يقرّ مسؤولون في ألمانيا أن قدرات تنظيم داعش الدعائية على الانترنت كبيرة، ومؤثرة لاسيما على الشباب، فيما يرى خبراء أن الغرب يفتقد إلى خطط إستراتيجية ناجعة لمواجهة هذه الدعاية.


إعداد ميسون أبو الحب: منذ شباط/فبراير الماضي، وبعد أسابيع قليلة من الهجوم على مجلة "شارلي إيبدو" في باريس، هدد تنظيم داعش دولًا عديدة، منها الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وفرنسا وألمانيا.

طوارئ حدودية
وبعد هجمات الجمعة الدامية في باريس، يعتقد خبراء في الأمن الألماني أن أي شيء قد يحدث، وفي أية لحظة، وقامت ألمانيا بتكثيف عمليات التفتيش على حدودها، وداخل محطات القطارات وفي المطارات والأماكن الأخرى المحتملة.

المكتب الفيدرالي لحماية الدستور (BfV)، وهو جهاز الأمن الداخلي في ألمانيا، بدأ يركز على حوالى 420 شخصًا ترد أسماؤهم ضمن لوائح المتطرفين الإسلاميين الخطرين، كما تم تشديد الرقابة على المجاميع السلفية وشبكاتها إلى أقصى حد ممكن.&

غير أن أجهزة الأمن اضطرت إلى الإقرار بأنها تواجه صعوبات في مجالات أخرى، إذ هلل البعض لهجمات فرنسا على مواقع انترنت باللغة الألمانية، وتبادل متطرفون صور قتلى ومواطنين مصدومين على سناب تشات وعلى تويتر.&&

استنساخ التجربة
يبدو أن لتنظيم داعش تأثيرًا كبيرًا على عالم مواقع التواصل الاجتماعي، وهناك مخاوف الآن من تطرف أكبر لدى الإسلاميين الألمان، نتيجة لهجمات باريس، إلى درجة إنهم قد يخرجون من العالم الافتراضي إلى العالم الحقيقي.

ورأى هولغر مونش رئيس مكتب الفيدرالي للشرطة الجنائية (BKA) أن هجمات باريس قد تكون نموذجًا يدفع البعض إلى وضع خطط مشابهة في ألمانيا، مضيفًا أن ردود الفعل التي لوحظت على الانترنت تثير الكثير من القلق.

ظهر هذا الخوف واضحًا بعد ظهر الثلاثاء عندما تم اعتقال مشتبه فيهم في مدينة صغيرة قرب آخن في غرب ألمانيا، ثم عند إلغاء لعبة لكرة القدم بين ألمانيا وهولندا مساء اليوم نفسه، وفي اللحظة الأخيرة بعدما تلقت السلطات إخبارية عن احتمال وقوع هجوم.

تسخير واستغلال
ويرى خبراء في BKA وفي جهاز المخابرات الفيدرالي BND وفي BfV أيضًا أن هذا هو هدف تنظيم داعش في الواقع، وهم يستغربون للكيفية التي يستخدم بها الإسلاميون الذين يعيشون في العصر الحجري، القنوات الرقمية المتوافرة.&&&&

ومن المعتقد أن للإسلاميين ومؤيدي تنظيم داعش والداعين إليه ما يقارب من 46 ألف حساب على تويتر. هناك أيضًا ما يقارب من ألف شريط فيديو أصدره التنظيم، يتم تداولها على الانترنت، يعرض بعضها عمليات قطع رؤوس وإعدام جماعي وذبح وقتل، ويعرض بعضها الآخر أطفالًا سعداء في المدارس ومزارعين فرحين وعناصر شرطة مرور يهتمون بتنظيم سير المركبات. وترى صحيفة دير شبيغل أن أشرطة الفيديو الأخيرة تجذب المتطوعين أكثر من أشرطة القتل والذبح والمعارك وما شابه.

متابعة أمنية
ولاحظت أجهزة الأمن الألمانية ارتفاع عدد السلفيين في ألمانيا منذ إعلان تنظيم داعش دولة الخلافة الإسلامية في حزيران/يونيو من عام 2014. ومن المعتقد أن عددهم اليوم 7900 شخص، ينشطون داخل أكثر من 100 شبكة، تضم كل منها ما بين 10 إلى 80 شخصًا.

وفي غالب الحالات تؤثر رسائل التنظيم على الانترنت في شباب ضائعين، لا يعرفون ماذا يفعلون في حياتهم، وقد حدث ذلك في عدد من أحياء برلين وفي مناطق متفرقة أخرى قرب فرانكفورت، ثم في لوهبيرغ في شمال غرب مدينة دنسلاكن، ثم في تانينبوش، التي غادرها ما لا يقلّ عن 750 شخصًا، وتوجهوا إلى سوريا والعراق، وعاد منهم الثلث.

الحالات كثيرة والقضايا عديدة، وقد تضاعف عددها منذ آذار/مارس الماضي، لاسيما تلك المتعلقة بسوريا والعراق. حتى الأشخاص الذين لم يذهبوا إلى الشرق الأوسط بدأوا يخضعون لمراقبة مشددة منذ الأسبوع الماضي، وبعد هجمات باريس في الحال. وأصبحت الشرطة تتحقق بشكل مستمر من أماكن تواجد المتطرفين المعروفين، وراح رجال شرطة يزورون إسلاميين ينظر إليهم على أنهم يمثلون خطرًا محتملًا لجعلهم يدركون أنهم يخضعون للمتابعة.

بدائل دعوية
لكن من غير المعروف ما مدى نجاح هذه التكتيكات لو قورنت بتأثير إغراءات داعش. يقول علي صوفان، وهو عميل سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة، "داعش هي أول مجموعة أدركت ما يمكنها تحقيقه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي".

ويعتقد أحمد منصور، وهو عالم نفس في برلين وإسلامي سابق، نشر أخيرًا كتابًا تحت عنوان "جيل الله: لماذا علينا إعادة التفكير في طريقتنا في مكافحة التطرف الديني"، يقول إن الكثير من المسلمين الشباب يحصلون على معلوماتهم عن الإسلام عن طريق الانترنت، فهم يعيشون في مجتمع رقمي موازٍ، حلت فيه مواقع فايسبوك وتويتر وسناب تشات محل التجمعات في المساجد.

لا تزال هناك جوامع في برلين يتجمع فيها الناس، وتلقى فيها الخطب، ولكن ذلك يحدث بحضور عدد معيّن فقط، وفي أوقات محددة. أما على الانترنت فكل هذه الأمور متوافرة وعلى مدار الساعة. ويقول منصور "قد تبدو معتقدات السلفيين وكأنها من العصر الحجري، ولكنهم رواد في مضمار الدين الرقمي". وهم أيضًا يؤدون مهام منظمات اجتماعية من خلال جذبهم شبانًا ضائعين، لا هدف واضحًا أمامهم في الحياة، حسب رأي منصور.

حاضنة تكبر
من جانب آخر، تمكن تنظيم داعش من طرح نفسه كعلامة عالمية، له صورته الخاصة وشعاره. وذكرت صحيفة دير شبيغل الألمانية أن سياسيي الغرب عجزوا عن الوقوف في وجه حملة داعش المهنية والعالمية واللامركزية.

ففي أيلول/سبتمبر 2014 قال مسؤولون ألمان في وزارة الداخلية إنه من الضروري الإقرار بأن هناك نوعًا من الثقافة الشعبية، التي تمجّد الدولة الإسلامية، آخذة في التطور في ألمانيا. في ذلك الوقت أصدر وزير الداخلية توماس دو ميزيير قرارًا بمنع نشاطات مؤيدي تنظيم داعش في ألمانيا، محذرًا من عقوبات بالسجن لسنوات طويلة، وهنا بدأ مستخدمو الانترنت الإسلاميون ينشرون، ثم يحذفون ويلغون.

لكنّ المسؤولين يعرفون أيضًا أن كل شيء ينشر على الانترنت، يبقى على الانترنت، وأي شيء قد يحذف على فايسبوك، قد يظهر مرة أخرى على سناب تشات أو دياسبورا أو مواقع أخرى. أضف إلى ذلك أن خدمات الماسنجر تنكد حياة السلطات، لاسيما تطبيق تلغرام، الذي وضعه أخوان روسيان، هما نيكولاي وبافل دوروف.

تقول الشركة، التي يوجد مقرها في برلين، إنها تمنع نشر محتوى إرهابي، ويظهر أن الموقع لم ينشر أي رسالة من تنظيم داعش حتى الأسبوع الماضي، عندما بدأت تظهر صور لإسلاميين يوزّعون الحلوى في شوارع سوريا احتفالًا بهجمات باريس.

وعند سؤالهم عن هذا الأمر، قال مسؤولو وزارة الداخلية "السلطات الأمنية تجري تحقيقات". ويوم الأربعاء، أعلن واضعو التطبيق أنهم منعوا عشرات المنشورات التابعة لداعش وأنهم يعملون على تسهيل اعتراض المستخدمين على محتوى يثير استياءهم.

خطط فاشلة
يلاحظ مسؤولون أن دعاية تنظيم داعش تؤثر بشكل كبير على صغار السن، حيث أوقفت السلطات خلال الصيف الماضي صبيًا في الثالثة عشرة من العمر، كان يبحث عن شخص يقتاده إلى سوريا، ويبدو أنه كان يتلقى رسائل على تطبيق واتس آب يتضمن دعاية لداعش. وحاليًا تحاول السلطات إيجاد أفضل الوسائل لمنع صغار السن ومراهقين من السقوط في فخ التطرف.

وكانت الخطة المعهودة تقوم على محاولة توعية هؤلاء الشباب الصغار من دون تأثير يذكر. أما الآن فتجري محاولات للبحث عن شهود عيان في مختلف أنحاء أوروبا من المقاتلين السابقين، الذين اكتشفوا الحقيقة، وعادوا من الشرق الأوسط، على أمل أن يعطوا شهادات حقيقية عن الحياة اللاإنسانية تحت حكم تنظيم داعش.

لكن المشكلة هي أن غالب هؤلاء، ورغم ندمهم على المشاركة في القتال في سوريا والعراق، لم يطوّروا أي نوع من الحب للدول الأوروبية التي جاؤوا منها. وتسعى السلطات إلى استخدام وسائل أخرى، مثل نجوم يوتيوب الجدد، الذين يتمتعون بشعبية واسعة بين الشباب، غير أن الباحث في شؤون الجهاديين في فيينا نيكو بروشا يعتقد أن هذه الوسائل لن تكون ذات فائدة كبيرة، ولاحظ أن الغرب لا يملك إستراتيجية حقيقية لمكافحة أيديولوجيا تنظيم داعش.