إيلاف من الرباط: يعيش المشهد الإعلامي المغربي مجموعة من التحولات في السنوات الأخيرة، تبقى قنوات يوتيوب والانتاجات التي يبدعها عدد من الشباب المغاربة واحدة من أبرز تجلياتها، إذ أصبحت هذه القنوات وموضوعاتها تشد أنظار واهتمام فئات واسعة من الجمهور الذي يتناقلها في مواقع التواصل الاجتماعي بأنواعها المختلفة.

ويثير النقاش حول هذه الوسائل وإمكانياتها الكبيرة في الانتشار وحريتها في تناول المواضيع السياسية والاجتماعية والثقافية، يجعلها تلبي حاجيات الكثير من المغاربة الذين قاطعوا القنوات الوطنية وبرامجها نحو القنوات الأجنبية للبحث عن الذات والمتعة المفقودة.

نجوم يوتيوب

"بوزبال" (أبو الأزبال) و"قريقيبة" و"سكيزوفرين" (منفصم الشخصية) و"مول الكاصكيطا" (صاحب القبعة) و"مول الدلاحة" (صاحب البطيخة) وغيرها من الأسماء الكثيرة التي تعج بها شبكة الإنترنت، استطاعت أن تجعل من أصحابها نجومًا يحظون بشهرة ومتابعة كبيرتين من طرف المغاربة، حيث يصل عدد متابعي فيديوهاتهم لمئات الآلاف، بسبب تنوع إنتاجاتهم وملامستها القضايا التي تشغل الرأي العام وتعبر عن هموم الناس بطرق متنوعة تتأرجح بين الجدية والهزل.

محمد السدراتي، شاب من مدينة سلا في ربيعه الـ23، يملك قناة في يوتيوب، انطلقت تجربته بشكل هاوٍ قبل أن ينتقل للتفكير في الاستثمار في الهواية لتصبح حرفة له ومصدرًا لرزقه، حيث أكد في تصريح لـ"إيلاف المغرب" أنه يسعى من خلال قناته خدمة رسالة هادفة يسعى إلى تبليغها للمجتمع من خلال "اليوتوب" ووسائل التواصل الاجتماعي.

وأضاف السدراتي، أنه يشتغل بشكل فردي في إعداد وإنتاج فيديوهاته التي تحقق مئات الآلاف من المتابعين، بمعدل عملين في الشهر، مؤكدًا أن النص يأخذ منه وقتًا طويلاً حتى ينتهي من صياغته ليكون متماسكًا وقويًا.

ولم يخفِ السدراتي، طموحاته في التحصيل المادي من وراء ما ينتجه، إذ اعتبر أن ما تحققه السوق الإلكترونية في المغرب ما زال ضعيفًا مقارنة مع الدول الأوروبية، لكنه في المقابل لم ينكر بأن هذه المداخيل يمكن أن تصل إلى 10 آلاف درهم، حوالى (ألف دولار) في الشهر إذا كانت القناة تحقق أرقامًا كبيرة في عدد المتابعين لمنشوراتها.

منافس للتقليدي

وأمام هذا الانتشار والتوسع الذي تحققه هذه القنوات في المشهد الإعلامي المغربي سواء من حيث الكم أو الجمهور، بدأت تطرح أسئلة حول إمكانات هذه الوسائل الجديدة وقدرتها على منافسة ومزاحمة قنوات الإعلام التقليدي على الجمهور وإمكانية أن تصبح منافسًا له في المستقبل القريب.

ويعتقد عبد الوهاب العلالي، أستاذ في المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، أن منظومة الإنترنت بكل مشتملاتها مكنت المغاربة كما بقية شعوب بلدان العالم رغم ضعف البُنى الإعلامية الوطنية من أن "يتواصلوا من دون حدود أو حواجز، وأن يتناظروا ويتطارحوا حول قضايا مختلفة، وذلك بطرق مباشرة شفافة وتفاعلية تتجاوز كل ما هو محظور أو ممنوع رسميًا"، معتبرًا أن هذه العناصر تشكل "قوة اليوتيوب وكل منظومة الإنترنت". 

وأضاف العلالي، في تصريحات لـ"إيلاف المغرب"أن فاعلية هذه القنوات، تظل رهينة بـ"مدى قدرتها على أن تسهم في بناء مجتمع مغربي منفتح على عصره ومنصهر فيه ومتفهم للآخر"، مشددًا في الآن ذاته، على ضرورة أن يكون "حاضنًا لمكونات الهوية وعاملاً من عوامل تنمية الإنسان والمجتمع".

 وأشار الأكاديمي والباحث في قضايا الإعلام والتواصل، إلى أن شبكة الإنترنت أصبحت من "المصادر المهمة للتواصل البشري المباشر وفي نقل المعلومات والأخبار"، مؤكدًا أن هذه الوسائل تجاوزت ما سمّاها وسائل الاتصال "التقليدية كالصحف والإذاعات والتلفزيون"، وذلك بفضل الخدمات الثقافية والإعلامية والإخبارية والبحثية التي تقدمها، وزاد العلالي، موضحًا أن الإعلام الجديد لا ينافس الإعلام التقليدي وحسب، ولكنه "يدفعه إلى تغيير وتجديد نفسه من أجل ضرورات البقاء".

قوة ضغط وتأثير

من جهته، اعتبر علي شعباني، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، أن قنوات يوتيوب تدخل في إطار النتائج التي توصلت إليها وسائل الإعلام من تكنولوجيا وتقنيات حديثة في الإخبار والتواصل، مبينًا أن هذه الفيديوهات "تساعد على نشر العديد من القضايا وتخدم بعض القطاعات الفنية كالفكاهة والتنشيط والغناء وغيرها".

وأضاف شعباني، في تصريح لـ"إيلاف المغرب"، أن الأدوار التي تلعبها مثل هذه القنوات والانتاجات التي تبثها في الشبكة العنكبوتية، ومنها ما يدخل في إطار "ضغط الجماعة وتشكيل الرأي العام، الذي يتحدث عنه علم النفس الاجتماعي"، وأضاف أن هذه الفيديوهات والوسائل الإعلامية الحديثة "تؤثر كثيرًا على مستوى الساحة العامة وعلى الرأي العام وعلى السياسات العامة في المجتمع". 

كما سجل شعباني بأن هذه القنوات تتمثل قوتها وفعاليتها في "سرعة الانتشار وتوجيه الرأي العام وفي التأثير والضغط على المسؤولين والوزراء والبرلمانيين"، موضحًا أن الضغط الذي تمارسه على الرأي العام "لا يترك هامشًا واسعًا للمناورة أمام السياسي أو صاحب القرار، الذي لا يملك إلا أن يخضع لتلك المطالب، وإما أن ينسحب أو يستقيل، وإما أن يقال ويبعد من النشاط العام الذي يمارسه"، في إشارة إلى عدد من الأحداث التي شهدتها الساحة السياسية في بلادنا في السنوات والأشهر الأخيرة، مثل حادثة استقالة وزير الشباب والرياضة، محمد أوزين، وكذلك استقالة الوزيرين الإسلاميين الحبيب شوباني وسمية بنخلدون، بعد إعلان نيتها الزواج في ما عرف آنذاك بقصة "الكوبل الحكومي".

 وأشار شعباني إلى قاعدة عامة في سوسيولوجيا الإعلام تقول إن "لا وسيلة من الوسائل يمكن أن تحارب الأخرى، فلكل وسيلة دورها ومكانتها، ربما قد يكون طغيانًا في مرحلة من المراحل لجهاز أو لقناة أو لتكنولوجيا معينة على أخرى، ولكن لا يمكن أن تقضي عليها"، مذكرًا بعدد من النقاشات التي صاحبت ظهور وسائل جديدة كالإعلام الالكتروني، والقول إنه سيقضي على الصحافة الورقية، كما توقع شعباني، بأنه مع مرور الزمن ستظهر "أشياء أخرى وستأخذ المكان الخاص بها، ولن يكون هناك أي طغيان على الوسائل سواء منها الموجودة أو التي ستظهر من بعد"، قبل أن يختم شعباني بالقول "لا نهاية لمثل هذه الأشياء ولا بد من ظهور الجديد".