طوى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة صفحة الجنرال توفيق، الرجل القوي الذي يدرك الجزائريون منذ سنين أنه هو الحاكم الفعلي لهذا البلد المغاربي الغني بالغاز والثروات.


إسماعيل دبارة من تونس: منذ أن أطاح الرئيس الجزائري بوتفليقة بعبد القادر آيت عراب، الرجل القوي في قسم مكافحة الإرهاب داخل المخابرات، والمعروف لدى الجزائريين بإسم (الجنرال حسان)، أدرك المتابعون أن المستهدف الأول من استعادة بوتفليقة لسيطرته على أجهزة الاستعلامات هو مدير المخابرات الجزائرية القوي والغامض الفريق محمد مدين والذي يسميه الجزائريون (الجنرال توفيق).

وأحال الرئيس بوتفليقة مؤخرا قائد الدرك الوطني بالجزائر، الفريق أحمد بوسطيلة على التقاعد، وألحقه برئاسة الجمهورية بعد ذلك بصفة مستشارا لدى الرئيس، وعين بدله اللواء مناد نوبة.

وأجرى بوتفليقة تغييرات جوهرية، على قيادة الجيش والمخابرات منذ أواخر العام 2013، وأحال ضباطا كبار بالجيش على التقاعد، من بينهم عبد القادر آيت وعراب، المعروف باسم الجنرال حسان، قائد قوات مكافحة الإرهاب بجهاز الإستعلام والأمن.

والجنرال حسان، حاليا محل متابعة قضائية بالمحكمة العسكرية، وهو محتجز منذ أكثر من أسبوعين، بانتظار بدء التحقيقات عن تهم تخص تشكيله لعصابات مسلحة وحيازة كمية من السلاح خارج القانون، بحسب الصحافة الجزائرية.

الدور على "توفيق"

قالت برقية لوكالة الصحافة الفرنسية AFP اليوم الأحد ان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة انهى مهام مدير المخابرات الجزائرية الفريق محمد مدين بعد 25 سنة من شغله المنصب وعين اللواء بشير طرطاق خلفا له.

وبحسب المصدر الأمني الذي تحدث للوكالة، فان الفريق مدين المعروف بالجنرال توفيق كان "قدم استقالته منذ عشرة ايام على الاقل".

وفي وقت لاحق، أكدت وكالة أنباء الجزائر الرسمية الخبر، وقالت: "أنهى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة مهام رئيس قسم الاستخبارات والأمن الفريق محمد مدين الذي أحيل على التقاعد".

وجاء في بيان لرئاسة الجمهورية أنه "بموجب أحكام المادتين 77 (الفقرتين 1 و8) و78 (الفقرة 2) من الدستور انهى رئيس الجمهورية وزير الدفاع الوطني السيد عبد العزيز بوتفليقة اليوم مهام رئيس قسم الاستخبارات والأمن الفريق محمد مدين الذي أحيل على التقاعد".

وقالت الوكالة الرسمية إنّ بوتفليقة "عين السيد عثمان طرطاق رئيسا لقسم الاستخبارات والأمن".

وعثمان طرطاق هو لواء متقاعد يشغل الى هذا اليوم منصب مستشار لدى رئيس الجمهورية وسبق أن تقلد مسؤوليات عليا بمصالح الاستخبارات والأمن.

ويصف متابعو الشأن الجزائري الجنرال توفيق بأنه "صانع الرؤساء"، وأنه مساهم بشكل كبير في ايصال بوتفليقة لسدة الحكم، وأنه هو من حرص على أن يحكم بوتفليقة الجزائر لـ14 عاما.

لكن نشب خلاف كبير بين "الصديقين"، منذ أن قالت التقارير إن الجنرال توفيق يرفض ولاية رابعة لبوتفليقة الذي يعاني متاعب صحية كثيرة.

وبحسب الصحف الفرنسية المهتمة بالوضع في الجزائر،& فإنّ الخلافات بين بوتفليقة ومدين انطلقت مع بداية العهدة الرئاسية الثالثة في سنة 2009، فبعد أن عاد الرئيس من رحلة علاج في باريس، سعى جاهدا لوضع رجاله المقربين في الصف الأول، حيث شرع في تمهيد الطريق لتعيين شكيب خليل وزيرا أول بعد أن كان وزيرا للطاقة، ولكن هذه الخطوة لم تكن موفقة، حيث اندلعت حينها فضيحة الفساد في شركة سونطراك للطاقة التي تورط فيها شكيب، وهو ما أدى لموت هذه الفكرة قبل ولادتها، ووجد الرئيس نفسه معزولا عن الأشخاص الذين يفضل العمل معهم، خاصة بعد إعفاء وزير الداخلية من مهامه.

الأمور ازدادت تأزما مع نهاية العهدة الثالثة، عندما شن عمار سعداني، السكرتير الجديد للحزب الحاكم جبهة التحرير الوطني الجزائرية، حملة شرسة ضد مدين، الرجل القوي على رأس جهاز المخابرات، واصفا إياه بالرجل المتسلط وعديم الكفاءة، وسط ذهول من المراقبين والمحللين السياسيين في الجزائر، نظرا لبقاء مدين أو توفيق طوال عقود كخط أحمر لا تتطرق له الصحافة المحلية ولا السياسيون.

وتعمقت الأزمة مع توالي عمليات الإحالة الوجوبية على التقاعد، التي استهدفت الجنرالات المعروفين بقربهم من الجنرال مدين، في مسعى واضح لعزله وحرمانه من أي دعم ممكن، قبل أن يأتي عليه الدور اليوم.

ويبدو أنّ الصراع بين جناحي السلطة في الجزائر (الرئاسة والمخابرات) تأجج أكثر مع صدور قرار بالحد من صلاحيات ومهام جهاز الاستعلامات والأمن، ثم الاستغناء المفاجئ عن خدمات يزيد زرهوني، الرجل الثاني في هذا الجهاز.

الرجل اللغز

محمد لمين مدين المعروف بالجنرال "توفيق" من مواليد 1939 بمنطقة قنزات بولاية سطيف، شغل منصب رئيس المخابرات الجزائرية من سبتمبر 1990 الى غاية نهار اليوم، وحيكت حوله العديد من الأساطير.

باحالة توفيق على التقاعد يكون تم اسدال الستار على فترة هامة من تاريخ الجزائر المعاصر، بالنظر لأهمية الرجل الذي قيل عنه وعن سلطته الكثير، فقيل أنه صانع الرؤساء، بحسب صحيفة الخبر الجزائرية.

الجنرال المحال على التقاعد، وُلد بسطيف غير أنه ترعرع بحي بولوغين الشعبي بالعاصمة، التحق بصفوف جيش التحرير سنة 1961 ليلتحق مباشرة بعد الاستقلال بجهاز المخابرات العسكري، اين تدرج في مختلف الرتب واستفاد من دورات تكوينية بالاتحاد السوفياتي آنذاك، ليتحوّل سنة 1986 بعد عودته من منصب مستشار عسكري في ليبيا لينصب في الرئاسة كمدير لمديرية الدفاع والأمن بالهيئة ذاتها.

ثم نُصّب سنة 1990 على رأس المخابرات الجزائرية أو ما يعرف بـ"الدياراس" DRS مديرية الأمن والاستعلام، وهو المنصب اللذي لم يفارقه الى غاية اليوم، ما جعله أحد أقدم العسكريين في العالم.

وطيلة هذه الفترة، بحسب "الخبر" صنع الرجل أسطورة حول شخصه، فظل يمتنع عن الظهور، إذّ أنّ قليليين من يعرفون ملامح وجهه عدا بعض الصور المسربة والمشكوك في مصداقيتها.

طيلة هذه الفترة قيل ايضا، إنه الحاكم الفعلي للجزائر، ومنذ سنوات أشيع أن صراعا خفيا يجري بين الرئيس وحاشيته من جهة والجنرال توفيق من جهة أخرى، أخذ أبعادا أخرى منذ مرض الرئيس، الذي اتخذ عدة قرارات خلال الأسابيع الأخيرة جردت "الدياراس" من كل صلاحياته تقريبا.

اللعبة ربما لم تنته

يقول ملمّون بكواليس الحكم في الجزائر، إنّ تقليم أظافر جهاز المخابرات بهذا الشكل&السريع&لن يجدي نفعا، فالجنرال توفيق وأعوانه الكثيرون تمكنوا خلال عقود من النشاط والحكم من التغلغل صلب اجهزة الدولة وضمان ولاءات كثيرة داخل الجيش والشرطة وفي الاعلام وحتى داخل الطبقة السياسية المعارضة.

وبمغادرتهم لمناصبهم، قد يحرّك هؤلاء كثيرا من المتعاطفين معهم والموالين ما قد يسبب متاعب لبوتفليقة ومقرّبيه الذي شنّ حربا بلا هوادة على رجال المخابرات أصحاب الدور الكبير في التصدّي للارهاب الاسلامي والسنين العجاف التي شهدتها الجزائر في التسعينات.