الرباط: بعد أسبوعين على فشل حزبه في تصدر انتخابات 7 أكتوبر، خرج إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، بمقال نشره في موقع "هسبريس" الإخباري تحت عنوان "مقدمات في حاجتنا إلى مصالحة تاريخية شجاعة"، بسّط فيه جزءًا من تقييمه لنتائج الاستحقاق الانتخابي ورؤيته لمستقبل المشهد السياسي المغربي.&
وأكد زعيم "الأصالة والمعاصرة "في مقاله المنحوت بعناية فائقة، أن الإرادة الشعبية الحرة في استحقاق الانتخابات التشريعية الأخيرة، أفرزت "خارطة سياسية جديدة، أنتجت معادلات مغايرة للمألوف، كفت معها ثنائيتا يمين/ يسار، شرعيات سياسية/ شرعيات تاريخية، الموروثة عن القرن الماضي"، وهو ما يمثل انتقادًا واضحًا من العماري للأحزاب السياسية وزعاماتها التي ظلت تفتخر برصيدها التاريخي وتجدرها في الساحة السياسية، غير أنها حققت نتائج ضعيفة بالمقارنة مع حزبه الحديث النشأة.&
وذهب العماري في مقاله، إلى أن النتائج المسجلة في الاقتراع الأخير، فسحت بها إرادة المغاربة مجالاً للتنافس الحزبي أمام "جيل جديد من المشاريع السياسية التي تتجاوب مع احتياجات وانتظارات المواطنة الكونية التي تخترقنا بقوة، بفعل صدمات العولمة المخيفة"، في تأكيد واضح منه على أن "الأصالة والمعاصرة" يمثل" بديلاً سياسيًا للمشاريع السياسية التي سادت لعقود المشهد الحزبي ببلادنا".&
وزاد العماري موضحاً "المخططات الجيو-إستراتيجية المؤثرة تسعى إلى تفتيت وتفكيك وإعادة تركيب مجالات السيادة الوطنية، وإلى تسريع ديناميات المنازعة والإنهاك بغرض السيطرة والإخضاع"، معتبرًا أن هذه الاعتبارات والسياقات والحقائق العينية الصارخة "تُسائل وعيَنا بتوجس وخشية وألم؛ في زمن طبع فيه العالم وجودَنا بمشاهد الحرب والدمار وخراب الحضارة والعمران"، حيث بدا العماري كما لو أنه يحذر من خطورة المخططات والتهديدات التي تستهدف المغرب والمنطقة.&
وزاد العماري قائلاً "إزاء هذه الاعتبارات نستحضر، بوعي وحكمة ومسؤولية واتزان، ظروف اللحظة التاريخية الكونية وتحدياتها، واضعين مصلحتنا الجماعية، كمغاربة أحرار عبر التاريخ، في التكتل والتضامن والوحدة، وطامحين إلى تحقيق مواطنة متكافئة ومشتركة بين كل بنات وأبناء المغرب، لتشييد مجد وعلياء الوطن بين سائر الأمم. ونحن واثقون، بإيمان راسخ وثقة صادقة في التجربة الفتية لحزبنا المناضل، ومن خلال تفاعل مواقف وقناعات أطره وقياداته الوطنية الحكيمة والمخلصة، بأنه من دون إنجاز مصالحة تاريخية شجاعة لا يمكن أن نواجه زحف النزوعات نحو التعصب والتنافر والاستعداء"، في هذه الفقرة من المقال، دعا العماري بشكل واضح وصريح &إلى مصالحة تاريخية لمواجهة التعصب والتنافر والاستعداء، وهو ما يمثل محاولة منه إلى التخلي عن منطق المواجهة في تعاطيه مع حزب العدالة والتنمية ( مرجعية إسلامية)، ذلك انه اعلن مباشرة بعد انتخابه أمينًا عامًا لحزبه، أنه جاء لـ"محاربة الإسلاميين".&
وعاد العماري للوثائق التأسيسية لحزب الأصالة والمعاصرة، ليستشهد باعتمادها مرجعيات تقرير الخمسينية وتقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، &ليبرر اختيارات برنامج حزبه الانتخابي، مبينًا أن "المصالحة من أجل الإنقاذ تعبر، بجدارة، عن إرادتنا الطوعية في المساهمة ضمن تقعيد ورش المصالحة، كمفتاح منهجي وقيمي ثمين، لتجاوز عقلاني وشجاع للانتكاسات والخصومات الناتجة عن طغيان ثقل الماضي الموروث عن تاريخنا المديد، بتضحيات الشهداء وأمجاد الأجداد، وكذا بأعطاب التاريخ وانتكاساته".&
وشدد العماري في مقاله على أن المسألة الاجتماعية والمسألة الحقوقية والأمنية، تُعد "مداخل جوهرية لإرادة المصالحة، بكل تبعات وتحملات تعاقداتها المؤسساتية الضرورية، لتحصين كرامة المواطن وضمان رفاهيته، وتحرير الطاقات والهمم من كوابيس الماضي وهول تمزقاته وإحباطاته". &وحرص العماري على اعتماده المقابلة بين الحاضر والماضي، له هدف واضح وأساسي، يتمثل في ترسيخ واقع جديد دخله المغرب يمثل حزب الأصالة والمعاصرة رقما أساسيا فيه.&
وجدد العماري دعوته إلى العمل والتقدم سويًا "نحو بناء مستقبل مصيرنا المشترك، من دون ضغائن ولا أحقاد ولا حزازات جوفاء؛ منطلقين من مبدأ جوهري قوامه أن المصالحة مطلب سياسي نضالي شجاع وإستراتيجي لبناء جدارتنا بالمشترك الذي يتوسط المسافة بيننا، بما يتيحه من نبذ لأنانياتنا الهوياتية ونرجسياتنا العقدية ومصالحنا الضيقة، والانتصار لوحدة الوطن ولسيادة الروح الإنسانية القائمة على الحرية والمساواة والسلم والأمن والمحبة"، إذ تبرز هذه الدعوة شكل وتصور حزب الأصالة والمعاصرة للمجتمع المغربي والدفع به نحو الحداثة والعلمنة.&
وختم الأمين العام للأصالة والمعاصرة مقاله المحبوك بقوله: "نستشرف اليوم، كحزب وطني فتي ومناضل، خطوات ومسارات مصالحاتنا الرحبة، بإرادتنا الواثقة وأيادينا الممدودة للجميع، لنتخلص من خصوماتنا الجوفاء وأحقادنا العمياء؛ ونتقدم سويًا نحو الاعتراف المتبادل ببعضنا البعض، واضعين مصلحة الوطن وكرامة الشعب على رأس الأولويات"، وهو ما يمكن اعتباره إعلانًا للهدنة وتعبيرًا عن نية التعاون مع باقي الفرقاء، مراعاة للمصلحة الوطنية، غير أن هذا الكلام، يحتمل قراءة أخرى، تترجم سعي العماري لدفع التهم التي وجهها له خصومه السياسيون من قربه من الإدارة واستفادته من دعم رجالاتها في الانتخابات الأخيرة، ويمكن أن يدخل في إطار مساعي زعيم الحزب لتبييض سيرته وتصويره حزبًا عاديًا حقق نجاحًا وتقدمًا في التشريعيات السابقة.&
التعليقات