رسمت دير شبيغل الألمانية صورةً فسيفسائية متكاملة لكل الجهود المبذولة لدمج اللاجئين بالمجتمع الألماني، خصوصًا أن موجات اللجوء لن تتوقف قريبًا.

دبي: لا يفاجئ أحدًا أن يسمي اللاجئون المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل "ملاك الرحمة"، فأكثر من مليون منهم يعيش اليوم بين ظهرانيها، وهم يعرفون، كما الألمان، مقدار الجهد المبذول لدمج هؤلاء اللاجئين في مجتمع ألمانيا الغريب بالنسبة إليهم، إن في العادات الاجتماعية، أو التقاليد الدينية، أو الموروثات الثقافية. فعملية الدمج هذه تستهلك كثيرًا من الموارد البشرية الألمانية، بعدما أخذت ميركل على عاتقها تأمين عيش لائق لمن ترك بلاده طمعًا في حرية وكرامة.

التقت صحيفة شبيغل الألمانية عددًا كبيرًا من الخبراء والمختصين المشاركين في عملة الدمج هذه، ووقفت على رأيهم في الأدوار التي يؤدونها، لدمج هذه الشريحة الواسعة من الناس، الآتية من بيئات مختلفة، في مجتمع ألمانيا المتعدد.

الكلمة للقانون

قال مايكل شروكس، أستاذ الرياضات القتالية في برلين، للصحيفة إنه يعلم النساء طرائق الدفاع عن النفس، وقد تزايد عدد طالباته بعد موجة التحرش الجنسي التي حصلت ليلة رأس السنة في كولونيا، "فالنساء خائفات من الاغتصاب، بغض النظر عن جنسية المغتصب". أما سليم بوطيب، التونسي الذي يعلم اللاجئين أسس الثقافة الألمانية، فقال للصحيفة إن مهمته تعريف هؤلاء اللاجئين بالناس حولهم، أي الثقافة المحيطة بهم، "فأقول لهم إن عليهم نسيان القوانين التي كانوا يخضعون لها في ديارهم، فألمانيا مختلفة، كما أن اللغة عائق كبير أمامهم حين يجدون أنفسهم على تماس مباشر مع الألمان".

وليساعدهم على الاندماج بالمجتمع الألماني، يعلمهم بوطيب أسس احترام حرية الآخرين، "فكل امرء حر في عبادته، وهو حر في تناوله الشراب والطعام الذي يريده، لكن مع احترام التضامن الجماعي، كما أعلمهم أن الحكم هنا للقانون، ولا أحد فوق هذا القانون، الشيء الذي لم يكن مطبقًا في بلادهم".

تسأل شبيغل كريستيان بفايفر، المختص الألماني في علوم الجريمة، إن كان معدل الجريمة في ارتفاع في ألمانيا اليوم، خصوصًا أن عددًا كبيرًا من الألمان أعرب عن خوفه من ذلك بسبب تدفق اللاجئين الغرباء على بلادهم. هذا هلى الأقل ما يروجه اليمين الألماني، وهذا ما يصفه بفايفر بكلمة "بروباغاندا".

يقول بفايفر إن التأسيس لأمن على الأمد البعيد يردّ إلى الطريقة التي ستعتمدها ألمانيا لتعليم هؤلاء اللاجئين، الآتين من مجتمعات بطريركية، قوانينها الخاصة، "فعلى هؤلاء أن يتعلموا أن الاساءة للنساء ممنوعة، وأن ضرب الأولاد غير مسموح به، من أجل أن يتمكنوا من الاندماج بالمجتمع الألماني".

يستجيبون

أما السيدة س.، المدربة على التأقلم والاندماج التي رفضت البوح باسمها للصحيفة، فعرضت بعض الفصول في الكتاب المعتمد لتعريف اللاجئين بألمانيا، وخصوصًا الفصل السادس وعنوانه "معلومات مبدئية عن ألمانيا"، الذي يقدم لهم كل ما يريدون معرفته عن هذا البلد، إلى جانب فصول عن الديمقراطية والأحزاب السياسية والحريات المدنية والواجبات الوطنية والاتحاد الأوروبي. وتقول إن اللاجئين يستجيبون لما تقدمه من معلومات، فمعظمهم يتوق إلى أن يبدأ حياة جديدة بعد الأسى الذي واجهه في وطنه الأم.

وتقول يورغن شتاينغريبر، مدربة السباحة والعوم الألمانية، إنها تنتهز فرصة دروس السباحة التي تقدمها للاجئين كي تساعدهم على الاندماج في مجتمعهم الجديد، "فهؤلاء أتوا بحرًا إلى أوروبا وهم لا يعرفون السباحة، أي نجوا بحياتهم، وحياتهم غالية عليهم اليوم، ويريدون أن يحيوها باستقرار".

أما ستيفن جاغر، المسؤول في اتحاد بلديات بادن-وورتمبورغ، فيقول إن المسؤوليات الملقاة على عاتق المسؤولين الألمان كبيرة، والعمل الإداري لاستقبال هذا العدد الكبير من اللاجئين لا ينتهي، "فهذا تحدٍّ كبير لم تواجه مثله ألمانيا منذ تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية، خصوصًا أن الألمان يتساءلون عن مصير التقديمات الاجتماعية والطبية في خضم التقسيمات الادارية الجديدة لرصد الموارد لخدمة اللاجئين".

صحة وثقافة وتعليم

أمين بلوظ، الطبيب اللبناني المستقر في بلدة شفيدت على الحدود الألمانية - البولونية، يؤدي دورًا مهمًا في تأمين العناية الطبية للاجئين السوريين وغيرهم، من خلال تحصينهم باللقاحات اللازمة، للتأكد من تمتعهم بصحة جيدة، "فهذا يسرّع اندماجهم في المجتمع، لأن الألمان يتحسسون من الأمراض، والعناية بصحة اللاجئ هي جواز سفره إلى قلب المواطن الألماني".

وكما الصحة، كذلك الثقافة. فالممثلة أولغا فيغير تجمع اللاجئين والألمان في نادي المسرح في دريسدين، كما افتتحت "كافيه إنترناسيونال" في المدينة، حيث تقيم لقاءات أسبوعية بين المواطنين واللاجئين، وخصوصًا الشباب منهم، يتخللها حوار هادئ، يتعلم منه اللاجئون أن الحوار العقلاني بين الثقافات المختلفة يؤدي إلى تصالح ثقافي يديم الاستقرار في المجتمع.

وكذلك تؤدي التربية دورًا كبيرًا في هذا الاندماج، فتقول كلاوديا بوغيدان، المسؤولة التربوية في مدينة لاندر، إن المدارس الألمانية استوعبت 325 ألف طفل لاجئ في عامي 2014 و2015، "وستحتاج ألمانيا لنحو 20 ألف أستاذ ومعلمة إضافيين في المستقبل القريب، بتكلفة تصل إلى 2,3 مليار يورو سنويًا، إن وجدناهم، فألمانيا تعاني اليوم نقصًا كبيرًا في الموارد التعليمية، وخصوصًا في المعلمين والمعلمات القادرين على تعليم اللغة الألمانية كلغة ثانية".

مجتمع على وشك التغيّر

إن حصل هذا الاندماج، فكيف ستكون ألمانيا في المستقبل؟ طرحت صحيفة شبيغل هذا السؤال على يورغن فريدريتش، المختص بالعلوم الاجتماعية بجامعة كولونيا، فأجاب: "سيغر اللاجئون وجه مدننا، فتصبح أوسع وأكثف وأكثر عرضة للتحولات متعددة الثقافات، وعلينا أن نستعد لذلك".

أضاف: "سنجد مساجد في شوارعنا، ومطاعم مختصة بأكلات لا نعرفها ستُغني مدننا فتصبح كوسموبوليتية، وستتأقلم الاثنيات في نسيج المدن الكبرى، وفكرة أن 95 في المئة من سكان مدننا من أصل ألماني ستصبح في خبر كان".

وبحسب سوزان واربز، الباحثة في الهجرة في المكتب الفدرالي للهجرة واللاجئين، سجل هذا المكتب 1.09 مليون طالب لجوء في عام 2015، ما يمثل تحديًا كبيرًا لألمانيا.

تضيف: "ثلثاهم من سوريا وأفغانستان والعراق، و13 في المئة منهم من البلقان، والباقي من إيران وباكستان وإريتريا والجزائر والصومال والمغرب، غالبيتهم من الذكور، تحت الثلاثين عامًا".

ومن مستلزمات هذا الاندماج، يقول المفتش مارك باندون من شرطة كييل إن رجال الشرطة على أهبة الاستعداد دائمًا لتأمين المجتمع، "فقد دمجنا رجالًا من مخافرنا باللاجئين لنمنع عنهم الأذى، ولنعرف الصالح فيهم والطالح، ولا أظن أن مدينة أخرى تفعل ما نفعله".

تكلفة عالية

يقول ماتياس لوكيه، الأستاذ في معهد الاقتصاد العالمي في كييل، لشبيغل إن لكل هذا كلفة باهظة، ستصل هذ العام إلى 25,7 مليار يورو، وعلى الألمان أن يؤمنوا هذا المبلغ في عام 2016 إن كان عدد اللاجئين سيستمر في الارتفاع، لتغطية تكاليف الاسكان والتعليم والتقديمات الاجتماعية ومتطلبات الاندماج.

أما أيدن أوزغوز، المسؤول الفدرالي عن الهجرة واللجوء والاندماج، فقال: "نحتاج إلى وزارة لشؤون الهجرة في ألمانيا، فالفريق الذي يعمل معي صغير، والمسؤوليات جسيمة، وهذا خطأ جسيم. دمج اللاجئين يبقى مهمة كبيرة، لكنني لا أملك السلطة اللازمة لفرض مشروع قانون في هذا الاطار".

وفي إطار الدمج المهني، كان لافتًا الدور الذي أدته وتؤديه شركة BMW، بحسب إنغا يورغينز، مديرة الموظفين في المجموعة، التي أكدت أن المجموعة أطلقت برنامجًا تدريبيًا ضم 500 لاجئ، يتلقون تدريبًا على التأقلم مع سوق العمل الألماني، "ومخططنا كان أن نبدأ مع 50 لاجئاً، لكننا كنّا نواجه صعوبة في العثور على المشاركين في البرنامج، فبدأنا مع 31 رجلًا و3 نساء".