ترجم تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش صدر الاثنين، حالة من الاستياء تسود قطاعا واسعا من التونسيين بسبب غياب العدالة في ما يتعلق بقضايا قتلى انتفاضة 14 يناير 2011 التي انتهت برحيل الديكتاتور زين العابدين بن علي.


إسماعيل دبارة من تونس: قالت منظمة هيومن رايتس ووتش التي تُعنى بالدفاع عن حقوق الانسان، في تقرير أصدرته الاثنين، إنّ محاكمات جرائم القتل اثناء الثورة التونسية ادت الى الإخفاق في محاسبة مرتكبي الانتهاكات وتحقيق العدالة لعائلات الضحايا.

وقالت المنظمة في تقرير يتزامن مع مرور 4 سنوات على رحيل بن علي، ويحمل عنوان (المحاسبة المنقوصة: أوجه القصور في محاكمات جرائم القتل أثناء الثورة التونسية)، إن جهود تونس في محاسبة جرائم القتل التي ارتكبت أثناء الانتفاضة منذ أربع سنوات واجهت مشاكل قانونية، ومشاكل أثناء التحقيق جعلتها تفشل في تحقيق العدالة للضحايا.

وقال التقرير إنه "باستثناء عقوبة السجن المؤبد التي صدرت في حق الرئيس السابق زين العابدين بن علي، الذي ما زال يعيش خارج البلاد، أسفرت المحاكمات العسكرية المطولة على عقوبات مخففة وأحكام تبرئة للمتهمين بقتل المتظاهرين".

وعدّد التقرير عيوبا كثيرة شابت المحاكمات العسكرية لجرائم القتل التي حصلت أثناء الانتفاضة، وهي تقريبا ذات العيوب التي شدد عليها محامون وحقوقيون تونسيون منذ بدء المحاكمات، وكلها تتفق على أنّ القضاء العسكري لم يكن منصفا في معالجة قضايا القتل التي حدثت خلال الثورة التونسية، وينفي القضاء العسكري تلك التهم ويشدد على استقلاليته.

وتقدر الهيئة العليا لحقوق الإنسان التونسية عدد الضحايا الذين سقطوا أثناء الثورة بين 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، و14 يناير/كانون الثاني 2011 بـ321 شخصا، بينما فاق عدد المصابين 3700 شخص.

وصُدم أهالي الضحايا في أبريل/نيسان 2014، بأحكام بالبراءة أصدرها القضاء العسكري بحق أغلب القيادات الأمنية والسياسية السابقة التي اتهمت بالتورّط في قتل وجرح المتظاهرين الذين انتفضوا قبل نحو أربعة أعوام ضدّ نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

وطوال الاعوام الاربعة الماضية، نظمت عائلات ضحايا وجرحى الثورة التونسية وقفات احتجاجية كثيرة واعتصامات للتنديد بما وصفوه بإسقاط ملف ضحايا الثورة من قائمة اهتمامات الحكومة والاحزاب.

وانتقد المحتجون تجاهل السلطات لهذا الملف، وأشاروا إلى أن المتهمين بالتورط في قتل أبنائهم، أفرج عنهم دون محاكمة عادلة. كما طالب الأهالي بإعادة محاكمة المتهمين من جديد.

ويعتقد كثيرون أن ملف المحاسبة طوي بالكامل مع وصول حزب نداء تونس إلى سدة الحكم، خاصة وأن هذا الحزب يضم عناصر قيادية في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل (حزب بن علي) وتمكن العشرات من كوادره من الفوز في الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر الماضي. كما انتخبت زعيم "نداء تونس" الباجي قائد السبسي وهو سياسي عمل مع نظام بن علي،&رئيسا للجمهورية التونسية في نهاية 2014.

الإفلات من العقاب

ويستعرض تقرير "المحاسبة المنقوصة: أوجه القصور في محاكمات جرائم القتل أثناء الثورة التونسية"، لهيومن راتيس ووتش، الذي امتد على 52 صفحة، تحليلا للجهود التي بذلتها تونس لتحقيق العدالة للمسؤولين عن استخدام الشرطة للقوة المفرطة بين 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 و14 يناير/كانون الثاني 2011، عندما ترك بن علي السلطة وفرّ من تونس.

وقالت هيومن رايتس ووتش في بيان صحافي: "خلال هذه الفترة، قتل 132 متظاهرا وأصيب مئات الآخرين بجروح. وبلغ العدد الإجمالي للمتهمين 53 شخصا، عرضوا جميعا على المحاكمة في أواخر 2011، ومنهم وزيران سابقان للداخلية ومسؤولان ساميان في الوزارة نفسها، إضافة إلى المتهم الرئيس بن علي الذي حوكم غيابيا. وبسبب الاعتماد على تشريعات قديمة، لم تقم السلطات الجديدة بتعديلها، تمت جميع المحاكمات في محاكم عسكرية.

وقال إريك غولدستين، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "في حين أنه يجب الثناء على السلطات التونسية في سعيها لضمان محاسبة جرائم قتل المتظاهرين، إلا أن مسار العدالة عانى عيوبا خطيرة من البداية إلى النهاية. ونتيجة لذلك، لم تتحقق العدالة لعديد الضحايا رغم مرور أربع سنوات على الثورة".

واعتمد تقرير هيومن رايتس ووتش على عدد كبير من المقابلات مع محامي الضحايا وعائلاتهم، ومع ممثلين من منظومة القضاء العسكري، وعلى تحليل لوثائق المحكمة، بما في ذلك الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف العسكرية في 12 يناير/كانون الثاني 2014.

وتمت محاكمة المتهمين الثلاثة والخمسين في ثلاث محاكم عسكرية ابتدائية، ثم عرضت الأحكام على محكمة الاستئناف العسكرية.

أوجه القصور

تميزت المحاكمات حسب هيومن رايتس ووتش، بأوجه قصور متعددة ومن ذلك:

في مرحلة التحقيق فشل الإدعاء في جمع أدلة هامة، بالإضافة إلى أن القانون التونسي لا ينص على مسؤولية القيادة التي يمكن بموجبها محاسبة القادة المدنيين وقادة الشرطة وقوات الأمن على الجرائم التي يرتكبها مرؤوسوهم. إضافة إلى ذلك، تسبب الاستدلال القانوني الخاطئ في محكمة الاستئناف بتخفيف الإدانات الموجهة إلى مسؤولين سامين إلى مجرّد الإهمال الجنائي، على الرغم من خطورة الجرائم المرتكبة.

كما تسبب فشل السلطات بالضغط بشكل فعال من أجل استرجاع بن علي من السعودية، التي منحته اللجوء، في إضعاف مسار العدالة بشكل كبير. فقد نتج من ذلك حرمان الادعاء والمحاكم من مساءلة أحد المتهمين الرئيسين، وتحديد دوره وأدوار المسؤولين السامين الآخرين في جرائم القتل التي حصلت. ورغم الإصلاحات التي أدخلت على منظومة القضاء العسكري في يوليو/تموز 2011، ما زالت هناك نقائص لاعتبارها سلطة مستقلة.

في ديسمبر/كانون الأول 2013، تبنى المجلس الوطني التأسيسي القانون الأساسي المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها.

وينص هذا القانون على منظومة شاملة لمعالجة الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي حصلت في الماضي، وينشئ هيئة الحقيقة والكرامة ودوائر جنائية متخصصة يُشرف عليها قضاة حصلوا على تدريب في مجال العدالة الانتقالية للنظر في القضايا المتعلقة بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.

كما يمنح قانون ديسمبر/كانون الأول 2013 لهيئة الحقيقة والكرامة حق مراجعة القضايا المتعلقة بالانتفاضة التي نظرت فيها محاكم عسكرية، وإحالتها على الدوائر المتخصصة لإعادة المحاكمة. وهو ما يعني إمكانية إعادة محاكمة المتهمين الذين تمت تبرئتهم أو الذين انهوا عقوباتهم في الجرائم نفسها.

توصيات لتدارك الأمر

حسب هيومن رايتس ووتش، قد ينتج من إعادة فتح هذه القضايا معالجة لأوجه القصور التي شابت المحاكمات العسكرية، وبالتالي تحقيق العدالة للضحايا.

ولكن المنظمة قالت إنه يجب السماح بإعادة المحاكمات فقط إذا كانت تستجيب للمعايير الدولية المتعلقة باستثناءات إعادة المحاكمة. يُذكر أنه يُسمح بإعادة المحاكمة إذا توفرت أدلة جديدة تتعلق بمسؤولية شخص ما في جريمة معينة، أو إذا أبرزت المراجعة الدقيقة لمحاكمات سابقة أنها لم تتمتع بالاستقلالية والحياد.

قالت هيومن رايتس ووتش إنه يتعين على البرلمان التونسي تعديل المجلة الجزائية بإدراج حكم قانوني يتعلق بمسؤولية القيادة، ومنع المحاكم العسكرية من النظر في القضايا التي يكون فيها أحد المتهمين أو الضحايا مدنيا. سينتج من الحكم المتعلق بمسؤولية القيادة منع إفلات المسؤولين السياسيين والعسكريين من المحاسبة على الجرائم التي يرتكبها أشخاص يعملون تحت قيادتهم.

وقال إريك غولدستين: "يتعين على السلطات التونسية ضمان عمل آليات العدالة الانتقالية بشكل مستقل ومحايد، وإجراء تحقيقات فعالة ومحاكمات عادلة".