رأى محللون وكتاب سعوديين إن منطقة الشرق الأوسط، مقبلة على مرحلة جديدة، يمكن تسميتها بمرحلة "ما بعد الاتفاق النووي" والتي قد ترتسم فيها خرائط لتحالفات إقليمية جديدة تفرض نفسها على حساب توازنات سابقة، مؤكدين إن هناك ثمة تكاليف ستدفعها المنطقة، تعززها طموحات إيران وتدخلاتها في شؤون الآخرين من خلال أذرعتها الموالية لها، وقد برزت نتائج هذا التدخلات حروباً وأزمات سياسية في اليمن والعراق والبحرين ولبنان و سوريا.

وكانت إيران والدول الست الكبرى قد أبرمت اليوم الثلاثاء اتفاقا رسميا حول الملف النووي، منهية بذلك مفاوضات استمرت 21 شهرا ، وألزم الاتفاق إيران بخفض عدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة لتخصيب اليورانيوم بمقدار الثلثين لمدة عشر سنوات، كما يشمل الاتفاق السماح بدخول مفتشي الأمم المتحدة لكل مواقع إيران النووية المشتبه بها، بما فيها المواقع العسكرية، بالإضافة إلى زيارة واحدة إلى موقع بارشين العسكري.

المشكلة لم تحل

المحلل السياسي ورئيس قناة العرب الإخبارية، جمال خاشقجي، أوضح إن مشكلة إيران مع دول المنطقة لم تحل بعد، اذ ان الاتفاق النووي حل مشكلة الغرب مع إيران، وتجاهل ربط هذا الاتفاق بتحجيم وتدخلات إيران في المنطقة، مشيراً في حديثه لـ"إيلاف" كان يمكن أن يكون هذا الاتفاق مرحبا به لولا &لم تكن إيران دولة عدائية مع المملكة، وأضاف "أنا اسمي السياسية الإيرانية بسياسية البراميل المتفجرة ، التي تقتل أبناء السنة، فإيران هي من تصنع البراميل المتفجرة وترسلها إلي بشار وترسلها للحكومة العراقية لتقصف المناطق السنية، وهذه البراميل المتفرجة هي أقبح أنواع الكراهية، لأنها عمياء ولا تستخدم في الأعمال العسكرية بقدر ما تستخدم في الأعمال الانتقامية".

وقال خاشقجي، إن الاتفاق النووي رسالة مفادها بأن على دول المنطقة أن تحل مشاكلها بنفسها، وأن لا تنتظر من واشنطن تقديم الحلول، وأضاف "من الجيد أن نحافظ على علاقة جيدة مع واشنطن لكن لا نتوقع منهم حل مشاكلنا، فيجب أن تأخذ على السعودية والدول المهمة القادرة على إطفاء حرائق الشرق الأوسط، زمام المبادرة وقطع اليد الإيرانية في المنطقة، وفيما يتعلق بالتنقية النووية بين خاشقجي، إن الاتفاق يمنع إيران من صناعة قنبلة نووية، لكن سيسمح لها بحراك علمي يساعد على تطوير عقلها النووي والذي سيكون قادراً بلا شك في إنتاج قنبلة نووية بعد عشر سنوات، وهذا الأمر لابد يؤخذ في الاعتبار لدى دول المنطقة، وعليها ان تنافس في صناعة المعرفة النووية.

احتمالات ما بعد الاتفاق النووي

الأكاديمي السعودي سعود الشهري، أوضح إن الاتفاق النووي الإيراني قد يفضى إلي عدة احتمالات قادرة على إعطاء تفسير لتخوفات مشروعة ، أولها وهو السيناريو الأفضل -بحسب الشهري- &أن تفصل طهران ملف الاتفاق النووي عن طموحها الإقليمي، فتلتزم بمقتضياته وتشرع في تعزيز علاقتها بالغرب، وتترك لاذرعتها بالمنطقة تقدير الأوضاع في كل منطقة وفق طبيعة الأمور والتطورات، مشيرا في حديثه لـ"إيلاف" انه هذا سيعني بقاء الساحة العربية مشتعلة كما هي عليه، ما يستدعي &تشكيل تكتل عربي خليجي من القوى المتضررة وحلفائها بالمنطقة".

أما الاحتمال الأسو، بحسب الغامدي فيتمثل في أن يكون الاتفاق النووي غطاء غربي غير مباشر لنفوذ إيراني غير معلن بالمنطقة، كهدية مقابل التزامها بالاتفاق النووي والتنسيق الأمني لمكافحة الإرهاب مع واشنطن، وبالتالي عودة طهران إلى المجتمع الدولي وفق شروط الغرب، وهذا الاحتمال سيمنح طهران مساحة أكبر للتمدد ودور اكبر في تسوية الأزمات المستحكمة والقضايا العالقة، مما سيحيل المنطقة إلي مزيد من عوامل التعقيد، و بعيدا عن حسابات الربح والخسارة، فسوف يترك الاتفاق أصداء قوية دوليا فضلا عن دول المنطقة التي قطعا ستبحث عن مصالحها ، وتحاول تأكيد نفوذها وتواجدها في الساحة عن طريق تحالفات جديدة.

تجدر الإشارة، إلى إن تاريخ المفاوضات النووية يعود إلي العام 2002 بعد الكشف عن منشأتين سريتين في إيران التي وافقت حينها بأن تقوم الوكالة الدولية بعمليات تفتيش لمواقعها النووية حيث تم العثور على آثار ليورانيوم مخصب، وتم الاتفاق في 2004 بتعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم، ولكن مع و صول محمود نجاد في 2005 للسلطة استأنفت إيران أنشطتها النووية ما دفع الأوروبيين إلى رفع القضية إلي مجلس الأمن &الذي فرض أولى عقوباته ضد إيران في 2006 إضافة إلي عقوبات من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفي 2012 جمد الاتحاد الأوروبي أموالاً للبنك المركزي وفرض حظراً نفطياً، واستأنفت المفاوضات مرة اخرى بعد تولي حسن روحاني السلطة عام 2013، ومرت بالكثير من المنحنيات الي أن تم اليوم 14 يوليو/تموز الإعلان رسميا &في فيينا عن الاتفاق النووي.