجهون إلينا حين تنهار وسائل الإعلام الكبيرة وتلتزم جانب الصمت".&

وكانت القنوات الإخبارية والمطبوعات الرئيسة التركية تجاهلت في البداية الاحتجاجات المناوئة للحكومة في صيف 2013. لكن شبكات التواصل الاجتماعي قامت بدور حاسم في توفير مصادر بديلة للأخبار ومنبر يعبّر فيه المحتجون عن آرائهم. ودفع هذا السلطات التركية إلى غلق يوتيوب لمدة شهرين، وتويتر لمدة أسبوعين.&

ساهمت المجلات الساخرة أيضًا بقسطها في سد الفراغ. فمجلة "ليمان" مثلًا كانت تنشر طبعات خاصة بالاحتجاجات. وحققت بعض المجلات الساخرة الأخرى زيادة كبيرة في توزيعها.&

وفي عهد أقرب وفرت إحالة نحو 100 شخص إلى القضاء بتهمة الفساد، بينهم مسؤولون ورجال أعمال قريبون من إردوغان ثم الحكم ببراءتهم، مادة دسمة لرسامي الكاريكاتير في المجلات الساخرة. وقال معارضون إن الإفراج عن هؤلاء جاء بعد حملة قادتها الحكومة لترويض القضاء وإقصاء المدعين العامين، الذين شاركوا في التحقيق مع المتهمين في القضية التي هزت حكومة إردوغان.&&&