توجّهت ليلى إلى الشخص الذي اتهمها بالإرهاب بسبب ارتدائها الحجاب، بالقول "لن أتبادل الشتائم معك، لأن الحجاب الذي أرتديه يمثّل المحبة والمساواة والتسامح".


جواد الصايغ: درجات الحرارة تنخفض بشكل سريع، نيويورك بانتظار تساقط الثلوج، التي وعلى غير عادتها، تأخرت هذا العام عن أعظم مدينة في العالم. عقارب الساعة تشير إلى السادسة مساء، وربة المنزل تسعى جاهدة إلى إنجاز طعام العشاء قبل التئام شمل العائلة.

عائلة أميركية من أصل مصري، تقطن في منطقة باي ريدج في بروكلين، جرت العادة أن يلتقي أفرادها عند السابعة مساء، الوالد والوالدة وليلى ونهى، وسامر، أصبح موعد اللقاء من الثوابت الأساسية، فالجميع يخرج إلى عمله صباحًا، ليعود في المساء محمّلًا بحكايات النهار الطويل.
&
زمن داعش وترامب
الصبيتان (ليلى ونهى)، ترتديان الحجاب منذ الصغر، لم يسبب هذا الموضوع، وعلى مر سنوات، أي مشاكل بالنسبة إلى العائلة المتدينة في المدينة، ولكن في عصر داعش ودونالد ترامب، بات لزامًا على الصبيتين، توخي الحذر الدائم، لأن الخطاب العنصري إندمج مع الأعمال الإرهابية، والإنعكاسات السلبية للأمرين، يدفع ثمنها عادة من ليست له ناقة ولا جمل.
&
ليلى التي تواظب على الحضور يوميًا إلى مقر عملها، في إحدى المؤسسات التجارية في منطقة ستاتن إيلند، سرقت أضواء اللقاء العائلي في تلك الليلة، بعدما عادت إلى منزلها وعلامات الخوف بادية على وجهها. فمن وجهة نظرها، واجهت أصعب مواقف حياتها، بعدما وجّه إليها أحد الأشخاص أفظع الإتهامات، ووصفها بـ"الإرهابية" التي تنوي تخريب البلاد، أمام مرأى ومسمع حشد من زبائن المؤسسة.
&
رفض التعامل
أخبرت الصبية ذات التسعة عشر عامًا عائلتها بما حدث معها، وأشارت إلى "أن مديرة القسم الذي تعمل فيه طلبت منها مساعدة أحد الزبائن، بغية إنهاء معاملاته، وعلى الفور توجّهت إلى الشخص المعني، وعرّفته بنفسها، فما كان منه إلا أن أدار وجهه، وتمتم بداية بكلمات غير مفهومة، فأعادت الكرة، ولكنه التفت إليها، وطلب منها المغادرة رافضًا التعاون معها، وأبلغها بوجوب قدوم موظف آخر بدلًا منها".
&
لم تيأس ليلى، وحاولت مجددًا تلطيف الأجواء، وعرض المساعدة، غير أن الرجل استشاط غضبًا، وتوجّه إليها قائلًا: "لا أريد من إرهابية أن تساعدني، تقتلوننا وتعرّضوننا للمخاطر، ثم تعرضون المساعدة".

الصبية لم تتمالك نفسها، فأجهشت بالبكاء، وأصيب الجميع بحالة ذهول، صراخ الزبون دفع بمديرة ليلى إلى القدوم على وجه السرعة، للاستقصاء عن الذي حدث، وعندما علمت بحقيقة الموضوع، أخبرته بأنها ستتقدم بشكوى إلى الشرطة، في حال امتناعه عن تقديم الإعتذار للموظفة.
&
محبة وتسامح
رضخ الرجل للشرط المفروض، وعندما تقدم نحو ليلى لتقديم اعتذاره، قالت له: "لن أتبادل الشتائم معك، لأن الحجاب الذي أرتديه يمثل المحبة والمساواة والتسامح، ويحتم عليها عدم الإنجرار إلى مثل هذه المتاهات". وأضافت، "لا أريد منك الإعتذار، وأنا أسامحك، لأن ديننا ينادي بالتسامح والعدل والإنسانية".
&
لم تكد العائلة تستفيق من الصدمة، بعد سماعها ما حدث، حتى أكملت ليلى رواية يومها الصعب. مضيفة: "بعد انتهاء دوام العمل، وأثناء توقفي على إشارة ضوئية، رفض سائق سيارة كنت قد توقفت خلفها، إفساح المجال لي للمرور، وبعد مرور ثوان عدة، نزل من سيارته متوجّهًا نحوي، وضرب بكفه على زجاج سيارتي، وقال لي: لماذا لا تعودين إلى بلادك، أليس هذا أفضل لك ولنا؟".
&