تمثل الهجمات "الجهادية" الدامية في مدينة بن قردان التونسية امتدادا للفوضى نحو هذه المنطقة الحدودية، وتعكس ما تواجهه تونس من صعوبات في تأمين حدودها البرية الطويلة مع جارتها.


تونس: يرى المحلل الرئيسي لشؤون تونس في "مجموعة الأزمات الدولية" مايكل العياري ان هجمات بن قردان تعكس "توسع منطقة الصراع المسلح الذي اقتصر حتى الآن على ليبيا".

ويلفت الى ان "جهاديين" من تنظيم الدولة الاسلامية "يعتقدون ان بن قردان يمكن ان تكون مركزا استراتيجيا لمنطقة +محررة+ تشمل الجنوب الشرقي التونسي ومنطقة طرابلس" العاصمة الليبية.

وأعلن رئيس الحكومة الحبيب الصيد الاثنين ان مهاجمي بن قردان خططوا ل"إحداث إمارة داعشية" في بن قردان.

ومنذ اشهر، تبدي السلطات التونسية قلقا من تدهور الاوضاع الامنية في ليبيا حيث اتخذت تنظيمات جهادية مثل تنظيم الدولة الاسلامية موطئ قدم.

وفي الثاني من آذار/مارس، أعلن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في خطاب القاه في افتتاح اجتماع وزراء الداخلية العرب بتونس ان "تواصل تدهور الاوضاع في ليبيا يمثل تهديدا مباشرا لتونس التي تعد أكثر البلدان عرضة لتداعيات الأزمة في هذا البلد".

واعلنت تونس في شباط/فبراير الماضي الانتهاء من إحداث "منظومة حواجز" أقامتها على حوالى نصف حدودها البرية مع ليبيا، وهي عبارة عن حواجز رملية وخنادق من المفترض ان تؤمن الحدود.

ويرتبط البلدان بحدود برية طولها نحو 500 كيلومتر.

وأعلن وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني اخيرا انه سيتم تجهيز هذه المنظومة بـ"معدات الكترونية" لمراقبة الحدود بدعم من المانيا والولايات المتحدة.

"تحركات مشبوهة"

ويربط محللون بين الهجمات الاخيرة في بن قردان وقصف جوي اميركي استهدف في 19 شباط/فبراير الماضي مقرا لتنظيم الدولة الاسلامية في صبراتة في غرب ليبيا التي تبعد نحو 100 كلم عن الحدود التونسية.

وقتل في هذا القصف 50 شخصا، أغلبهم تونسيون ويرجح ان بينهم التونسي نور الدين شوشان الذي وصف بأنه مسؤول ميداني في تنظيم الدولة الاسلامية بليبيا.

وأعلنت وزارة الدفاع الاميركية ان الغارة الجوية حالت دون وقوع هجوم كان التنظيم الجهادي يعد على الارجح لتنفيذه في تونس.

وبحسب وزارة الداخلية التونسية، فإن نور الدين شوشان متورط في هجومين استهدفا في 2015 متحفا في العاصمة تونس وفندقا في سوسة (وسط) وأسفرا عن مقتل 59 سائحا اجنبيا ورجل امن واحد، وتبناهما تنظيم الدولة الاسلامية.

وبعد خمسة ايام من الغارة الاميركية في صبراتة، احتل نحو 200 جهادي لساعات وسط هذه المدينة قبل ان تطردهم منها مجموعات مسلحة تابعة لتحالف "فجر ليبيا" الذي يسيطر على منطقة طرابلس.

ويقول الباحث في مركز كارنيغي حمزة المؤدب "بعد القصف الاميركي في صبراتة، قال عدد من الجهاديين المصابين ان الدولة الاسلامية تريد الانتقام بشن هجمات &في تونس، وتحدثت تقارير عن تحركات مشبوهة على الحدود".

ولم يستبعد الصحافي الفرنسي المتخصص في الشبكات الجهادي ديفيد طومسون ان تكون هجمات بن قردان "عملا انتقاميا لتونسيي صبراتة"، لكنه لم يستبعد ايضا ان يكون مخططا لها قبل ذلك، لأن تنفيذ مثل هذه الهجمات التي اوقعت 55 قتيلا بين مهاجمين وعناصر امن ومدنيين يحتاج الى "اسابيع أو اشهر من التحضير".

وكانت قوات الأمن قتلت في الثاني من آذار/مارس في بن قردان خمسة جهاديين بينهم اربعة تونسيين، قالت الحكومة انهم تسللوا من ليبيا وخططوا لتنفيذ "عمليات ارهابية" في تونس بعد الغارة الجوية الاميركية في صبراتة.

"خلايا نائمة"

ورجح كل من حمزة المؤدب وديفيد طومسون وجود "خلايا نائمة في تونس" شاركت في تنفيذ هجمات بن قردان.

والتحق أكثر من 5500 تونسي، غالبيتهم تتراوح اعمارهم بين 18 و35 عاما، بتنظيمات جهادية في الخارج لا سيما في سوريا والعراق وليبيا، بحسب تقرير لمجموعة العمل التابعة للامم المتحدة حول استخدام المرتزقة.

ويقول ديفيد طومسون "عاد بعضهم (إلى تونس) منذ 2013 وحلقوا لحاهم واختبأوا. وإن أضفنا إليهم آخرين ما زالوا يجتازون المعابر الحدودية دون ان يتم رصدهم، فهذا يجعل مسألة تعزيز أمن الحدود أمرا غير فعال".

واعلنت السلطات التونسية الاثنين اغلاقا موقتا لمعبري "راس الجدير" و"الذهيبة وازن" الحدوديين بين تونس وليبيا.

وكانت السلطات اتخذت اجراء مماثلا اثر مقتل 12 من عناصر الامن الرئاسي في هجوم انتحاري استهدف حافلتهم وسط العاصمة تونس يوم 24 تشرين الثاني/نوفمبر وتبناه تنظيم الدولة الاسلامية.

ويبدو انه من المستحيل على السلطات ان تغلق الحدود بشكل دائم لأن جنوب تونس يعيش منذ عقود على التجارة غير الرسمية والتهريب مع ليبيا.

وبحسب البنك الدولي، فإن التهريب والتجارة غير الرسمية يمثلان "أكثر من نصف المبادلات (التونسية) مع ليبيا" وأن 328 ألف طن من السلع المهربة تمر سنويا من معبر راس الجدير في بن قردان.&

واعلن وزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينماير الاثنين "إنه أمر ملح لكل المنطقة (..) الا يجد تنظيم الدولة الاسلامية بعد اليوم قاعدة خلفية آمنة" في ليبيا، داعيا الى التركيز على تعزيز أمن الحدود التونسية.

وفي 29 شباط/فبراير، اعلن وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون ان بلاده سترسل فريقا تدريبيا من نحو 20 جنديا الى تونس للمساعدة على الحد من دخول الاشخاص بشكل غير قانوني من ليبيا المجاورة.&

وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وعدت فرنسا بتعزيز التعاون مع تونس في مجال المكافحة المشتركة للارهاب، مع اعطاء اولوية للاستخبارات التي تعتبرها تونس "عصب الحرب".