يتساءل مواطنون عراقيون مستاؤون من صور السياسيين، وهم مجتمعون حول طعام وشراب، حول مغزى بث تلك الصور التي تحمل أجواء ترف مفرط، في وقت يعيش فيه عراقيون بسطاء العنف والقتل والتشريد والنزوح والجوع والبرد.


عبد الجبار العتابي من بغداد: تثير صور نشرتها وسائل اعلام عراقية لمسؤولين عراقيين في اجتماعات رسمية، وهم يتحلقون حول طاولات ُملئت بمختلف الاطعمة والشراب، استغراب العراقيين المصحوب بالاستياء.

إذ يتساءل مواطنون عن معنى ذلك في الوقت الذي يعاني فيه ملايين المواطنين من الجوع والبرد والموت بسبب التشرد والنزوح عن مدنهم.

ولم يجد الكثير من العراقيين تفسيرًا لقيام المسؤولين العراقيين بعرض الطعام والشراب في اجتماعاتهم دائمًا وعرضها في وسائل الاعلام، غير عدم الاحساس بما يعانيه مواطنوهم من ظروف قاسية معربين عن حزنهم لعدم احترام هؤلاء المسؤولين لمشاعر ملايين النازحين وغضبهم من هذه الظاهرة التي يفتخر بها هؤلاء المسؤولون بأنهم السباقون في ابتكارها، والتي تؤكد شغفهم بالطعام والشراب اكثر من رغبتهم في التفكير بحل معضلات بلدهم.


نازح : لا نأكل ما يتناولون
&
ناولني احد الاشخاص واسمه خالد التقيته في شارع الرشيد وسط بغداد اثناء تظاهرة لصناعيين عراقيين صباح السبت، وقد عرف انني صحافي، الصورة وهو يسألني (بالله عليك هل هذا وضع صحيح؟).

تساءل: "الا ترى انهم لا يستحون حين ينشرون صور الطعام في اجتماعاتهم ونحن لا نجد ما نأكله؟

وحين استغربت قوله، ردّ بكونه نازحاً يعمل شيالاً في شارع الرشيد ويبحث لعائلته عن مأوى.

وزاد: "هل تصدق انني اشتهيت الطعام الذي على طاولة المسؤولين لانني اعرف أن النازحين منذ اشهر لم يتذوقوا مثل هذه الفواكه والمشروبات التي يعرضها المسؤولون على الطاولات في اجتماعاتهم".

واضاف خالد شكري وهو من نازحي محافظة كركوك: "لا اعتقد انهم يفكرون بالنازحين ولا كيف يعيشون ولا اعتقد انهم يفكرون بهم والا لما كان هذا الاهمال لنا منذ اشهر طويلة، وقد عانينا الحر والبرد ومات المئات من الناس، كنت اتمنى ان اطبع الاف النسخ من هذه الصورة واوزعها ليعرف الناس أن هؤلاء المسؤولين لا ينتمون اليهم".

جياع شبعت بطونهم

من جانبها، اكدت السيدة سمر عبدالله الخفاجي وهي موظفة، تأييدها لمقولة "ان لم تستح فافعل ما شئت"، وقالت: "هؤلاء من الذين قال عنهم الامام علي بن ابي طالب (خذ الخير من بطون شبعت ثم جاعت ولا تأخذ الخير من بطون جاعت ثم شبعت)، وهؤلاء المسؤولون من الجماعة الذين جاعت بطونهم ثم شبعت الان، لذلك هم يتباهون ويفتخرون انه في اجتماعاتهم يأكلون الفواكه ويشربون العصائر وبالتأكيد حين تنتهي الاجتماعات يذهبون ليملأوا بطونهم باللحوم والاسماك وما لذ وطاب".

واضافت: "اي نازح هذا الذي يستحي منه هؤلاء ؟ انهم لا يستحون والا ما قاموا بتصوير أنفسهم بهذا الوضع ونشرها، انا اؤمن بمقولة إن لم تستح افعل ما شئت، فهي الاكثر تعبيرًا".

دعاة كراسٍ

نبيل ابراهيم الزركوشي ، تربوي وباحث، اكد ان هذا يثبت عدم اهتمامهم بمعاناة الشعب.

وقال: "يمكن اختصار القول عن هذه الصورة بـ(أكل الحرام يميت القلب) والا كيف يمكن ان نرى اطفالاً وشيوخًا ونساء يفترشون العراء وهم يرتعدون بردًا ويتضورون جوعًا، ونرى سياسيين يسكنون فنادق خمس نجوم في العواصم العالمية ويتنزهون في البلدان وينشرون صورهم مما يدل على أن الشعب الذي اختارهم اصبح ربعه من النازحين، وهذا دليل واضح ان السياسيين لايمثلون الا انفسهم وهم دعاة كراسٍ".

واضاف: "حينما يعرضون صور الطعام والشراب في اجتماعاتهم العادية فهذا من باب انهم غير مهتمين& لما يعاني شعبهم، ودليل على انهم في وادٍ والشعب في وادٍ آخر، وانه لايوجد لديهم تصور واضح عمّا يحدث لبلدهم وشعبهم".

فساد وترف

ومن جانبه، سخر سلمان عبد وهو رسام كاريكاتير مما رأى.

يقول: "ما هذه الصورة الا قطرة من بحر، فمن يتصفح المواقع الالكترونية أو مواقع التواصل الاجتماعي سيرى سيلاً لا ينقطع من الصور الفوتوغرافية والكاريكاتيرية حول فساد المسؤولين وترفهم، بينما المواطن العادي ينوء بثقل الحياة اليومية القاهرة بمعيشته أو الخدمات، ففي الفايسبوك نقرأ الكثير من الوثائق المنشورة عن فساد اهل السلطة والتعليقات الساخرة عنهم، الا انهم سادرون في غيهم فلا يسمعون صرخات الناس المحتجة في وجوههم ولا يقرأون ما يكتب عنهم، وانا شخصيًا كنت ارسمهم كاريكاتيريًا واشخصهم عياناً، حتى انني في بعض الاحيان كنت اخشى أن أُقاضى على رسومي الا أن الامر "يعدي" ولا يلتفت له".

أضاف: "والغريب ان اغلب الساسة الآن من التيارات الاسلامية والتي من المفترض بها ان تنصف الفقير وتعتدل في كسب الامتيازات والمغانم الشخصية، لان الفقر (اذا ذهب الفقر الى قرية يقول الكفر خذني معك) أو (ما متع به غني الا وجاع الفقير) أو (عجبت ممن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الناس شاهرًا سيفه)".

وتابع: "للصورة معنى واحد انهم يتفاخرون بما لديهم فيما هنالك من لم يتذوّق من هذا الطعام والشراب منذ اشهر،& ولا اعرف سرًا غير هذا".

لا يحترمون مشاعر النازحين

من جانبه، قال الفنان محمود موسى: "في الوقت الذي يتضور فيه النازحون جوعاً وبرداً في كارثة انسانية لم يعشها ابناء الشعب العراقي منذ عقود بعيدة بسبب سيل الارهاب الداعشي الذي جرف مدنهم وأحلامهم، نرى المسؤولين في الحكومة غير جادين في ايجاد حل فوري لمعاناتهم، وعلاوة على ذلك نراهم لا يحترمون مشاعر هؤلاء النازحين من خلال التصريح العلني بثرواتهم وممتلكاتهم عبر شاشات الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي التي تنتشر عليها صورهم وموائدهم وولائمهم حتى أثناء اجتماعاتهم الرسمية وكأنهم في وليمة عرس وليس اجتماعاً رسمياً".

أضاف: "هذه الصور تكشف عن سايكولوجيا هؤلاء من سياسيي المصادفة الذين يدركون في دواخلهم أنهم طارئون على المنصب والطارئ يتصرف دائما كاللص يأخذ ما خف وزنه وغلا ثمنه".

استهزاء بمآسي الناس

الى ذلك، اعتبر الصحافي محمد الساهي ما يقوم به السياسيون "استهزاءً بمآسي الناس".

وقال: "هذه امور بسيطة، قليل من الفاكهة والعصائر والحلوى وما خفي كان اعظم، المليارات المنهوبة، والعجيب أن ارصدة المليارات لم يعد يتعامل بها الساسة وتجار الحروب بل انهم يتعاملون اليوم بالترليونات& فمن سيتذكر النازحين منهم أو الفقراء والمعدمين الذين يبحثون عن لقمة العيش وسط تلال القمامة".

واضاف: "انه استهزاء وعدم مبالاة بآلام ومأساة الناس انهم لا يشعرون بالاخرين "عديمي الاحساس" كما يتصورون، فهم في وادٍ والناس في وادٍ آخر انهم في ابراجهم العاجية لا يعرفون بما يجري في البلد وليذهب الناس الى الجحيم انهم لا يتذكرون الشعب الا وقت صناديق الانتخابات".

وتابع: "لم أرَ اجتماعات لمسؤولين في أي دول من دول العالم وهي تنشر الطعام والشراب على الطاولات الا عند المسؤولين العراقيين، فهم يريدون مع كل جملة يقولونها تناول تفاحة أو برتقالة أو موزة والادهى انهم يصورونها يعرضونها في وسائل الاعلام وكأنهم يقولون للناس وللنازحين منهم اننا نسيل لعابكم".