يبدو منظر رجال ملثمين بملابس سوداء مخيفًا حين يظهرون في مدينة زوارة الساحلية الليبية لا سيما وأن هذا الزي يرتبط بمسلحي تنظيم القاعدة "داعش" وحفلات الذبح التي يقيمها لضحاياه.

ولكن الأشخاص الوحيدين الذين يريد ملثمو زوارة تخويفهم هم مهربو البشر الذين حولوا ميناء زوارة الى مركز سيئ الصيت لعبور المهاجرين البحر المتوسط في رحلة محفوفة بالأخطار. &

ففي السنوات الثلاث الأخيرة وحدها أبحر عشرات الآلاف من شواطئ زوارة بوصفها النقطة الأقرب الى جزيرة لامبدوزا الايطالية على ساحل ليبيا الذي يمتد 1600 كلم.

كما ارتبط اسم المدينة بعدد من اسوأ الكوارث المأسوية ، بينها غرق 800 شخص في نيسان/ابريل.

وبعد ان شعر الملثمون بالحيف إزاء الضرر الذي اصاب سمعة مدينتهم واليأس من مساعدة اوروبا ، قرروا ان يأخذوا الأمور بأيديهم معلنين الحرب على العصابات التي يقولون انها حولت زوارة الى مركز كبير للمتاجرة بالبشر.

وقال آدم ابزا المتحدث باسم فصيل المتطوعين من الرجال الملثمين لصحيفة الديلي تلغراف "ان العالم ينظر الى زوارة على انها رمز للتهريب ولكننا الآن رمز للكفاح ضده ايضا". واضاف "ان اوروبا لن تجد مهاجرا واحدا غير قانوني من زوارة في البحر المتوسط الآن. ولكننا نقوم بمهمة يجب ان تقوم بها اوروبا في الحقيقة".

وقد لا يرتدي الرجال الملثمون الذي اسمهم الرسمي "فرقة التدخل المتخصصة" ملابس جهاز فورنتيكس الاوروبي ولكنهم من الآمال القليلة المتبقية لدى أوروبا في ضبط الساحل الليبي الطويل.

وكانت السفارات الغربية انسحبت من العاصمة طرابلس وفي الشرق يخفق علم "داعش" في مدينة سرت الساحلية. وللوصول الى زوارة بالسيارة يتعين السير على طريق اصبح ساحة للنزاعات القبلية المسلحة وأعمال الخطف.

وحتى فصيل الرجال الملثمين البالغ عددهم 130 مسلحا لا يسيطر على منطقته سيطرة كاملة. &وكان الفصيل شُكل ليكون قوة أمنية من المتطوعين في زوارة عام 2012 وهم الآن القوة الرئيسية لمكافحة الجريمة في المدينة في غياب الشرطة النظامية.

ومن اسباب بقائهم ملثمين حماية أنفسهم من انتقام عصابات التهريب القوية في زوارة التي تعمل من منطقة الميناء منذ ايام القراصنة البربر سوى ان حمولتهم البشرية اضافة من القرن الحادي والعشرين الى تجارة تطورت على مر القرون من التوابل الى العبيد مرورا بالسلاح وتهريب النفط والسجائر.

ولكن اهالي زوارة لا يعتقدون كلهم ان عصابات التهريب مشكلة اوروبا وحدها بل اثارت نتائج هذه التجارة المميتة حفيظة الكثير منهم بمن فيهم ناشطون شباب ساهموا في ثورة 2011 ضد نظام القذافي.

وقال ايوب سفيان (28 عاما) احد مؤسسي فصيل الرجال الملثمين "ان مشهد الجثث الطافية على الشاطئ كان مشهدا مدمرا وطريقة محزنة جدا لرؤية انسان مثلي". واشار الى ان رجاله التقطوا صورا للجثث المصفوفة على الشاطئ وطبعوها في ملصقات ليرى الأهالي ما يجري، وقد أثار ذلك غضبهم.

واضاف سفيان "انهم لا يذكرون زوارة لأننا المدينة الوحيدة التي اعترفت بالمشكلة ولكن إذا لم تعترف بالمرض لن تجد له علاجا ابدا".

ولكن الرجال الملثمين اكتشفوا ان المهمة تفوق امكاناتهم المتواضعة عندما حاولوا معالجة المشكلة أول مرة في اواخر 2013. &فالمهربون الذي اعتقلوهم افلتوا من القضاء بدفع الرشاوى والأكثر من ذلك انهم وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها مسؤولين عن آلاف المهاجرين الذين أبقتهم العصابات في ظروف مزرية بينهم نساء حوامل واطفال، وبعضهم ارسلتهم عائلاتهم بمفردهم.

وقال ابزا ان العصابات اصبحت أقوى وأكثر ظهورا يقودون سياراتهم المليئة بالمهاجرين علنا في الشوارع. &واضاف ان العصابات اخذت تشتري بيوتا جميلة وسيارات فارهة ويتباهى افرادها بارتياد مطاعم فاخرة والمسدسات تتدلى من وسطهم.

ولكن موازين القوى تغيرت ضد المهربين قبل شهرين عندما غرق قارب آخر وأسفر عن 189 جثة رمتها الأمواج على الشاطئ. وفي اليوم التالي اعتقل الرجال الملثمون ثلاثة من قادة العصابات قائلين ان اعتقالهم دشن مرحلة جديدة رغم عدم وجود محكمة موثوقة تقاضيهم.

وقال نائب عميد بلدية زوارة صادق نانيس "اننا بعد هذا الحادث المحزن اتخذنا عهدا على انفسنا كمدينة وقلنا ان هذا لن يحدث مرة اخرى ابدا".

ولكن مشككين يدَّعون ان دور الرجال الملثمين ليس أكثر من علاقات عامة أو انهم سيزيحون تجارة تهريب البشر الى مراكز منافسة مثل زلتين القريبة حيث عُثر مؤخرا على 40 جثة. &كما يتعين اقناع مسؤولي الاتحاد الاوروبي الذين يجرون محادثات مع ممثلي سكان زوارة دون ان يقدموا لهم أي مساعدة.

ولكن صدق رجال مثل نانيس صدق لا يتطرق اليه الشك لا سيما وانه الموظف المسؤول عن التعرف على جثث الضحايا وجمعها. وتكفي الاشارة الى انه التقط نحو 550 جثة خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية. &وتسري شائعات الآن في المدينة حول ما إذا كان أكل السمك ما زال مأمونا إزاء ما كانت تتغذى عليه الأسماك.

وقال نانيس "بعد فترة هذه الوظيفة تقتلك وتبدأ تشعر بشيء من انعدام العاطفة ولكني حتى الآن كلما ارى جثة أشعر بالغضب وأتخيل من كان والدهم أو من كانت والدتهم أو ازواجهن أو زوجاتهم. &رأيتُ مئات الآن ولكن الغضب ما زال موجودا في كل مرة".