لا تزال قضية اللاجئين تتفاعل بقوة في المانيا، لا سيما على صعيد السياسة الداخلية والمناكفات بين الأحزاب الفاعلة، فمع تراجع شعبية ميركل وحلفائها، يبرز التعاظم الملحوظ للأحزاب التي تعتمد خطابًا شعبويًا ومتطرقًا بوجه اللاجئين، ما ينذر بتغيير الخريطة السياسية القائمة.
&
إعداد عبد الإله مجيد: استدعت قيادة حزب البديل من اجل المانيا، المعادي للمهاجرين، زعيمة الحزب فراوكة بيتري بهدف تقديمها الى محاكمة حزبية على تصريحات قالت فيها ان على قوات الشرطة ان تستخدم "اسلحتها النارية إذا دعت الضرورة" لإيقاف اللاجئين على الحدود الالمانية. &
&
ولم يكن اعتراض قيادة الحزب على مضمون التصريحات بل على خطأ بيتري التكتيكي بكشف مواقف الحزب الحقيقية وتوقيت هذا الكشف. فبث الخوف من الغرباء والوافدين ركن اساسي في سياسة الحزب اليميني المتطرف لتحقيق النجاح ولكن الدعوة العلنية الى اطلاق النار لن تلقى قبولا إلا بين شريحة ضيقة من الناخبين المتطرفين قبل اسابيع قليلة على توجه الالمان الى صناديق الاقتراع في عدد من الولايات الكبيرة.&
&
تغيير جذري
&
ومع ذلك يبدو ان حزب البديل من اجل المانيا حقق مكاسب من تصريحات زعيمته رغم مخاوف قادته الآخرين من كشفها عن وجهه الحقيقي. وأظهر استطلاع اجرته قناة أي آر دي ان شعبية هذا الحزب اليميني المتطرف ارتفعت الى 12 في المئة ليصبح ثالث اقوى حزب في المانيا. ويبدو ان كثيرين من الناخبين يجدون وجه الحزب الحقيقي جذابا. ويمكن ان يحدث تصاعد شعبية الحزب تغييرا جذريا في الساحة السياسية الالمانية. فالمستشارة انجيلا ميركل تقود حكومة ائتلافية بمشاركة الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي ينتمي الى يسار الوسط. ويعني هذا ان الذين لا يتفقون مع سياستها تجاه أزمة اللاجئين لا يجدون امامهم خيارا للتعبير عن احتجاجهم، ويبدو ان حزب البديل من اجل المانيا هو الرابح من هذا الوضع بتصوير نفسه الخيار الآخر المنشود رغم استعداد زعيمته بيتري لاستخدام القوة ضد المهاجرين، وهنا تكمن خطورة الحزب.&
&
ويقول مراقبون ان ضعف الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة ميركل وشريكها في الائتلاف الحاكم الحزب الديمقراطي الاجتماعي هو مصدر قوة حزب البديل من اجل المانيا الذي ارتفعت شعبيته باستغلال ازمة اللاجئين، ولكن الحزب بدلا من البحث عن حل سياسي للمشكلة على طريقة الأحزاب اليمينية المحافظة استسلم لاغراء الشعبوية الصاخبة، وتبدى هذا في تصريحات زعيمته فراوكة بيتري بشأن استخدام الاسلحة النارية ودعوة القيادية في الحزب بياتركس فون شتورك الى عدم التردد عن استخدام الاسلحة النارية حتى ضد النساء والأطفال اللاجئين.
&
ولعل اخطر ما في خطاب حزب البديل من أجل المانيا انه يجعل التطرف مقبولا ويؤدي الى استقطاب النقاش الدائر في المجتمع الالماني، فهو يعمل على ترويج كراهية الأجانب ويشيع اجواء يكون فيها من الجائز التشنيع بسياسات القادة التقليديين.&
&
والنتيجة تطرف في الفكر ولدى البعض تطرف في الفعل الذي يمكن ان يتخذ اشكالا استخدمتها في السابق جماعات يسارية متطرفة، فكلما ازدادت وجهات نظر القادة الفكريين للحركة تطرفا ازدادت الاحتجاجات تطرفا والعكس صحيح. &
&
حلول
&
ولا يُعرف الى اي مدى سيذهب حزب البديل من أجل المانيا في تطرفه اليميني وليس واضحا ما إذا كان سيصبح قوة سياسية معترفا بها ضمن الطيف السياسي، &ويكمن جزء من الاجابة في موقف خصومه من الأحزاب التقليدية، من الحزب المسيحي الديمقراطي الى الخضر، وطريقتهم في التعامل معه. &
&
ودعا القيادي في الحزب المسيحي الديمقراطي فولكر كاودر الى تجاهل حزب البديل من اجل المانيا، فيما تفادى قادة الخضر المشاركة في مناظرات سياسية متلفزة مع قادته. كما واقترح زعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي غابريل زيغمار وضع الحزب تحت مراقبة الأجهزة الأمنية الالمانية. &
&
ولكن مسؤولين أمنيين اعربوا عن شكهم في ان يكون مقترح زيغمار قانونيا. ونقلت مجلة شبيغل عن الخبير في الاستطلاعات ماتياس يونغ ان السياسيين التقليديين يحاولون على ما يبدو اعتماد حلول شكلية لتفادي السجال السياسي حول القضايا الجوهرية.&
&
وتشير عقود من الخبرة مع احزاب شعبوية يمينية مثل حزب البديل من اجل المانيا الى ضرورة التعامل مع هذا الحزب بطريقة مختلفة، إذ يجب ان يواجَه حزب البديل من اجل المانيا بحجج وسياسة عقلانية، وعلى الأحزاب التقليدية ان تقدم حلولا للمشاكل الكبيرة التي يتغذى عليها هذا الحزب الشعبوي اليميني وتكسبه شعبية بين الالمان، وإذا نجحت الحكومة في خفض عدد اللاجئين الوافدين الى المانيا وتقدمت بخطة مقنعة لدمج المهاجرين الذين وصلوا فعلا فانها يمكن ان تسحب البساط من تحت اقدام حزب البديل من اجل المانيا، كما ترى مجلة شبيغل. &
&
أشد تعقيدًا
&
في هذه الأثناء لن يتوقف اللاجئون عن التوجه الى المانيا وستواصل الثقافات والأديان التخالط فيما بينها وستبدو عائلات المانية مختلفة عما كانت عليه العائلة الالمانية قبل 40 أو 50 سنة، وسيصبح الواقع الالماني اشد تعقيدا. ولم لا؟ &فان غالبية الالمان لا يجدون مشكلة في ذلك بل يرون ان حياتهم أكثر حرية وامانا وعافية اليوم، وهي افضل مما كانت عليه في غالبية المدن الالمانية قبل 30 عاما، كما تلاحظ مجلة شبيغل. &
&
ولكن الذين يرفضون هذا كله يقاومون بضراوة وعناد، ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي تفرض فيها اقلية متطرفة على اوروبا ان تبحث عن طرق جديدة لمواجهتها من اجل الحفاظ على قيمها في الحرية والديمقراطية واستقبال الهاربين من الظلم والاضطهاد. &
&
التعليقات