من هم الآشوريون الذين استفاق عليهم داعش، ويسوق منهم المئات إلى مصير مجهول في سوريا، بعدما فتك بالأيزيديين وغيرهم من أقليات العراق؟
دبي: بعدما انتهى عناصر تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) من التنكيل بالأيزيديين وغيرهم من الأقليات الدينية في العراق، وجهوا حرابهم نحو الأقليات في سوريا، فابتدأوا بالآشوريين، حتى شاعت أخبار اختطاف التنظيم المتطرف المئات منهم، وسوقهم إلى مصير مجهول.
آشور البداية
والآشوريون يتحدرون من سلالة سام أب آشور، المذكور في الفصل العاشر من سفر التكوين (سام ابن نوح). وهم موجودون قبل المسيح بسبعة آلاف سنة، ويصنفهم التاريخ بين أقدم الشعوب التي اعتنقت المسيحية منذ القرن الأول الميلادي، والتي رفدت هذه الديانة لاهوتيًا، وساعدت على انتشارها في آسيا الوسطى والهند والصين.
و"آشور" مشتق هو من كلمة "آشارو" الآكادية، أي اللغة الآشورية القديمة، وتعني البداية، وبهذا الاسم سمى الآشوريون الله، لأنه في عرفهم بداية كل شيء، ثم انتسبوا جميعهم إلى هذا الاسم، إذ تقاسموا عبادة هذا الإله غير المنظور، بحسب ما تثبته صلوات الملوك الآشوريين. وبعد انقسام كنيسة المشرق إلى طوائف متعددة، اختلفت التسميات التي أطلقت على هذا الشعب، لكن بقي "آشوري" الاسم القومي الوحيد لكل مسيحي في العراق والجزيرة السورية، مرتبطًا مباشرة بالآشوريين القدماء، الذين اعتنقوا المسيحية في العراق على يد القديسين ماري وتداوس.
تظاهرة في أستراليا احتجاجًا على ما يتعرض له الآشوريون |
&
فاقة بعد عز
تفيد المصادر التاريخية بأنهم سكنوا بلاد ما بين النهرين، أي المناطق التي تعرف اليوم بالعراق وسوريا وتركيا، وبأعداد أقل في إيران، وكانت لهم امبراطورية عنيدة، عرفت بحضارتها الباهرة، وهزمت الكثير من الجيوش، حتى حلت نهايتها حين فتح البابليون والميديون نينوى في 612 قبل الميلاد، مستفيدين من أمطار قوية رفعت منسوب دجلة بسيول جارفة، حطمت أسوارها، وساهمت في إبادتها، بحسب رواية تنقلها "النهار" اللبنانية عن الأب سرجون زومايا، خادم رعية كنيسة مارجيوارجيوس الآشورية في لبنان.
قال زومايا للصحيفة: "بعد سقوط نينوى، أسس الآشوريون ﻷنفسهم حكمًا آخر أصغر بكثير، بالاتفاق مع الرومان الاقوياء في ذلك الوقت،& واستمر هذا الحكم إلى سنة 336 ميلادية، حين نشبت حرب شعواء بين الروم والفرس، فانهزم الروم وسقطت اورهي بيد الفرس، فطُرد الآشوريون& من مملكتهم وانتهت المملكة".
عائلة آشورية هاربة من سوريا |
&
مبعثرون
أضاف زومايا: "في هذه الظروف المؤسفة، كان قسم من الآشوريين لا يزالون تحت الحكم الفارسي،& مبعثرين في أورهي التركية وفي نصيبين وفي سوريا، وقسم منهم في انحاء الموصل وغيرها".
وبحسبه، الآشوريون هم من علّموا العالم الابجدية، وهم من ساهم في تأسيس علم الفلك، واشتهروا بصيد الأسود، وعرفوا بالقوة والبأس، وأبدعوا في تطوير وسائل الدفاع والحصار وأدوات القتال، وبرزوا في فنّ النحت. أشهر ملوكهم هو آشور ناصربال الثاني (884-858 قبل الميلاد) وسنحاريب (705-681 قبل الميلاد)، وآشور بانيبال (669-629 قبل الميلاد).
قوة عظمى
توسّعت الإمبراطورية الآشورية في القرن الثاني عشر قبل الميلاد إلى ما وراء الفرات، وفي القرن التاسع قبل الميلاد، انتهج الملوك الآشوريون سياسة هدفها وضع حدٍّ نهائي لثورات لامتناهية أغاظت الإمبراطورية في السابق، ضُمّت البلدان المتمرّدة إلى الإمبراطورية كمقاطعات جديدة، وتم ترحيل مئات الألوف من السكان إلى الأقسام الأخرى للإمبراطورية، لتنظيم البلد المضموم وفقًا للنمط الآشوري.
ونافست هذه الإمبراطورية بابل وأورارتو وعيلام ومصر على زعامة العالم القديم. وفي ظل ملكها تغلاث فلاسر الثالث، تحولت فوة إمبراطورية عظمى في العالم القديم، وانتصرت على الممالك الأخرى، توسّعت الامبراطورية الآشورية حتى مصر والأناضول مروراً بسوريا، إلى أن سقطت عاصمتها نينوى بيد البابليين والميديين.
آشوريون يحتفلون بالعام الجديد في شمال مدينة دهوك - أرشيفية |
&
الاضطهاد المستدام
يروي زومايا للنهار: "وقعت الحروب والنزاعات على الامبراطورية الآشورية فضربها التفكّك والتشتت، ولن أقول فنيت مملكة آشور، فبعد حرب أهلية مطولة في 612 قبل الميلاد، استطاع البابليون والميديون الخاضعون سابقًا لبلاد آشور أن يقهروا ويدمّروا نينوى عاصمة الإمبراطورية الآشورية، وبعد ذلك بثلاث سنوات سحق المتمرّدون العاصمة الآشورية الغربية حران، ضاربين آخر خندق للمقاومة لملك بلاد آشور الأخير آشور اوبَلُيط الثاني، وفي 663 قبل الميلاد، ختم مصير الإمبراطورية الآشورية، وهنا ينتهي عادة عهد الآشوريين في كتب التاريخ، عندما حصل هجوم من عدة شعوب على المملكة فسقطت".
المجازر ليست جديدة على الآشوريين |
&
المجازر ليست جديدة على الشعب الآشوري، فقد حلّت به منذ ايام تيمورلنك في القرن الرابع عشر، وفي عهد بدر خان ببداية القرن التاسع عشر، وفي العهد العثماني، وخلال الحربين العالميتين، فتناقص عددهم، ويبلغ اليوم نحو& 35 ألفًا في العراق و30 ألفًا في سوريا و1500 في لبنان، بحسب زومايا.
الهجرة الجديدة
قال: "خلال الحربين العالميتين هرب الآشوريون من العراق وسوريا وايران وجورجيا من الهمجية العثمانية، حيث تم ذبح واضطهاد الآشوريين، لاسيما السريان الأرمن منهم".
بعد استقلال سوريا والعراق، دخل الآشوريون في تصنيف الأقليات الدينية فيهما. سكن معظمهم في المناطق الريفية حتى ستينات القرن الماضي، حين بدأوا النزوح إلى المدن بحثًا عن عمل، والهجرة إلى الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية. وزادت هذه الهجرة مع الحرب العراقية-الايرانية، ثم حرب العراق في 2003، ولا شك في أنها ستصل ذروتها اليوم في الزمن الداعشي الأغبر، مع سيافين ملثمين يصرخون..."بالذبح جيناكم".
التعليقات