في الجزء الثاني من تقرير سيمور هيرش الذي نشرته "لندن ريفيو اوف بوكس" الاسبوعية، يركّز الكاتب على روسيا وعلى الصين وعلى المعارضة داخل المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة لسياسة إدارة باراك أوباما في سوريا.


ميسون أبو الحب: أعطى تقرير الكاتب هيرش امثلة تظهر ان العلاقات بين العسكريين بين الدول تتجاوز العلاقات الاعتيادية المعلنة. فمثلا، ساعدت الولايات المتحدة روسيا في تأمين ترساتها النووية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وفي تأمين اليورانيوم الذي كان في مستودعات في كازاخستان.

إقرأ أيضا

بين عداء وتعاون وفرض شروط ومطالب (1-2)
معلومات جديدة عن العلاقات الأميركية السورية

روسيا من جانبها منحت حق المرور لطائرات شحن اميركية خلال الحرب الاميركية في افغانستان كما وفر الجيش الروسي معلومات عن اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة وعن مكان وجوده وساعد الولايات المتحدة في التفاوض على حقوق استخدام قاعدة جوية في قرغيزستان.

وعادة ما يكون القادة الكبار في هيئة الاركان الاميركية المشتركة على اتصال بنظرائهم الروس خلال حرب سوريا وعلى اعلى المستويات.

روسيا تعرفهم

وذكر التقرير ان في امكان المؤسستين العسكريتين الروسية والاميركية تقديم الكثير احداهما للاخرى على صعيد مواجهة تنظيم داعش ثم ذكر بأن العديد من قيادات داعش وكوادرها سبق ان حاربوا روسيا في الشيشان ثم نقل عن المستشار السابق في هيئة الاركان الاميركية المشتركة قوله "روسيا تعرف قيادة داعش. أما نحن فلدينا مدربون فاخرون لهم تجربة كبيرة في تدريب مقاتلين اجانب وهو ما لا تملكه روسيا".

وذكر الكاتب ان الولايات المتحدة وروسيا لهما المواقف نفسها إزاء كوابيس الارهاب غير ان ادارة اوباما تواصل شجب الدعم الروسي للاسد.

وعبر دبلوماسي بارز متقاعد كان يعمل في السفارة الاميركية في موسكو عن تعاطفه مع معضلة اوباما كقائد للتحالف الغربي المعارض للعدوان الروسي على اوكرانيا إذ قال "اوكرانيا قضية مهمة وسياستنا تجاه روسيا غالبا ما تفتقد الى التماسك. ولكن، لا يتعلق الامر بنا في سوريا بل بالتأكد من ان الاسد لا يخسر. الحقيقة هي ان بوتين لا يريد ان تنتشر الفوضى الى الاردن او لبنان كما حدث مع العراق ولا يريد ان تسقط سوريا في النهاية بيد داعش. ولكن ما فعله اوباما وأضر بجهودنا لانهاء القتال هو قوله إن على الاسد ان يرحل كشرط للتفاوض".

موت القذافي

وشرح الدبلوماسي وجهة نظر اخرى يعتبر أنها تقف وراء تدخل روسيا لصالح الجيش السوري وقال ان بوتين لا يريد ان ينتهي الاسد كما انتهى القذافي.

الدبلوماسي اضاف انه سمع ان بوتين شاهد شريط الفيديو الذي صور كيف قتل القذافي ثلاث مرات.

وقال المستشار إن لدى المخابرات الاميركية معلومات ان بوتين ارتعب لنهاية القذافي وقال "بوتين لام نفسه لتخليه عن القذافي وعدم اداء روسيا دورا مهما خلف الكواليس في الامم المتحدة عندما ارادت الدول الغربية ان تحصل على موافقة لتوجيه ضربات ضد النظام. ويعتقد بوتين الان انه إن لم يلتزم بشار فسيواجه الاخير المصير نفسه ما يعني نهاية حلفاء روسيا في سوريا".

روسيا

يؤكد المسؤولون الاميركيون ووسائل الاعلام بشكل مستمر ان الضربات الروسية تستهدف جحافل "المعارضة المعتدلة" فيما يقول الروس انهم يضربون كل الجماعات المعارضة التي تهدد استقرار سوريا بما فيها تنظيم داعش.

وقال مستشار الكرملين لشؤون الشرق الاوسط في مقابلة صحافية ان الدفعة الاولى من الضربات الروسية استهدفت تعزيز الامن حول القاعدة الروسية الجوية في اللاذقية وبعد ذلك انتقل القصف تدريجيا الى مناطق الجنوب والشرق مع تركيز على مناطق تنظيم داعش.

ونقل كاتب المقال عن المستشار السابق في هيئة الاركان الاميركية المشتركة قوله إن الطائرات الروسية بدأت تطير قرب الحدود التركية وتشوش على رادارات تركيا. والرسالة هنا حسب قوله "سنحلق بطائراتنا المقاتلة اينما شئنا ومتى ما شئنا وسنشوش على راداراتكم. إياكم أن تتحرشوا بنا". واضاف المستشار إن بوتين اراد للاتراك أن يدركوا مع من يتعاملون.&&

ولم يحدث شيء على طول فترة التدخل الروسي حتى 24 تشرين الثاني (نوفمبر) عندما اسقطت طائرات اف 16 تركية طائرة روسية دخلت المجال الجوي التركي لـ 17 ثانية فقط.

وفي الايام اللاحقة عبر اوباما عن دعم إردوغان قائلا إن إدارته "ملتزمة تماما بأمن تركيا وسيادتها" ثم انتقد روسيا قائلا إن روسيا تستهدف جماعات معارضة تساندها الولايات المتحدة واضاف "علينا الا نخدع انفسنا بالقول إن روسيا بدأت تضرب اهداف داعش فقط فهذا لا يحدث الان ولم يحدث على الاطلاق ولن يحدث في الاسابيع القليلة المقبلة".&

معتدلون؟

ويقول الكاتب إن مستشار الكرملين لشؤون الشرق الاوسط حاله في ذلك حال هيئة الاركان المشتركة ووكالة المخابرات التابعة لوزارة الدفاع ينفون كلهم وجود معتدلين ويعتبرونهم جماعات& اسلامية متطرفة تقاتل الى جانب جبهة النصرة وداعش وذكر بقول بوتين في خطاب في تشرين اول (اكتوبر) الماضي "لا حاجة للعب بالكلمات وتقسيم الارهابيين الى معتدلين وغير معتدلين".

من جانبهم، يعتبر كبار العسكريين الاميركيين انهم ميليشيات مجهدة ومتعبة مجبرة على التفاهم مع جبهة النصرة او مع داعش من أجل البقاء.

وفي نهاية 2014، قال جورغن تودنهوفر وهو صحافي الماني سمح له بقضاء عشرة ايام في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش في العراق وسوريا والتجول فيها، قال في مقابلة مع سي ان ان ان عناصر داعش "يسخرون من الجيش السوري الحر. ولا يحملونهم محمل الجد ويقولون إنهم افضل من يبيعهم الاسلحة وإنهم ما إن يحصلوا على سلاح جديد حتى يبيعونه لهم".

واضاف الصحافي بالقول إن عناصر داعش لا يحملونهم على محمل الجد ولكنهم يحملون الاسد على محمل الجد وكذلك القنابل. وقال ايضا إنهم لا يخافون من اي شيء مؤكدا أن الجيش السوري الحر لا يؤدي اي دور.

الطائرة الروسية

وقال هيرش في مقاله ايضا إن الإعلام الاميركي واجه الحملة الروسية في سوريا بسلسلة مقالات ضد روسيا فيما قال سفير اوباما الى روسيا بين 2012 و 2014 مايكل ماكفول إن حملة روسيا تضرب "الكل ما عدا الدولة الاسلامية". ولكن الكاتب نبه الى نقطة أخرى وهي "لماذا استهدف تنظيم داعش طائرة روسية مدنية بركابها وطاقمها إن كانت روسيا تهاجم المعتدلين السوريين فقط؟".

وقال الكاتب ايضا إن هناك اربعة عناصر لا تزال تتضمنها سياسة اوباما في سوريا: التأكيد على رحيل الاسد، لا تحالف مع روسيا ضد داعش، تركيا حليف ثابت في الحرب ضد الارهاب ووجود قوى معارضة مهمة يمكن للولايات المتحدة أن تدعمها.

ولم يغير اوباما موقفه تجاه روسيا حتى بعد هجمات باريس ورغم دعوات وجهها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الى المزيد من التعاون معها.

وبعد زيارة هولاند الى واشنطن في تشرين الثاني (نوفمبر) قال اوباما في مؤتمر صحافي مشترك إن ضربات روسيا ضد المعارضة المعتدلة تدعم قوة نظام الاسد الذي ساهمت وحشيته في بروز داعش. اما هولاند فلم يذهب الى هذا الحد بل قال ان العملية الدبلوماسية في فيينا ستؤدي الى مغادرة الاسد مؤكدا الحاجة الى حكومة وحدة وطنية.

تركيا مشكلة

ولم يتطرق المؤتمر الصحافي الى نقطة خلاف كما يبدو بين الرجلين وتتعلق بإردوغان. اوباما دافع عن حق تركيا في الدفاع عن حدودها فيما قال هولاند ان من الضروري أن تتخذ تركيا موقفا ضد الارهابيين. وقال المستشار في هيئة الاركان المشتركة "تركيا مشكلة".&

وجاء في التقرير: عماد مصطفى سفير سوريا في الصين وكان عميد الكلية التكنولوجية في جامعة دمشق وكان مساعدا مقربا من الاسد عندما عينه في عام 2004 سفيرا لسوريا في الولايات المتحدة وهو منصب ظل فيه سبع سنوات. الكاتب هيرش نقل عن مصطفى قوله إن الصين حليفة للاسد ايضا وقد تعهدت بدفع مبلغ 30 مليار دولار لاعادة اعمار سوريا بعد الحرب وهي الاخرى تشعر بالقلق من تنظيم داعش، أما السبب فهي اقلية الايغور المسلمة.

وقال مصطفى إن اغلب عناصر هذه الاقلية الذين يقاتلون في سوريا ينتمون الى حركة شرق تركستان الاسلامية وهي منظمة انفصالية تعتمد العنف وتسعى الى انشاء دولة ايغور اسلامية في شينجيانغ.

واضاف مصطفى بالقول إن الصين تتهم المخابرات التركية بقيامها بنقل هؤلاء المقاتلين من الصين الى سوريا مرورا بالاراضي التركية وهو ما ادى الى توتر في العلاقات بين البلدين. وتخشى الصين من استمرار الدعم التركي للايغور الذين يقاتلون في سوريا الى ما بعد انتهاء النزاع لتنفيذ أجندة تركية خاصة في منطقة شينجيانغ. قال مصطفى ايضا ان سوريا تزود الصين بمعلومات استخبارية عن هؤلاء الاشخاص وعن الطرق التي استخدموها للوصول الى سوريا.

ونقل كاتب المقال عن محلل للشؤون الخارجية، يعمل في واشنطن، تابع حركة "الجهاديين" عبر تركيا ثم الى سوريا، تعبيره عن القلق نفسه إذ قال "اردوغان جلب الايغور الى سوريا بوسائل نقل خاصة وحكومته تدعم صراعهم في الصين. المسلمون الارهابيون من طائفة الايغور ومن بورما الذين يتوجهون الى تايلندا يحصلون على جوازات تركية ويسافرون الى تركيا كمحطة ترانزيت ثم الى سوريا".

وشرح المحلل طريقا آخر من المعتقد ان مئات الآلاف من الايغور ساروا فيه على مدى السنوات الاخيرة ويمر من الصين الى كازاخستان ثم الى تركيا ثم الى الاراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش في سوريا.

وقال "المخابرات الاميركية لا تحصل على معلومات جيدة عن هذه النشاطات لان المسؤولين فيها غير الراضين عن السياسة المعتمدة لا يتحدثون معهم عنها". واضاف "لا شئ يظهر ان المسؤولين المكلفين بسياسة سوريا في وزارة الخارجية او في البيت الابيض يفهمون الوضع".

ونقل هيرش عن مجلة جينز للدفاع أن 5 آلاف مقاتل من أقلية الايغور وصلوا الى تركيا منذ 2013 وان هناك الفين يتوجهون الى سوريا فيما نقل عن مصطفى قوله إن لديه معلومات عن وجود 860 مقاتلًا منهم حاليا في سوريا.

كريستينا لين باحثة سياسية كانت تعمل مع وزارة الدفاع الاميركية خلال فترة دونالد رامسفيلد وهي تتابع منذ اكثر من عقد قلق الصين من اقلية الايغور ثم العلاقات بين الاقلية وسوريا وتنظيم داعش.

ونقل الكاتب هيرش قولها "ارى الصين شريكا محتملا لمواجهة تحديات عالمية متنوعة خاصة في الشرق الاوسط. هناك مناطق عديدة منها سوريا يجب ان تتعاون فيها الولايات المتحدة والصين على صعيد الامن الاقليمي ومكافحة الارهاب". وتقول لين ان الصين تعتقد ان المقاتلين الايغور الذين ذهبوا الى سوريا يتلقون تدريبا على يد تنظيم داعش لتهيئتهم لشن هجمات ارهابية في الصين بعد عودتهم اليها.

وكتبت لين في تقرير نشرته في ايلول (سبتمبر) الماضي "مقاتلون جهاديون من الشيشان ومن شينجيانغ ومن كشمير سيعودون ليواصلوا الجهاد بدعم من القاعدة المهمة الموجودة في سوريا، في قلب الشرق الاوسط".

مايكل فلين

وعاد الكاتب هيرش للتحدث عن المعارضة داخل الولايات المتحدة لسياسة اوباما في سوريا وقال إن الجنرال ديمبسي وزملاءه في هيئة الاركان المشتركة ممن حافظوا على معارضتهم الصامتة وتحركوا خارج القنوات البيرقراطية حافظوا ايضا على مناصبهم، إلا الجنرال مايكل فلين.

ونقل الكاتب عن باترك لانغ وهو عقيد متقاعد في الجيش كان ضابطا مسؤولا عن المخابرات المدنية في الشرق الاوسط لصالح وكالة المخابرات التابعة للدفاع قوله "انصب غضب البيت الابيض على فلين لانه الح على قول الحقيقة عن سوريا".

وكان فلين قد قال في مقابلة اجرتها معه دير شبيغل الالمانية عن دخول روسيا حرب سوريا "علينا العمل بشكل بناء مع روسيا. سواء شئنا ام ابينا، روسيا قررت أن تكون هناك وان تتحرك عسكريا. هم هناك الان وهذا غير الامور. ولذا لا يمكن ان تقول ان روسيا سيئة وأن عليها أن تغادر. هذا لن يحدث، كونوا واقعيين".

معارضة في الداخل

اما في الكونغرس فقليلون من يحملون هذا الرأي عدا تالسي غابارد وهي ديمقراطية من هاواي وعضو في لجنة الخدمات المسلحة إذ قالت لسي ان ان في تشرين الاول (اكتوبر) الماضي "يجب ان توقف الولايات المتحدة ووكالة المخابرات المركزية هذه الحرب غير الشرعية وغير البناءة لاسقاط حكومة الاسد السورية وعليهم التركيز على القتال ضد الجماعات الاسلامية المتطرفة".

وسألها الصحافي "لكن نظام الاسد وحشي قتل 200 الف على الاقل من شعبه وربما حتى 300 الف؟

فاجابت& "نفس الشئ الذي يقال عن الاسد الآن قيل عن القذافي وعن صدام حسين من قبل اولئك الذين يدافعون عن قلب هذه الانظمة. ولكن اذا حدث هذا في سوريا، سننتهي الى وضع فيه معاناة اكبر مع اضطهاد اكبر للمسيحيين في سوريا وسيكون عدونا اقوى بكثير".

وسألها الصحافي "تعنين ان دخول الجيش الروسي جوا والايراني برا، هل يؤدون فضلا للولايات المتحدة؟ فقالت: "هؤلاء يعملون على دحر عدونا المشترك".

ونقل هيرش عن غابارد قولها له لاحقا إن العديد في الكونغرس من الحزبين شكروها على انفراد لحديثها هذا.

ولاحظ هيرش ان من غير المألوف ان تعارض نائبة او عضو في الكونغرس حزبها بهذه الطريقة العلنية ولكنه قال ايضا إن الامر أخطر بالنسبة لمسؤول مطلع على أسرار مخابراتية إذا ما تحدث علنا وبشكل انتقادي لانه قد يفقد عمله ويقضي على مسيرته المهنية بالكامل.

واضاف إن المعلومات عادة ما تنتقل من خلال علاقة ثقة بين مسؤول وصحافي دون ذكر اسم او هوية.

وأكد هيرش ان المعارضة موجودة في جميع الاحوال داخل المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة ونقل عن المستشار السابق في هيئة الاركان المشتركة استياءه عندما سأله عن رأيه في السياسة الاميركية في سوريا إذ قال "الحل في سوريا موجود امام أعيننا. الخطر الرئيسي الذي يتربص بنا جميعا هو تنظيم داعش وعلى الولايات المتحدة وروسيا والصين أن تعمل بشكل مشترك. بشار سيبقى في السلطة وبعد إحلال الاستقرار في البلاد سيتم تنظيم انتخابات. ليس هناك خيار آخر".

وقال هيرش اخيرا إن الطريق غير المباشر الذي كان ينقل المعلومات الى الاسد اختفى مع تقاعد الجنرال ديمبسي في ايلول (سبتمبر) الماضي.

اما خلفه الجنرال جوزيف دانفورد فقال في جلسة استماع امام لجنة الخدمات المسلحة في الكونغرس في تموز (يوليو) الماضي قبل تسلمه منصبه بشهرين "إن اردتم الحديث عن اي الدول التي يمكن ان تمثل خطرا وجوديا على الولايات المتحدة، فعلي ان اشير هنا الى روسيا".

وفي تشرين الاول (اكتوبر) أدان دانفورد الحملة الروسية في سوريا وقال امام اللجنة نفسها "إنهم لا يقاتلون داعش" ثم أكد على ضرورة ان يعمل الامريكيون مع الشركاء الاتراك لتأمين حدود سوريا الشمالية وبذل المستطاع لمساعدة قوات المعارضة السورية (اي المعتدلين) لمقاتلة المتطرفين.