يسعى فلاديمير بوتين إلى ضرب كل العصافير، الاقليمية والدولية، بالحجر السوري، مقدمًا نفسه سيد الحلول السياسية، وسيد الحرب على الارهاب في آن معًا، لكنه لا يستطيع الاستمرار من دون دعم أميركا... فهل يستطيع استدرجها إلى خندقه في سوريا؟

إعداد عبد الاله مجيد: على غير عادته، إلتزم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جانب الصمت خلال الأيام الأخيرة. وبالرغم من مرور أكثر من أسبوعين على تحطم طائرة الركاب الروسية في سيناء، نتيجة اعتداء بحسب ما تشير الأدلة المتزايدة، فإنه لم ينبس بكلمة عن امكان الرد أو توجيه ضربات جوية انتقامية. وعندما علقت روسيا رحلاتها الجوية إلى مصر، ترك بوتين القرار بيد رئيس استخباراته.

يقول مراقبون إن بوتين بدا كأنه يريد وضع أوسع مسافة ممكنة بينه وبين الحادث، لمنع إقامة أي علاقة بين تدخل روسيا العسكري في سوريا ومقتل 224 شخصًا كانوا على متن الطائرة المنكوبة. فهو لا يريد أن يُنظر إليه على أنه الرئيس الذي اتردّت مغامرته السورية عليه، والذي حوّل شعبه هدفًا للارهابيين.

وبالرغم من عدم وجود احتجاجات داخلية ضد التدخل الروسي في سوريا، فإن بوتين يتعرض لضغوط ترتبط بامكان تحطم الطائرة في هجوم إرهابي. وإذا تأكد أن جماعة ترتبط بتنظيم (داعش) في سيناء تمكنت من تهريب عبوة ناسفة إلى الطائرة، فسيجد بوتين صعوبة في عدم التحرك ضد منفذي الهجوم... لذا بقي صامتًا، ربما لكسب الوقت.

توتر ملموس

لكن روسيا تعيش أجواء متوترة بسبب هواجس الروس تجاه تدخل بوتين المباشر في سوريا. ولن تجدي التقارير التي يشاهدونها يوميًا على شاشة التلفزيون، مستعرضة نجاح العملية الروسية، نفعًا في تغيير هذا التوتر. فهجوم قوات الأسد لا يحقق تقدمًا يُذكر رغم الاسناد الجوي الروسي الكثيف. كما ازداد توتر الروس بعد التقارير التي تحدثت عن تسلل 18 انتحاريًا إلى بلدهم لتنفيذ هجمات ارهابية. وتحسبًا لذلك، كثفت السلطات اجراءاتها الأمنية في الأماكن العامة والمراكز التجارية الكبيرة في عموم البلاد.

ولعل التحديات التي تواجه القوى الدولية اليوم أوجدت أرضية صالحة للقيام بمحاولة جديدة هدفها تفعيل الجهود الرامية إلى ايجاد تسوية سياسية في سوريا عن طريق المفاوضات. وحصلت شبيغل على وثيقة سرية تبين أن الكرملين مع هذا الحل.

تطرح الوثيقة السرية استراتيجية بوتين في سوريا في خمس نقاط، وتقول شبيغل إن بوتين أعد الوثيقة بنفسه، بمشاركة مستشاريه، بعد فترة قصيرة على زيارة بشار الأسد لموسكو في 21 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي.

ولا تحمل الوثيقة تاريخًا أو توقيعًا، لكنها تتناول التوصل إلى تفاهم مع الغرب. ويحدد بوتين في الوثيقة "منع الارهابيين من السيطرة على الحكم في سوريا" بوصفه الهدف الرئيس، مشددًا على ضرورة بقاء سوريا "دولة ذات سيادة تحتفظ بسلامة أراضيها الاقليمية"، وبقائها "دولة علمانية وديمقراطية". وترى موسكو أن هذا هدف تشترك فيه مع الغرب، بالرغم من أن سوريا تحت الأسد أبعد ما تكون عن الدولة الديمقراطية في الوقت الحاضر كي يُحافظ عليها.

التخلي عن الأسد ممكن

تشير الوثيقة إلى أن الرئيس الروسي يأمل ببدء عملية التفاوض وصولًا إلى "اجراء انتخابات وتعديل الدستور، بما يؤدي إلى اقامة توازن عادل في حقوق وواجبات سائر الجماعات الاثنية والدينية". كما يجعل الكرملين غير مصر على التمسك بالأسد قائدًا لسوريا، وبذلك ابداء انفتاح لافت على واحد من أكبر مطالب القوى الغربية وحلفائها.

وفي وثيقة ثانية ظهرت أخيرًا، قدم الدبلوماسيون الروس صيغًا ملموسة بشأن الحل لمحادثات فيينا حول الأزمة السورية. وبحسب الوثيقة، الدستور الجديد يجب أن يُطرح لاستفتاء شعبي في غضون 18 شهرًا، ثم الدعوة إلى انتخابات برلمانية كان من المقرر أن تُجرى في ربيع 2016، لكن الوثيقة تقترح تأجيلها ثم اجراءها في وقت واحد مع الانتخابات الرئاسية بعد الموافقة على الدستور.

ما لا تتطرق اليه الخطة هو كيف يمكن اجراء استفتاء وانتخابات في بلد منقسم ومدمَّر يعيث فيه المتطرفون ارهابًا. لكنّ الوثيقتين توضحان أن لدى بوتين رغبة متزايدة في ايجاد حل سياسي للقضية السورية، وانه يريد ايضًا استخدام المفاوضات لإعادة نفوذه وموقعه في المجتمع الدولي.

روسيا عظمى

تقترح الوثيقة عقد مؤتمر دولي حول سوريا برعاية الأمم المتحدة. وإذا نجحت روسيا في تمرير اقتراحها فانها ستُري العالم أجمع انها استعادت مكانتها كقوة دولية كبرى، وسيُنظر إلى بوتين على انه رجل الدولة الذي انقذ سوريا. ويستطيع حينذاك أن يأمل برفع العقوبات الغربية وصرف انتباه الداخل عن هدفه في ابقاء اوكرانيا ضمن دائرة النفوذ الروسي.

ليس معروفًا بالطبع إذا كان بوتين سيحقق كل هذه الأهداف، لكنه كان يراهن على استدراج الرئيس الاميركي باراك اوباما إلى الاتفاق معه كما فعل قبل عامين حين اطلق مبادرته تدمير ترسانة النظام السوري من الأسلحة الكيماوية. ويبدو أن رهانه كان خاسرًا كما يتضح من كلمة اوباما امام الجمعية العامة للأمم المتحدة في ايلول (سبتمبر). فإن مواقف بوتين واوباما متباعدة بشأن الأزمة السورية ومن دون دعم اميركي لن يتمكن بوتين من تنفيذ استراتيجيته.

تقول وثيقة الكرملين الاستراتيجية: "ثمة اجراءات يجب أن تُتخذ بموجب القرار 2199 الصادر عن مجلس الأمن الدولي لوقف تجارة داعش غير القانونية بالنفط وتحرير حقوق النفط التي سيطر عليها الارهابيون".

مجموعة دعم سوريا

ونقلت شبيغل عن الخبير الروسي بشؤون الشرق الأوسط فلاديمير اساييف قوله: "هذا يعني أن على اميركا أن تضغط على تركيا، شريكها في حلف الأطلسي، لمنع داعش من الاستمرار في بيع النفط الذي يُهرب عن طريق تركيا".

ويبدو أن بوتين يعتقد انه سيكون قادرًا على اقناع دول المنطقة السنية بدعم خطته رغم تحالفه مع ايران ونظام الأسد الذي سلم مؤسسات الدولة الحساسة واجهزتها الأمنية إلى انصاره من العلويين في الغالب.

وعمل بوتين على تحسين علاقاته مع السعودية ومصر والاردن وتركيا. كما يبدو مستعدًا لانهاء مقاطعته "مجموعة اصدقاء سوريا" التي تضم هذه الدول. وتقترح الوثيقة السرية اطارًا جديدًا باسم "مجموعة دعم سوريا"، تضم إلى جانب روسيا الدول الأخرى دائمة العضوية في مجلس الأمن والدول الرئيسية في الشرق الأوسط والاتحاد الاوروبي والمانيا.

لكن مثل هذه المشاريع لن تغيّر من حقيقة واضحة، وهي أن هناك 50 مقاتلة ومروحيات وقوات نخبة روسية في سوريا. كما لا يُعرف إذا كان التدخل الروسي سيبقى في هذه الحدود أو أن بوتين سيقرر وضع قوات برية في الميدان. ويقول المحلل اساييف: "تعلمنا الدرس في افغانستان ونستخدم الأسلحة لدفع الحل السياسي".