الرباط: استغل إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة المغربي المعارض استضافته ليلة أمس الأربعاء من طرف مؤسسة "المشروع للتكوين والتفكير" الكائنة في البيت التاريخي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض في حي أكدال في&الرباط، لبعث عدد من الرسائل السياسية، ومن بينها استحالة التحالف مع خصمه حزب العدالة والتنمية (مرجعية إسلامية) متزعم الائتلاف الحكومي الحالي، في الاستحقاقات المقبلة، بينما يجد نفسه أقرب للاتحاد الاشتراكي.
وخلال هذا اللقاء السياسي، الذي يندرج في إطار سلسلة "مؤانسات فكرية وسياسية" طرح تساؤل حول دفاع العماري عن تقنين مادة "الكيف"، (مادة مخدرة)، ما جعل الموضوع محل جدل طويل، ودفع البعض ليصفه ب" المغرد خارج السرب"، بينما لجأ خصومه إلى استغلال الملف لشيطنته، على حد تعبير أحد محاوريه من الإعلاميين.
وكان رد العماري أنه لايجب التوقف عند " ويل للمصلين"، وقال "أنا مواطن منحدر من الريف، ( منطقة تشتهر بزراعة " الكيف" في شمال المغرب) ولم أصرح يوما بتقنين "الكيف"، ولا ببيعه، بل طالبت فقط بفتح نقاش علمي حوله، ولست من دعاة دغدغة العواطف، ولن أتنكر أبدا لأصلي وفصلي، فهذه المشاكل حقيقية وتستدعي المعالجة".
وأردف مجيبا على السؤال: "إذا كنت أغرد خارج السرب، فهذا لايهمني، وإذا كان هناك قوم يعبدون الحمار فعليهم قتله"، مضيفا أن السكوت عن مشكل زراعة " الكيف" في الريف، منذ زمن طويل لم يعالجه، بل زاد الأمر استفحالا، فقد اتسعت دائرة الهكتارات المزروعة لتصبح بالآلاف، وبدل قبيلة واحدة كانت تعيش على عائدات "الكيف"، استقطب المجال مليونا ونصف شخص.
وشدد العماري على أن دعوته تنحصر فقط على فتح نقاش وطني على نار هادئة، مع مختلف الفرقاء من أجل إيجاد حل للمشكل، موضحا أن هذا ليس مجال السياسيين، بل للباحثين والحقوقيين والمثقفين والعلماء عبر مراكز البحث العلمي.
الريسوني والإفطار العلني
ولدى استفساره عن موقفه من التصريح الأخير لأحمد الريسوني، الرئيس السابق ل" حركة التوحيد والإصلاح"، (الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية)، بخصوص إلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي الذي يجرم الإفطار العلني، أجاب بأنه لم يفاجأ بهذا التصريح، "الذي لاينبغي إعطاؤه أكثر مما يستحقه، باعتباره مجرد تصريح عادي، لم يطرح اي جديد، إذ لا اجتهاد مع وجود النص".
وأردف العماري، مستغربا، أنه لا يعرف ما المقصود من وراء سن هذا الفصل، وينبغي تصحيح الوضع، ملمحا، إلى ضرورة مراجعة الفصل المشار إليه، ودعا إلى الانكباب على ما هو أهم، بدل إثارة موضوع مثل الإفطار العلني، الذي لم يكن مطروحا من قبل، معتبرا أن إثارته حاليا تلهية للرأي الوطني العام، في هذا التوقيت بالضبط، متسائلا:" هل يكمن المشكل في من تناول سيجارة، أو شرب كأس ماء؟ أم أن الوضع يتطلب التساؤل حول مدى تقييم المرحلة بعد مرور خمس سنوات على تدبير شؤون الدولة، في تلميح إلى الحكومة التي يقودها عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية.
جدل حول المشروع الصيني
وفي معرض جوابه عن تساؤل بخصوص المشروع الصيني الذي جلبه إلى جهة طنجة -تطوان -الحسيمة، التي يرأسها، في شمال المملكة، وما رافقه من جدل، عقب تصريح رئيس الحكومة اخيرا، بأنه مشروع حكومي كان موجها في الأصل لمدينة أسفي قبل تحويله إلى طنجة، رد بالتأكيد على أنه لايستطيع تكذيب رئيس الحكومة، حفاظا على سمعة البلد.
وتابع: "ماذا سيقال عنا في الخارج؟ "، مضيفا أنه يتفادى المزايدة في قضايا الوطن، وأن ما يهمه هو مدى نفعية المشروع واستفادة البلاد منه، "فهي الأبقى، أما نحن كسياسيين، فإننا عابرون..".
قضايا... وقضايا
وأثناء حديثه عن هوية الدولة ومرجعيتها، قال العماري إن المملكة المغربية دولة مسلمة، وليست إسلامية " وعندنا أمير المؤمنين"، ولا يمكن لها أبدا أن تكون دولة طائفية.&
وحرص ضيف مؤسسة " المشروع" على إبداء مواقف حزبه نحو العديد من القضايا، مؤكدا أنه ضد القمع والتعنيف في المظاهرات، و مع حرية المعتقد " ونطالب به باعتباره عنوانا كبيرا للحرية"، ويصر على الإنصات لأهل الثقافة والفكر، ويؤمن بحقوق المرأة وبالعمل من أجل تكريس المناصفة، مسجلا " أن العقلية الذكورية ما زالت معششة في بعض الأذهان، ومن الصعوبة التخلص منها"، حسب قوله.
وشدد العماري على أن حزبه قادر على البقاء، في صف المعارضة، خمسين سنة، وليس خمس سنوات فقط، منبها إلى أنه يقول لرفاقه دائما في حزب الأصالة والمعاصرة، "إياكم والغرور"، مذكرا إياهم بأن "المواطنين المغاربة هم الذين ينيرون البلاد".
ولم يفته أيضا أن يوجه سهام نقده إلى أداء الحكومة في العديد من القطاعات والملفات، ومن بينها تدبير ملف إصلاح التقاعد، الذي لاحظ أنه غابت عنه المقاربة التشاركية.
مفرد بصيغة الجمع
وتحدث الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، في بداية اللقاء السياسي، بأسلوب مشبع بالحنين عن فترة علاقته القديمة ببعض أعضاء حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وقال: "هذا المكان عندي معه علاقة قديمة، هنا استقبلت من طرف مناضلي الحزب، البعض استشهد، والبعض ما زال مستمرا في النضال، وهنا تعلمت معنى الاحترام، ومعنى الاختلاف في الرأي".
وعاد بذكرياته إلى الوراء، حين كان مطبعيا، ويشتغل في شركة لتوزيع الورق، حين تعرف على أحد مناضلي الحزب، أيام صدور مجلة " المشروع"، "التي أسست سنة 1983، بعد منع جريدة " المحرر"، وكانت صوتا، آنذاك، لكل الكتاب التواقين للحرية والعدالة، وفيها تعرفت على فكر محمد عابد الجابري".
واشار العماري إلى أن "الكل كان يلتجئ إلى مجلة " المشروع"، وأنا من أطفال " المشروع"، واقترح إعادة طبع أعدادها العشرة الصادرة في تلك الفترة، نظرا لما تشكله من أهمية بالغة". ولم يترك العماري الفرصة تمر، لدى حديثه عن التحالفات الممكنة بالنسبة إلى الانتخابات المقبلة، من دون أن يؤكد أن الحزب الذي يراه الأقرب إليه، هو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
ورغم أنه صرح بأن حزبه لايضع خطا أحمر أو أزرق إزاء التحالفات، إلا أنه، وكما بدا من تلميحات حديثه، استبعد حزب العدالة والتنمية، خصمه السياسي، من اي تحالف معه، وعزا ذلك إلى اختلاف المرجعية بينهما، وإن كان قد سجل أن الحزبين معا، يسيران 100 جماعة محلية ( المجالس القروية والبلدية) عن طريق التنسيق بينهما، وليس التحالف، يوضح العماري.
وكانت رشيدة بنمسعود، القيادية بالاتحاد الاشتراكي، وعضو مؤسسة "المشروع" التي تولت تأطير اللقاء السياسي للعماري، إلى جانب الإعلاميين، قد وصفته في كلمة التقديم، بأنه " سليل منطقة الريف الشامخة بمجدها التاريخي"، قبل أن تستعرض مسار انخراطه في النضال السياسي، ومتابعته قضائيا، إلى أن صدر في حقه عفو ملكي، " وكانت جريدة الاتحاد الاشتراكي أول من أكد له نبأ العفو".
ووصفت بنمسعود العماري بأنه متعدد المواهب، وينشط في العديد من المجالات، في العمل السياسي والجمعوي والثقافي والرياضي والإعلامي، مؤكدة "أنه مفرد بصيغة الجمع".
التعليقات