يسعى تنظيم "أحرار الشام" جاهدًا إلى كسب رضا الغرب وعدم تصنيفه كمنظمة "إرهابية"، من خلال استثمار أصول زعيمه لبيب النحاس الأوروبية.

&
دمشق: كان لافتًا أن حركة "أحرار الشام" وقّعت أخيرًا على بيان مؤتمر الرياض لتوحيد المعارضة السورية. وكان البيان يتطرّق إلى ركائز أساسية قد يعتبر بعضها فصائل في الجيش الحر خلافية كـ"الحل السياسي، ورحيل بشار الأسد، وسوريا المستقبل دولة مدنية".
&
حضر لبيب النحاس كمسؤول للشؤون الخارجية لـ"أحرار الشام"، الاجتماع، ووقعت الحركة على البيان. وأكدت مصادر ذات صلة لـ"إيلاف" أن كل ما قيل عن انسحابات من مؤتمر الرياض لم تتم.
&
وكانت جريدة "الغارديان" البريطانية قالت في تقرير حول النحاس وتنظيمه إنه درس في مدينة برمنغهام، وترأس شركة للتكنولوجيا في إحدى ضواحي لندن. ويبدو اليوم وهو يقود الجهود المبذولة لإعادة تصنيف "أحرار الشام" من اعتبارها مجموعة خاضت تحالفات مع تنظيم القاعدة الفرع السوري، وتهدف إلى إقامة دولة دينية سنية في سوريا، إلى حركة يجب التعامل معها كفصيل معتدل.
&
دور النحاس يركز على جهوده الخارجية باستخدام جذوره الأوروبية للوصول إلى مواقع القرار الغربي الحذر من تاريخ ومعتقدات الحركة. يقول النحاس إنه من وجهة نظر أيديولوجية "أنا إسلامي بالطبع، وإلا لن أكون في هذه الحركة"، لكن الفرق وما يتيح لي أن أمارس عملي بشكل أفضل هو فهمي للجوانب المختلفة من كل عالم.
&
الولادة والنشأة&
ولد النحاس في مدريد لأب مسلم سوري وأم إسبانية من خلفية كاثوليكية، وعاش في العاصمة الإسبانية في السنوات الأولى من حياته، وعندما توفي والداه في حادث سيارة، عاد إلى سوريا، ليعيش مع العائلة الكبيرة.
&
جدته لوالدته أرجنتينية لبنانية لم تقطع صلته بإسبانيا، كما تعلم اللغة الانكليزية، مما أهّله لأن يدرس في جامعة برمنغهام، وتخرج في العام 1999 بعدما حصل على شهادة بكالوريوس في هندسة الاتصالات. بعد تخرجه أمضى بعض الوقت في فرنسا وهولندا والولايات المتحدة الأميركية، فضلًا عن المملكة المتحدة، حيث عمل. وفي العام 2010 عاد إلى سوريا، ووجد فرصة عمل في قطاع الاتصالات.
&
يؤكد أن مدينة حمص "هي مدينة والدي، وحيث ترعرعت".. وأنه سافر إلى عدد من مدن العالم، ولم يستقر، واستمر في التنقل، لأنه لم يعثر على راحة البال "بعيدًا عن حمص".
&
دخول خط الثورة
اجتاحت ثورات الربيع العربي المنطقة، وانضم النحاس إلى الاحتجاجات في الشوارع، التي شهدت التحركات الأولى في الثورة. وفي العام 2011 تم اعتقاله من قبل قوات أمن النظام السوري في تظاهرة شارك فيها جنبًا إلى جنب مع شقيقه.
&
في العام 2014 استقال من منصبه كمدير للشركة في المملكة المتحدة، وزاد تركيزه على سوريا، وبرز دوره بعد هجوم طال قيادات من معظم كبار الشخصيات في حركة "أحرار الشام" في أيلول (سبتمبر) العام 2014، وتعززت علاقات الحركة مع الدول الداعمة لها، وأطلقت أيضًا في الآونة الأخيرة حملة غير عادية للاعتراف بها غربيًا كحركة معتدلة، في وجه جهود نظام بشار الأسد وروسيا لتسمية الحركات "الإرهابية" واستثنائها من طاولة المفاوضات في جنيف، وهو يساهم في إقناع الدبلوماسيين بأنهم ليس جزءًا من التطرف، عبر عقد العديد من الاجتماعات مع الدبلوماسيين الغربيين ودبلوماسيي المنطقة، وشكلت هذه الاجتماعات "قناة مباشرة لنقل وجهات نظرنا والحقائق على أرض الواقع".
&
يقول محللون إنه لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت "أحرار الشام" قد تخلت عن معظم جذورها الراديكالية، أو ببساطة تقوم بإطلاق حملة علاقات عامة واقعية.&
&
ويقول علي الياسر المحلل المتابع للحركة: "سواء هذه التحركات الأخيرة هي نتيجة لتغيير في الاستراتيجية والتكتيك أو تشكل تغييرًا حقيقيًا داخلها، وهو ما شاهدناه حتى الآن، إلا أن ما هو واضح هو أن هناك بالفعل مناقشة جارية داخل الحركة على طابعها الإيديولوجي ومستقبلها".
&
الإشكاليات الثلاث
قد تبدو الثلاثية التي تشكل مفاتيح الإشكالية ما بين الاعتدال والتطرف هي موضوعات "الديمقراطية والنساء والأقليات". ويعتبر النحاس أنه لا وجود لأي صراع &أو إشكال مع معظم الآليات المستخدمة في الديمقراطية في انتخاب ممثلي الشعب، والمبدأ الواضح في الإسلام أن الأمة لها الحق في اختيار القيادات، وقال إن "أحرار الشام ملتزمة أيضًا حماية الأقليات".&
&
أما حول ما تم توثيقه من بعض الانتهاكات، بما في ذلك تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، فقد رفضها بوصفها تصرفات أفراد مارقة، وليست أفعالًا تأتي من صميم عقيدة الحركة الرسمية.
&
واعتبر أن "محاولة تسمية أحرار الشام كمنظمة إرهابية لن يغيّر من حقيقة أنها حركة شعبية مرنة". هذا الرأي أيضًا قاله السفير الأميركي السابق لدى سوريا روبرت فورد، الذي حثّ في وقت سابق حكومته على عقد لقاءات مع "أحرار الشام"، ووصفها بأنها "ربما أهم مجموعة تقاتل النظام السوري".
&
تاريخ الحركة القريب
مصادر متطابقة تحدثت عن تحولات حقيقية في حركة "أحرار الشام"، الأمر الذي أدى إلى توقيعها على بيان مؤتمر الرياض بعد مشاركتها إلى جانب جيش الإسلام وفصائل أخرى من الجيش الحر، إضافة إلى موافقتها على الانخراط في تفاوض مع النظام عبر وفد تفاوضي والهيئة العليا للمفاوضات.
&
بالبحث في تاريخها القريب فقد أصدرت بيانين، الأول في العام 2015 وهو حول رؤيتها للثورة السورية، والثاني يتعلق بإعادة هيكلة جناحها العسكري، ليكون نواة جيش نظامي وبدء تشكيل قوة مركزية.
&
ومنذ توقيع الحركة على "ميثاق الشرف الثوري" في مايو ( أيار) العام 2014، تقوم الحركة بعملية تحول تدريجي ولافت في سياساتها وأيديولوجيتها باتجاه التخلي عن فكرة الجهادية السلفية، والدخول ضمن مشروع وطني، وتسويق نفسها كفصيل إسلامي سوري معتدل، بعيد عن القاعدة، وأنه يمكن الاعتماد عليها في محاربة تنظيم "داعش"، وكبديل من النظام السوري.
&
قامت الحركة بخطوات ملموسة من خلال إضافة "ثورة شعب" إلى شعار الحركة، ومن خلال العمل على بناء مؤسسات مدنية في مناطق سيطرتها، كما كان لافتًا في ظل التغيرات إصدار القائد العام لحركة "أحرار الشام" قرارًا بعزل قائد القوة العسكرية المركزية في الحركة.
&
إضافة طبعًا إلى المقالات التي كانت مفاجئة أو غير عادية، لأنها تعبّر عن مجموعة مسلحة تشرح آراءها في الإعلام الغربي، وتنتقد سياسة الحكومتين البريطانية والأميركية تجاه سوريا، وتطالب بتغييرها بشكل يؤدي إلى تمكين المعارضة من تشكيل بديل حقيقي من النظام وداعش.
&
ورغم عملية الاغتيال التي أودت بحياة نحو أربعين قياديًا في حركة "أحرار الشام" في بداية شهر سبتمبر (أيلول) العام 2015، وذهبت عملية الاغتيال بحياة القائد العام للحركة، حسان عبود، والشرعي العام في الحركة، محمود طيبة أبو عبدالملك، والقائد العسكري العام في الحركة، عبد الناصر ياسين أبو طلحة، وقائد الحركة في إدلب، أبو الخير طعوم، وقائدها السابق في إدلب، أحمد يوسف بدوي، وقائد الحركة في حلب، أبو يزن الشامي، وغيرهم. &
&
ورغم عملية اغتيال أخرى بعدها بعشرة أيام، لم تأخذ صدى كبيرًا في الإعلام، رعم تنفيذها من انتحاري، مما يدل على أصابع داعش، إلا أن الحركة تمكنت من تجاوز عملية الاغتيالات بتعيين قيادة جديدة، وهو هاشم الشيخ المعروف باسمه الحركي أبو جابر، كقائد عام جديد للحركة، والذي باشر بتغييرات في مفاصل الحركة، والشيخ مهندس كهرباء من أبناء مدينة مسكنة في ريف حلب الشرقي الذي كان معتقلًا في سجن صيدنايا.&
&
وأصدر هاشم الشيخ، تعميمًا داخليًا، تضمن عزل أبو البراء معرشمارين من قيادة القوة العسكرية المركزية، وحل هذه القوة بشكل كلي، كما تضمن التعميم تعيين أبو محمد الغاب قائدًا للقوة المركزية الجديدة في الحركة. والقيادي المعزول هو أحد مؤسسي حركة "أحرار الشام"، وكان من القادة العسكريين الأساسيين فيها منذ تأسيسها في مطلع صيف عام 2012، وهو محسوب على الجناح المتشدّد في الحركة.
&
ومهما تناقضت الآراء حول "أحرار الشام"، إلا أنه لا بد من الحديث عن تغيير خطاب الحركة في الفترة الأخيرة بشكل واضح ابتداء من الشعارات مرورًا بالحملات والمقالات إلى عقد سلسلة اللقاءات التي طالب بها روبرت فورد، ثم أكد حصولها في نهاية العام 2015.
&
وكان مقال النحاس في صحيفة واشنطن بوست الأميركية، بعنوان "النتائج القاتلة للتصنيف الخاطئ للثوار في سوريا"، استنكر فيه تصنيف إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للثوار ما بين متطرفين ومعتدلين، وانتقد تذرُّع أوباما بأنّه ليست هناك قوات معتدلة يمكن أن تكون شريكًا للولايات المتحدة للتخلص من نظام بشار الأسد، داعيًا واشنطن إلى اعتماد حركة الأحرار، كبديل من كلٍّ من تنظيم "داعش" والنظام السوري، متعهدًا بأن تتبنى حركة "الأحرار" مشروعًا وطنيًا سوريًا جامعًا.
&
أما مقال صحيفة ديلي تلغراف البريطانية فانتقد فيه سياسات الحكومة البريطانية إزاء ما يجري في سوريا، وأكد فيه على أن مواجهة "داعش" لا تكون بالقنابل فقط، ذلك أن وجود داعش "هو ظاهرة اجتماعية وفكرية، يجب أن تتم مواجهتها على مختلف المستويات، وهذا يتطلب "بديلًا سنّيًا في سوريا" يحل محل النظام وداعش في الوقت نفسه.
&
ويبدو أن المقالتين قد تمت قراءتهما بشكل جيد هذا على الصعيد الغربي، وعلى الصعيد الداخلي بقيت الحركة متماسكة، ولم تحصل الانشقاقات التي توقعها البعض في صفوفها، رغم التغييرات الواضحة في خطابها حاليًا.
&